بعد فوز مرشح جماعة «الإخوان» في الانتخابات الرئاسية المصرية بنسبة 51 في المئة من أصوات الناخبين، يمكننا أن نقول وبكل راحة ضمير إن النتيجة النهائية لثورة 25 كانون الثاني (يناير) التي أشغلت العالم طوال عام ونصف العام لم تكن إسقاط نظام مبارك، أو تحسين الوضع المعيشي للشعب، وإنما هي باختصار تتمثل في أن مصر أصبحت وبشكل رسمي ل«نصف» المصريين. هذا «النصف» الذي أجلس «مرسي» على كرسي الرئاسة بعد ستة أعوام من جلوسه في «التخشيبة» له أسبابه الخاصة، التي ليس منها بالطبع إعجاب بشخصيته أو أداؤه السياسي، فنسبة غير قليلة ممن انتخبوه ينفذون بشكل أعمى مشيئة «مرشد» الجماعة، وهناك نسبة أخرى من الناخبين لا يمكنهم الاستغناء عن عبوات الزيت والسكر التي اعتادت الجماعة على إهدائهم إياها بين فترة وأخرى لتنشيط خلايا الولاء لها في أمعائهم الدقيقة، أما النسبة الأكبر من المصوتين للرئيس الجديد فهي تمثل أطيافاً مختلفة من المشاركين في الثورة الذين صفعتهم إرادة الغالبية بإبعاد مرشحيهم عن السباق الرئاسي في الجولة الأولى، ولم يجدوا بدّاً من دعم مرشح الجماعة ضد منافسه الفريق «أحمد شفيق»، الذي يعتقدون أنه ممثل للنظام السابق، أي «انتخاب لدواعي الكراهية والخوف من الانتقام» لا أكثر. «مرسي» وجماعته الآن يدركون جيداً معنى أن «نصف» المصريين لم ينتخبوهم، ومعظم الظن أنه يؤمن بأن لا نجاح أو استمرار له في حكم مصر ما لم يتصالح مع هذا النصف، وهو أمر ليس مستبعداً بالنظر إلى براغماتية «الإخوان» عبر التاريخ، فالشعارات الدينية لها وقت استخدام لديهم، وهناك وقت آخر يصبح مكانها الطبيعي في الأدراج المغلقة، ولذلك فمن الخطأ اعتقاد أن «الجماعة» ستحول الجمهورية المصرية إلى ولاية مشابهة لدولة طالبان على المستوى الداخلي، لكن الضرر كل الضرر سيظهر في السياسة الخارجية لمصر، التي إن عاد الإخوان وسيطروا على برلمانها ووزاراتها السيادية فستتحول بوصلتها شرقاً باتجاه حليف الجماعة في طهران، لتنتقل من كونها دولة ذات ثقل سياسي وإقليمي لها إستراتيجية خارجية مستقلة، إلى مجرد ولايةٍ غرب البحر الأحمر تنفذ أوامر الولي الفقيه، وهو ما سيضر بمصالح الدولة على المستوى البعيد، وسينعكس لا محالة على الداخل، كما حدث في غزة بعد تولي «حماس» للسلطة قبل سنوات قليلة. من جهة أخرى يبدو «المجلس العسكري» ممسكاً بزمام «صلاحيات الرئيس» جيداً حتى الآن، لكنه سيصبح مجبراً قريباً على العودة إلى مكانه الطبيعي بعد وضع الدستور وانتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى. والسؤال القائم هنا: هل سيقبل كبار العسكر بتسليم زمام القوات المسلحة لبلاط «مرشد الجماعة»؟ وهل سيسمح العالم بأن يحدث ذلك لأحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط؟ يبدو ذلك مستحيلاً على الأقل بالنسبة لمن ما زالوا مقتنعين بفاعلية الدور الدولي خلف كواليس الأحداث في المنطقة. [email protected] @Hani_DH