لا يشك عاقل في أن حب الوطن فطرة وركيزة في قلب الإنسان، والمتأمل لآيات القرآن يقف على ذلك جلياً، تأمل قول الله تعالى: (إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ)، وقوله: (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ)، وقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ)، وما الديار في الآيات إلا كناية عن الأوطان. وكان رسول الله يعبّر عن حبه لموطنه، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها من حبها، ودعا للمدينة بأن يجعل الله بها ضعفي ما جعل في مكة من البركة. ليست قضية المقال التأصيل الشرعي للمواطنة وحب الأوطان، لكن قضيته الطرح الراقي للتعبير عن المواطنة الحقة، إن المواطنة أكبر من أن تختزل في جنسية تكتب في جواز سفر، أو وثيقة رسمية، أو أبيات يُترنم بها، أو يوم يحتفل به، أو شعارات ترفع وتردد من دون أن يكون لها أثر على أرض الواقع. المواطنة لا تصح من عاشق يتراقص على إيقاعاتها في اليوم الوطني ويرمي مخالفاته بعده في مكان عام، ولا يحافظ على الممتلكات العامة، ويتأخر عن دوامه الرسمي، ويؤخر إنجاز أعماله، وتمكث معاملات المراجعين لديه الزمن الطويل، ويكذب ويخادع ويغش ويخون ليس فوق أرض وطنه الذي يزعم محبته فحسب بل وخارج حدود وطنه حتى لو أدى ذلك إلى الإساءة إلى وطنه وأهله، المواطنة لا تصلح ممن يتغنى بها ثم يزعم الإصلاح من خلال الخروج على شاشة القنوات للنيل من الوطن الذي اقتات من خيراته وتخرج في مدارسه ثم اتهمه بأنه هو الذي يرعى الإرهاب ومناهجه هي التي تخرج الإرهابيين، ولا أدري ما الحصانة الفكرية التي حمته؟ المواطنة حقوق وواجبات، وأداة لبناء وتنمية الوطن والحفاظ على العيش المشترك فيه، ومحضن للهوية الوطنية وللخصوصيات الحضارية تنفتح على كل الأوطان، وتطلع على تجارب الآخرين، لأنها تؤمن بأن الانغلاق يؤدي إلى الجمود والاضمحلال والاندماج والتلاقح المتزن يؤدي إلى التطور والازدهار، المواطنة تعني الغيرة على الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه والمشاركة الفعالة في مختلف مجالات التنمية، المواطنة تسعى إلى توسيع إشعاع الوطن العالمي، المواطنة انتماء ديني ومدني يتجسد فيه التزام دائم تجاه الوطن، لا يتحقق وينمو إلا لدى من يستشعر ويشعر بعطاء وطنه له فيبادله العطاء، المواطنة تعني السعي الحثيث لخدمة الوطن من خلال التفوق في المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والإسهام في تمثيل الوطن في المحافل الدولية، المواطنة هي الأمانة والانتظام والانضباط في كل أمور الحياة. المواطنة والوطن كلمات تعني الكثير لأصحاب الولاء الحق، واختزالها في شعارات من دون أن تكون لذلك حقيقة على أرض الواقع ادعاء أجوف. إضاءة: ما انتشر بين الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «حب الوطن من الإيمان» حديث موضوع. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]