تباينت قراءة المعلقين الإسرائيليين للأبعاد على الساحة الحزبية التي خلّفها إعلان القطب الثاني في «ليكود»، وزير الداخلية جدعون ساعَر اعتزاله الحياة السياسية والتفرغ لحياته الخاصة. كما اختلفت تقديراتهم في شأن مفعول الاستقالة على حزب «ليكود» الحاكم وزعيمه رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. مع ذلك، اتفق المعلقون على أن الاستقالة هي بمثابة «بشرى» لنتانياهو إذ تزيح من طريقه، في المدى القريب على الأقل، أقوى المنافسين الافتراضيين على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، لكنها في المقابل قد تمس بشعبية الحزب الذي اختارت لجنته المركزية في الجولتين السابقتين من الانتخابات الداخلية ساعَر للمرتبة الثانية على قائمة الحزب لانتخابات الكنيست، تماماً كما فعل اعتزال الوزير السابق موشيه كحلون الحلبة السياسية قبل عامين. أما السؤال الذي بقي مفتوحاً فهو عن موعد عودة ساعَر (48 سنة) إلى الساحة السياسية، وهل يبقى فعلاً في «ليكود» كما وعد، أم يلتحق بكحلون الذي أعلن أنه سينافس في الانتخابات المقبلة في قائمة مستقلة. ولا يمكن القول إن نتانياهو، الذي أعلن أنه يتفهم دوافع ساعَر، ذرف دموعاً على اعتزاله، بل يرى البعض أنه انتظر هذا الإعلان، خصوصاً بعد أن ساءت العلاقات بينهما في العام الأخير في أعقاب قرار نتانياهو إبعاد ساعَر عن الحكومة الأمنية المصغرة وعن دائرة صنع القرار. وتأزمت العلاقات أكثر بعد الجهد الذي بذله ساعَر من أجل انتخاب رؤوفين ريبلين، «عدو نتانياهو»، لمنصب «رئيس الدولة» رغماً عن نتانياهو الذي رمى بثقله ضد الانتخاب من دون أن ينجح في ذلك. ولفت مراقبون إلى حقيقة أن نتانياهو، ورغم الأزمات التي تعصف به وبحكومته في الأشهر الأخيرة وتفاقمت بعد الحرب على غزة، ما زال الزعيم بلا منافس لحزب «ليكود» والشخصية الأنسب في نظر غالبية الإسرائيليين لمنصب رئيس الحكومة. ورأى معلقون أن ساعَر أيقن أن لا أمل له في منافسة نتانياهو في المدى المنظور، فأخلى له الساحة حتى يقرر هو مغادرتها، ليعود عندها ساعَر وينافس على زعامة «ليكود» ورئاسة الحكومة. وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم بارنياع أن ساعَر أدرك الآن ما أدركه قبل عامين أكثر وزراء «ليكود» شعبيةً، موشيه كحلون، بأنه «طالما بقي نتانياهو على رأس الحكومة، فلا أمل لأي كان بالإقلاع نحو هذا المنصب»، مقتبساً من مثل روسي يقول إنه «تحت الأشجار الباسقة لا تنمو سوى الفطريات... وفي حالنا تحت الأشجار الصغيرة لا ينمو شيء». وأضاف أن العبرة الثانية التي استخلصها ساعَر كانت أنه في الحلبة الحزبية، وكي تتقدم إلى أرفع المناصب «لا بد أن تفعل ذلك من الخارج»، مستذكراً أن أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت اللذين كانا من كبار مساعدي نتانياهو، تركاه كي يقودا اليوم اثنين من الأحزاب الكبيرة في إسرائيل. ورأت المعلقة في الشؤون الحزبية سيما كدمون أن الضربة المؤلمة التي وجهها ساعر باستقالته تتمثل في أن «ليكود» أصبح أقل جاذبية للناخب الإسرائيلي مع مغادرة شخصيات شبابية، مثل كحلون وساعَر واحتمال أن يلحق بهما الوزير غلعاد اردان. وتابعت أن سلوك نتانياهو وتعامله مع وزرائه النافذين تسبب في نفورهم منه، «وهو عملياً يقضي بنفسه على ليكود». واتفق معها في هذا التقييم زميلها في «هآرتس» يوسي فيرطر الذي كتب أنه «تحت نتانياهو لا يترعرع شيء... وإذا ما برز شيء ذو جودة وظهر قادة جدد وتدرّج شباب في مناصب عليا، فإن الفأس تسرع في قلعهم، ويُحسم مصيرهم وتبهت جاذبيتهم (في نظر نتانياهو) وخلال فترة يصبح الحلفاء، في نظر الزعيم، متآمرين ودساسين وخونة». وساوى المعلق السياسي شمعون شيفر بين وضع نتانياهو اليوم بذلك في ختام ولايته الأولى رئيساً للحكومة عام 1999 عندما سئم وزراؤه سلوكه وشعروا بعدم رغبته بالتعاون معهم والاستخفاف بهم، وكأنه يقول لهم أنا أولاً ولا يضاهيني أحد. ورأى أن هذه الاستقالة ربما لا تكون نهاية نتانياهو أو بداية نهايته، لكنها نهاية البداية».