يبدو أن فروع التنظيم الدولي للإخوان في الخليج العربي دخلت في مأزق أيديولوجي حقيقي مع تطور الأحداث في الشارع المصري، وانطلاق أولى شرارات الثورة على نظام الرئيس «مرسي» المقبل من الصفوف الخلفية لمكتب إرشاد الجماعة، فرموز التنظيم الإخواني الخليجيون درجوا طوال سنوات على محاربة الأطروحات السلفية التي تحرم الخروج على الحاكم تحريماً قطعياً، كما اعتادوا على وصف أصحاب تلك الأطروحات ب«الجامية»، في محاولة لتهميشهم داخل الإطار السلفي، لكنهم اليوم مجبرون على اتخاذ الموقف نفسه لحماية كرسي الرئاسة في القاهرة، وقد انقلبوا فعلياً إلى سلفيين أو «جامية» في هذه النقطة بالذات. ما يحدث ليس غريباً، فهذا ديدن «الجماعة» منذ عقود طويلة، وتجسيد واضح لمنهجها «النفعي» الذي تحدده مصالحها، حتى وإن اضطرها ذلك إلى قذف الشعارات الدينية والسياسية التي رفعتها طوال 80 عاماً في المحيط، فالسلطة هي الغاية والهدف النهائي، ولذلك فإن كل الوسائل والطرق التي تؤدي إليها يمكن اعتبارها «دين» الإخوان الوحيد. المضحك حقاً أن الإخوان ظلوا يرددون طوال عقود شعارهم الأشهر: «على فلسطين رايحين شهداء بالملايين»، وهم الذين حرضوا على اغتيال الرئيس المصري الأسبق «أنور السادات» بسبب توقيعه معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، لكنهم اعتبروا مراسلات مرشحهم «مرسي» لصديقه «العظيم» الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز مجرد بروتوكول، ثم صفقوا وهللوا وكبروا لرعاية «مرسي» لمعاهدة سلام جديدة ومثيرة مع إسرائيل بعد أحداث غزة الأخيرة، وهي معاهدة تصفها مصادر إسرائيلية ب«غير المعلنة»، وتؤكد أنها سمحت للكيان الصهيوني بنشر أجهزة تجسس على طول الحدود المصرية الإسرائيلية لمراقبة سيناء، وهو أمر لم يسمح به الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك»، أو بالأصح لم يتجرأ عليه، خوفاً من رد الفعل الشعبية التي من الممكن أن تترتب على قرار خطر كهذا ينتهك بشكل صارخ سيادة الدولة المصرية، والسؤال هنا أين ملايين «الإخوانيين» الذاهبين لفلسطين؟ وهل التنازل الذي قدمه السادات بمعاهدة السلام يمكن أن يوصف كتنازل أمام ما قدمه «مرسي» لإسرائيل، إن صحت التسريبات عن أجهزة التجسس؟! ما سبق ليس إلا مثالاً بسيطاً على «نفعية» تنظيم الإخوان وعدم التزامه بأي عهد أو قسم أو شعار أمام مصالحه، وهو الأمر الذي يمتد لممثليه الخليجيين الذين اعتبروا استخدام أمير الكويت لصلاحيته الدستورية جريمة لا يمكن السكوت عليها، وبُحت أصواتهم لتحريض الكويتيين للخروج على قيادة بلادهم الشرعية بسبب ذلك، ثم ما لبثوا أن انقلبوا على أعقابهم واعتبروا «مرسي» بطلاً يريد الحفاظ على الثورة باختراقه وامتهانه التام لدستور بلاده، وحنثه بالقسم الذي أداه قبل تسلمه مهام الرئاسة، الذي أكد على حمايته لمصالح البلاد ومنها فصل السلطات، فجمع في ليلة واحدة كل السلطات في يده حتى تحالفت كل القوى الوطنية المصرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في صف واحد ضده وضد جماعته، وعادت إلى ميدان التحرير رافعة شعار «يسقط حكم المرشد»، ولذلك فإن مأزق «إخوان الخليج» حالياً لن يتوقف عند حملات التبرير الساذجة لممارسات «إخوان مصر» بل سيرتبط كلياً بمدى صمود التنظيم الأم في القاهرة أمام انتفاضة المصريين، فإن سقط الرأس تلفت الأعضاء وانتهت حياتها. [email protected] @Hani_Dh