عاتب الرئيس المصري محمد مرسي رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان أثناء زيارة الأخير للقاهرة، وذلك بسبب المسلسل التركي «حريم السلطان» الذي لم يكن أردوغان وقتها شاهد أياً من حلقاته. وبحسب صحيفة «الحياة»، فقد قال مرسي له: «إنه من غير اللائق أن يُصور السلاطين العثمانيون بهذه الصورة في قصور فارهة يتلاعب بهم حريمهم وأبناؤهم.. وأن التاريخ العثماني جزء من تاريخ الأمة الإسلامية الذي يعتز به المسلمون جميعاً». عجبت لمرسي كيف له أن يعتز بماضي العثمانيين الذين أذاقوا المصريين أصناف العذاب وألوان الهوان، منذ أن صارت مصر جزءاً من أملاك بني عثمان! عاشت مصر بخاصة، والأقطار العربية عموماً، فترات شديدة الحلكة والسواد تحت حِراب العثمانيين، من كثرة المظالم، وتسلط العساكر، وتدهور المعاش والأحوال، وتراجع العلوم والمعارف. دخل المصريون بخاصة، والعرب عموماً، زمن التسلط العثماني في ظلام دامس، لم ينجلِ إلا عندما دوّت مدافع نابليون في سماء مصر. ولو أن مرسي قلّب صفحات القهر العثماني، فلن يجد غير المجاعات والطواعين التي أنهكت البلاد، والضرائب والمغارم التي أثقلت ظهور المزارعين والعباد، والفتن والنزاعات التي نشبت بين الأتراك والمماليك والعربان. ألا يكفي أنك لو فتشت وسط هذا الظلام الكثيف عن كتاب خالدٍ أو أديب لامعٍ، فإنك أشبه بمن يفتش عن إبرة وسط كومة قش! ومما تجب الإشارة إليه أنه كان للسلاطين العثمانيين تقاليد عجيبة، وطقوس مخيفة في ما يتعلق بتوارث الحكم بين أفراد العائلة، إذ يكشف يعقوب إسحاق في كتابه «الاستبداد عند خير أمة أخرجت للناس» نقلاً عن عبود الشالجي في كتابه «موسوعة العذاب» عن وصية للسلطان العثماني الشهير محمد الفاتح يقول فيها: «على أي واحد من أولادي تؤول إليه السلطنة، أن يقتل إخوته، فهذا يناسب نظام العالم، وإن معظم العلماء يسمحون بذلك، ولهذا فعليهم أن يتصرفوا بمقتضاه». وبقي معمولاً بتلك الوصية لعقود وعقود إلى أن أصبح النظام يقتضي حبس أفراد العائلة الحاكمة والأمراء عدا أبناء السلطان في مقاصير خاصة بالقصر، ويحرم عليهم كل اتصال بالعالم الخارجي، وكانوا يقضون حياتهم في صحبة عدد قليل من الحشم والخصيان والجواري! وجاء في كتاب «خلاصة الأثر» للمحبي أن السلطان محمد بن مراد الثالث بدأ ملكه بخنق إخوته، وكان عددهم 19 ذكراً. وكان والده، أي مراد الثالث، استهل حكمه بخنق إخوته الخمسة، فخنقوا في الوقت نفسه، ثم صلى عليهم وعلى والده السلطان سليم الثاني داخل السراي! أما جد مراد الثالث، السلطان سليمان القانوني، فقد قتل ولده الأكبر مصطفى، وقتل حفيده بايزيد وأولاد بايزيد الخمسة! وكذلك فعل السلطان سليم الأول، والد سليمان القانوني، فافتتح أيام ملكه بقتل إخوته وغيرهم من أهل بيته، وعددهم 17 نفساً! وبمناسبة السلطان سليم الأول، فعندما أراد غزو مصر استفتى مفتي الديار، فقال له: «إذا كانت أمة من الأمم (يقصد المصريين) تؤثر تزويج أبنائها من الكفار (أي الشراكسة) بدلاً من تزويجهم المسلمين فهل تجوز مقاتلة هذه الأمة؟ فأجاب المفتي بقوله: «بلا مبالاة ولا مقاضاة». ثم أضاف السلطان قائلاً: «وإذا كانت أمة تنافق في احتجاجها برفع كلمة الإسلام فتنقش آيات كريمة على الدراهم والدنانير، مع علمها بأن النصارى واليهود يتداولونها، فيدنسونها ويرتكبون أفضع الخطايا بحملها معهم إذا ذهبوا إلى محل الخلاء لقضاء حاجتهم، فكيف تنبغي معاملة هذه الأمة؟ فأجاب المفتي: «إن هذه الأمة إذا رفضت الإقلاع عن ارتكاب هذا العار جازت إبادتها». وصّور ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» بدقة، وقائعاً تشيب لها النواصي عشية الغزو العثماني، وهو ما لم يفعله الرومان ولا اليونان من قبلهم. وأظن أن الرئيس مرسي لو قرأ شهادة ابن إياس، فإنه سيطلب من رجاله ما فاته من حلقات «حريم السلطان»! [email protected]