لطالما كانت بطولة العالم لألعاب القوى في السنوات التي تلي الدورات الأولمبية الصيفية، مناسبة للتعويض وردّ الاعتبار لكثر أخفقوا في الإستحقاق الأولمبي لأسباب عدة، أو لتكريس سطوة براقة وتأكيد الجدارة وإحتكار السيطرة، فضلاً عن مواجهات منتظرة بين أسماء كبيرة يترقبها بشغف جمهور "أم الألعاب". وما تقدّم سيفرض إيقاعه على مدى تسعة أيام بدءاً من اليوم في برلين، مسرح النسخة ال12 من "مونديال القوى" بمشاركة 2102 رياضي ورياضية من 202 بلداً سيتنافسون على إحراز 138 ميدالية من مختلف المعادن في 47 مسابقة (24 للرجال و23 للسيدات). وهي المرة الثانية التي تحتضن فيها مدينة ألمانية بطولة العالم، التي انطلقت عام 1983 في هلسنكي بعد شتوتغارت عام 1993. وبالتالي، أضحت ألمانيا ثالث بلد يستضيف البطولة مرتين بعد فنلندا (1983و2005)، واليابان (1991 و2007). وفي مقدّم الطامحين الى عطف تألقهم الأولمبي الباهر على جدارتهم "العالمية"، الجامايكي أوساين بولت والإثيوبي كينينيسا بيكيلي والروسية يلينا ايسينباييفا والأميركي لاشوان ميريت. فيما سيحاول آخرون ردّ الاعتبار لسجله ومحو خيبته الأولمبية، أمثال الجامايكي آسافا باول والأميركيين تايسون غاي وجيريمي وارينر وسانيا ريتشاردز وبراد ووكر وريزي هوفا والكوبي دايرون روبلس والكرواتية بلانكا فلاسيتش والكينية جانيت جيكوسغي والروسية تاتيتنا ليبيديفا والسوداني أبو بكر كاكي والبحرينية مريم جمال. وستكون الولاياتالمتحدة مرشحة كالعادة لتصدر الترتيب العالم في جدول الميداليات مع منافسة من روسيا. وأصبحت المعادلة واضحة في مسابقات "أم الألعاب" لان موازين القوى محددة أكان في بطولة العالم أو في الأولمبياد, اذ باتت سباقات السرعة حكراً على الأميركيين وعدائي بحر الكاريبي (جامكايكا وباربادوس) وأحياناً البريطانيين، والمسافات المتوسطة والطويلة عادة ما تنتهي بفوز ممثلي أفريقيا (وتحديداً كينيا وإثيوبيا والمغرب العربي), في حين تعتبر مسابقات الرمي والوثب والقفز مفتوحة على احتمالات مختلفة مع أفضلية لأوروبا الشرقية التي تملك مدارس لها تاريخها الطويل في هذه الاختصاصات. وتتجه الأنظار من دون شك الى بولت صاحب الذهبيات الثلاث الأولمبية مع أرقامها القياسية العالمية (100 م و200 م والبدل 4 مرات 100 م), حيث يسعى الى تأكيد هيمنته على سباقات السرعة. وحاول بولت التخفيف من الضغوط الملقاة على عاتقه، خصوصاً وسائل الإعلام التي ترشحه الى تحطيم الأرقام القياسية ذاتها على ملعب "اولمبياشتاديوم" على غرار ما فعل في ملعب "عش الطائر" في بكين قبل عام, عندما شدد في تصريحاته على أن هدفه الأساس حالياً الألقاب العالمية وليس الأرقام القياسية، "لأنها تنقص خزائني". وزاد: "أعتقد بان الوقت لن يكون مناسباً لتعزيز الأرقام القياسية الا اذا ما فرضتها الظروف, فالمنافسة لن تكون سهلة أمام نخبة العدائين في سباقات السرعة"، مؤكداً أنه سيكون أسرع من غاي "أنا مستعد وأعرف ما علي فعله لأصبح بطلاً للعالم", مضيفاً "أتلهف لمواجهة غاي, أنا أكن له كل الاحترام، سنخوض سباقاً في ألعاب القوى وليس حرباً"، في إشارة الى تصريحات غاي الذي أكدّ بأنه "مستعد بدنياً ومعنوياً لهذا النزال". وجدد بولت رغبته في دخول تاريخ ألعاب القوى، بيد أنه رفض فكرة أنه لا تمكن هزيمته في الوقت الحالي، مشيراً الى أنه قد يواجه يوماً سيئاً ويفشل في الفوز.من جهته, لن يجد بيكيلي, صاحب 3 ألقاب أولمبية في 10 آلاف م في أثينا و5 آلاف م و10 آلاف م في بكين و11 لقباً عالمياً في سباقات الضاحية, أي صعوبة في التتويج باللقب العالمي الرابع توالياً ومعادلة إنجاز مواطنه هايله جبريسيلاسي. والأمر ذاته ينطبق على "العصفورة" ايسينباييفا حاملة اللقبين العالمي والأولمبي والرقم القياسي في القفز بالزانة (5.05م)، خصوصاً وان منافستها الأميركية جينيفر ستوسينسكي تغيب بداعي الإصابة. وستحاول ايسينباييفا محو خسارتها أمام البولندية آنا روغوفسكا في لقاء لندن في 24 تموز (يوليو) الماضي. أما أبرز الغائبين فهم الصيني ليو جيانغ حامل لقب سباق ال110 أمتار حواجز، والفرنسي لادجي دوكوريه (110 م حواجز) والروسية يوليا بيتشونكينا حاملة الرقم القياسي العالمي في ال400 م حواجز والأسترالية يانا بيتمان- راولينسون حاملة اللقب والياباني كوجي موروفوشي بطل أولمبياد بكين في رمي المطرقة (بداعي الإصابة)، والبحريني رشيد رمزي بطل العالم في سباقي 800 م و1500 م عام 2005 وحامل ذهبية ال1500م في بكين، المتهم بتناوله منشطات. ثلاث ذهبيات وتوزع ثلاث ذهبيات في اليوم الأول الذي ينطلق بسباق 20 كلم مشياً. ولن يخرج لقب سباق ال10 آلاف م للسيدات وحتى المراكز الثلاثة الأولى من حضن الإثيوبيات في ضوء سيطرتهن على بطولة العالم في السنوات العشر الأخيرة، وأبرزهن تيرونيش ديبابا التي دخلت التاريخ في النسخة قبل الماضية في هلسنكي عندما باتت أول عداءة تحرز ذهبيتي ال5 آلاف م وال10 آلاف م في بطولة واحدة (كررت الإنجاز ذاته في أولمبياد بكين)، علماً أنها كانت تخوض ثاني سباق رسمي لها في المسافة الأخيرة عندما سجلت سابع أفضل توقيت في التاريخ (30.15.67 دقيقة). وإذا كانت إثيوبيا تلقت ضربة موجعة بانسحاب ديبابا حاملة اللقب في النسخة الأخيرة, فإنها تملك عداءات من الطراز الرفيع حققن نتائج مبهرة هذا الموسم. وجاء انسحاب ديبابا بسبب عدم تعافيها من الإصابة وهي تمني النفس بالمشاركة في سباق ال 5 آلاف م الثلثاء المقبل، بحسب المدير الفني للمنتخب دوبي جيلو. وتبدو الفرصة مواتية أمام ميزيريت ديفار لمعانقة الذهب العالمي لسباق ال10 آلاف م بعد ذهبية ال5 آلاف م في "أوساكا 2007". وهو أول إختبار لها في ال10 آلاف م ضمن البطولات الكبرى بعدما كانت مشاركتها تقتصر على ال 5 آلاف م، حيث نالت فضيتها في هلسنكي 2005 وذهبيتها في أوساكا, فضلاً عن ذهبية أولمبياد أثينا 2004 وبرونزية بكين 2008. وعادت ديفار بقوة الى المضمار هذا الموسم وباتت خامس عداءة تنزل تحت حاجز ال30 دقيقة، بتسجيلها29.59.20 د في لقاء برمنغهام, وهو خامس أسرع توقيت في تاريخ السباق. وستواجه ديفار اليوم منافسة كبيرة من مواطنتها ميلكامو ميسيليتش التي حققت رقماً مميزاً في لقاء أوتريخت (29.53.80 د، ثاني أفضل رقم عالمي ورقم قياسي أفريقي)، ثم سجلت بعد أربعة أيام 14.34.17 د في ال5 آلاف م خلال لقاء أوسترافا. وستكون حظوظ مواطنتهما أغالو وودي كبيرة أيضاً للمنافسة على اللقب كونها سجلت 30.11.87 د في حزيران (يونيو) الماضي. وستحاول الكينيات اللواتي حققن نتائج مهمة في المسافات المتوسطة والطويلة فك النحس الذي لازمهن في الأعوام العشرة الأخيرة. وستحمل الواعدة لينيت ماساي رابعة دورة بكين مشعل مواطناتها، بعدما حققت نتائج جيدة هذا الموسم في ال 5 آلاف م إضافة الى إحرازها فضية في بطولة العالم لاختراق الضاحية, الى جانب فلورنس كيبلاغات بطلة العالم للضاحية وصاحبة الرقم القياسي الكيني (30.11.53 د). ومن المرشحات أيضاً الإثيوبية الأصل التركية الجنسية الفان ابيليغيسي ثانية أوساكا 2007 وبكين 2008. وخاضت ابيليغيسي سباق ال 10 آلاف م مرة واحدة منذ تحقيقها الرقم القياسي التركي في بكين (29.56.34 د), وذلك عندما شاركت في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في بيسكارا حيث توجت بالذهب (31.51.98 د). ويبدو الروسي الواعد فاليري بورتشين (23 سنة) أبرز المرشحين لاضافة اللقب العالمي الى الأولمبي في سباق ال20 كلم مشياً. ويملك بروتشين أفضل توقيت هذا العام (1.17.38 ساعة), كما انه لم يخسر في 3 سباقات خاضها. وهو يواجه منافسة قوية من الأسترالي جاريد تالنت ثالث دورة بكين والصيني وانغ هاو رابعها. وسيحاول الإسباني المخضرم فرانشيسكو خافيير فرنانديز (32 سنة) حامل الرقم القياسي العالمي, فك النحس الذي لازمه في البطولات الثلاث الأخيرة عندما إكتفى بالفضية. كما يبرز الإيطاليان جورجيو روبينو وايفانو برونييتي الذي كان قريباً من ميدالية في بكين باحتلاله المركز الخامس، ونال ذهبية دورة المتوسط في بيسكارا. ويملك برونييتي (32 سنة) خبرة كبيرة في سباقات المشي، اذ نال ذهبية ال50 كلم في بطولة العالم عام 1999 في إشبيلية, وذهبية ال20 كلم في أولمبياد أثينا. وفي مسابقة دفع الجلة تسعى الولاياتالمتحدة الى تأكيد سيطرتها للمرة السادسة من أصل 7 بطولات، بيد أنها تواجه منافسة شرسة من البولندي توماس ماييفسكي حامل ذهبية بكين. ويتصدر ماييفسكي الترتيب العالمي برقم قياسي وطني مقداره 21.95 م سجله في ستوكهولم، كما أحرز اللقب الأوروبي داخل قاعة هذا العام في تورينو. ويطمح الأميركي ريز هوفا الى الاحتفاظ باللقب وتعويض إخفاقه الأولمبي, ليصبح ثالث رياضي ينجح في الدفاع عن لقبه. وحقق هوفا رقماً جيداً هذا العام مقداره 21.89م في لقاء يوجين في حزيران الماضي.