شيعت صيدا أمس قتلى الاشتباكات التي وقعت أول من أمس بين أنصار الشيخ أحمد الأسير ومناصرين ل«حزب الله» في منطقة التعمير الواقعة على تخوم مخيم عين الحلوة في المدينة. واقفلت المدارس والجامعات الرسمية والخاصة والمؤسسات التجارية، وعاشت المدينة جواً من الحداد العام، في ظل انتشار كثيف للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي لتفادي تكرار اشتباكات اليوم السابق، في حين سُجلت في حارة صيدا ومنطقة التعمير حال أشبه بحال حظر التجول، في ما بدا انه تعميم من «حزب الله» و«حركة امل» لسحب مناصريهما من الشوارع، خصوصاً مع تسجيل انتشار مسلح لمناصري الاسير. وفيما أشيع ان القتيلين لبنان العزي وعلي سمهون المناصرين للأسير سيدفنا في مقبرة سيروب في صيدا، قرر الاسير دفنهما في دوار الكرامة على المدخل الشرقي للمدنية، وتحديداً في المكان الذي اقيمت عليه قبل نحو ثلاثة أشهر، خيمة الاعتصام الذي نفذه الاسير للمطالبة بسحب سلاح «حزب الله». وقال مواكبون للتشييع ان الاسير الذي حضر الى مسجد الشهداء - صيدا في باص عمومي يرافقه مسلحون، فاجأ الجميع بقراره، اذ بينما كانت الصلاة تقام على جثماني القتيلين في المسجد، انطلق المشيعون يتقدمهم الاسير في مسيرة الى الدوار على وقع هتافات منددة ب«حزب الله» وايران، ودفن القتيلان في حفرة هناك وسط صيحات التكبير، ووضعت على القبرين أكاليل أحدها باسم النائب بهية الحريري وآخر باسم الامين العام ل«تيار المستقبل» احمد الحريري. وتحدث الاسير بتأثر عنهما، وقال ان الاول تزوج حديثا «وبدلا من ان يكون في بيته اختار ان يكون معنا في الاعتصام انتصاراً للكرامة، في حين أن المهندس الحاج علي كان يعود من وظيفته الى مكان الاعتصام»، وهنأ القتيلين ب«الشهادة»، وقال: «رفعتما رأسنا عالياً ودمكما قسماً بالله (3 مرات) سيرفع رأس الأمة»، مؤكداً ان «قتلكما كان انتصاراً». وقال: «الكلام سيكون لاحقاً». ثم طلب من المشيعين ووالدي القتيلين الجلوس على الارض للدعاء والصلاة عن روحهما. وأكد الأسير ان «لا تصعيد والأمر رهن المشاورات». وقال: «لم نكن نريد ازالة شعارات عاشوراء التي هي مناسبة دينية ونحن لسنا ضد الشعارات الدينية، لكننا رفضنا رفع شعارات حزب ايران الذي يشارك بالقتال في سورية». وأكد الاسير انه سينتظر «ثلاثة ايام قبل اتخاذ اي اجراءات، لأن دماءنا لن تذهب هدراً»، كما شدد على أن «لا ثقة لنا بالقضاء اللبناني ولا بالأجهزة الامنية». وتزامن التشييع مع اجراءات أمنية مشددة نفذتها وحدات من الجيش، وسيرت دوريات في صيدا وضواحيها. مواقف الى ذلك، دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى «التنبه من خطر الانزلاق الى الفتنة في الداخل»، محذراً من «انعكاساتها ونتائجها على مسيرة الاستقرار والسلم الاهلي في وقت توافق الافرقاء عبر اعلان بعبدا على تحييد لبنان عن صراعات الآخرين وعلى تخفيف لهجة التخاطب السياسي بين الافرقاء من أجل المحافظة على مناخات التهدئة التي تشكل المعبر اللازم والضروري لاجتياز هذه المرحلة الدقيقة». وإذ تابع سليمان تطورات الاوضاع خصوصاً في صيدا، طلب الى المسؤولين الامنيين والقضائيين اتخاذ التدابير اللازمة لضبط الوضع والتحري عن مسببي الإشكال الاخير واعتقالهم وإحالتهم على القضاء المختص. وبحث مع وزير الداخلية مروان شربل تفاصيل الإشكال والخطوات التي اتخذتها القوى العسكرية والامنية لضبط الوضع والتشدد في ملاحقة الفاعلين والمرتكبين. واطلع من قائد الجيش العماد جان قهوجي على التدابير التي اتخذتها القيادة من أجل تثبيت الاستقرار وضبط الوضع في صيدا ومحيطها وعلى الحدود الشمالية والشرقية. وحذر وزير الدفاع فايز غصن في تصريح امس من «خطورة تفاقم الأمور ووصولها الى مرحلة يصعب تداركها»، معتبراً ان «ما حصل هو نتيجة للتحريض الطائفي والمذهبي، ولغياب الحوار بين أبناء الوطن الواحد». وجدّد التأكيد «ان الجيش لن يتهاون مع أي مخل»، وقال: «انها فتنة عادت لتطل برأسها من جديد لا يمكن أن تجد لها مكاناً في لبنان إذا ما عزز اللبنانيون وحدتهم، وابتعدوا عن لغة الشارع والنار واعتمدوا الحوار وسيلة وحيدة لحل الخلافات». وأمنياً، ترأس قائد منطقة الجنوب العسكرية العميد الركن غسان سالم اجتماعا لرؤساء الوحدات العسكرية، بمشاركة قائد الدرك العميد جوزيف الدويهي في صيدا لبحث التدابير الامنية واعادة الهدوء والاستقرار الى المدينة والجوار. وزار الدويهي النائب بهية الحريري في مجدليون، حيث عقد اجتماع ضمهما الى محافظ الجنوب نقولا بو ضاهر وقائد منطقة الجنوب في قوى الأمن العميد طارق عبدالله. وتمنت الحريري تسريع التحقيقات في ملابسات حادثة التعمير لتحديد المسؤولين عنها وتقديمهم الى القضاء. واكدت ان «صيدا لا تريد إلا سلاح الشرعية ولا تريد إلا العدالة والإستقرار، ولا يمكن ان يتحقق الإستقرار اذا لم تتحقق العدالة». وكانت الحريري زارت عائلتي سمهون والعزي وقدمت التعازي بهما. كما تشاورت هاتفياً مع وزير الداخلية. وحمّل أحمد الحريري «حزب الله» المسؤولية المباشرة عن حادثة «التعمير- عين الحلوة»، وأعلن عن أسماء عدد من الفاعلين، «وهم محمد الديراني وحيدر الديراني ومحمد علي نجم ومحمد فقيه»، مشيراً إلى أن «المسؤول المباشر للخلية هو الشيخ زيد ضاهر، وهؤلاء هم الذين اطلقوا الرصاص أولاً وكان ذلك واضحاً في الفيلم الذي عرض على يوتيوب كيف أن اطلاق الرصاص أتى بعد الشتائم». وأوضح أن «سلوكيات «حزب الله» الأخيرة ادت الى كل هذا الاحتقان الحاصل»، وقال: «نرى منذ 7 ايار تأثير السلاح على البلد والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالتزامن مع لهجة الاستكبار وتصنيف الناس بين شرفاء وطنيين وآخرين عملاء إذا كانوا يخالفونهم الرأي». وتوقف عند كلام الدولة عن «فتح تحقيق شفاف وواضح وسريع»، وأكد أن «الأمر مكشوف». واستغرب «كيف ينام أهالي الشهداء بالحزن أما الذين اطلقوا النار فينامون في بيوتهم». الى ذلك، حمّل الرئيس السابق لبلدية صيدا عبدالرحمن البزري «الحكومة بشخص وزير الداخلية المسؤولية المعنوية» عن الاوضاع في صيدا، داعياً شربل الى «الاستقالة بسبب فشله في قراءة الحدث الامني». والد الشربيني في المقابل، زار محمود الشربيني والد الشاب علي الشربيني (16 سنة، مصري الجنسية وأمه فلسطينية ويقيم في مخيم عين الحلوة) الامين العام ل«التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد في مكتبه في صيدا. وطالب الشربيني سعد ب«الاقتصاص من قتلة ابنه». واستنكرت مختلف الهيئات والتنظيمات الاحداث المسلحة في صيدا، في ظل إجماع على رفض استعمال السلاح في الداخل.