مفهوم «الوطنية» من المفاهيم التي يدور حولها جدل واسع، ويختلف باختلاف الزاوية التي يُتناول منها، وهُوية من يتحدث عنها، ومع المخاطر التي تكتنف المنطقة، والمعطيات التاريخية، نجد أن مفهوم الوطنية السعودية يحتاج إلى تحرير وتعريف واضح ودقيق بما يتناسب مع مكانة المملكة الشرعية وتاريخها العريق. ومن الطرائف أن النخبوية فضلاً عن العامة يختلفون في تحديد مفهوم الوطنية ما بين الانتماء، أو الحنين إلى الأرض، أو العلاقة بين الفرد وقيادته، أو قيام الفرد بحقوق وطنه، أو نيل الحقوق والقيام بالواجبات في علاقة بين الفرد والحكومة، أو.... وتتبعها أو تحمل تعريفات متباينة للوطنية، تختلف من دولة لأخرى بل ومن مثقف لآخر، مما يعكس غبشاً في مفهوم الوطنية. وتتنازع «الوطنية» طائفتان ما بين: غالٍ وجافٍ يضعف معهما صوت الوسطية العاقل، فما بين منادٍ بالقومية الوطنية التي تستورد مفهوم الوطنية من الغرب لدى مجتمع مسلم يختلف اختلافاً جذرياً عن الدولة التي تم استيراد المفهوم منها، وتريد أن تعزلنا عن العالم الإسلامي وهمومه تحت مسمى الوطنية، وما بين جافٍ لمفهوم الوطنية محارب لها، يرى أن في اعتمادها محاربة للأمة الإسلامية وعزل بين الشعوب المسلمة تحت مسمى: الأممية، وصرنا ما بين منادٍ لقوقعتنا على ذواتنا في عالم العولمة والانفتاح الثقافي ويريدنا أن نكون جزيرة منعزلة وسط المحيط، وما بين مذيب لهويتنا وكياننا، ويريدنا أن نعيش كرات ثلج في مساحة مائية، مع العلم أن تأثيرنا في الشعوب الإسلامية لا يمكن أن ينبني ما لم نرسم مفهوماً للوطنية يجعلنا الأقوى والأكثر تأثيراً، وما بين هذين الصوتين المتطرفين يتوارى صوت العقل والوسطية، وأن الوطنية الحقة هي الوطنية المحافظة على مكتسباتها ومعطياتها التاريخية وخصوصيتها، والقادرة على التأثير في الساحة الإسلامية بل والعالمية. لن أتحدث عن التأصيل الشرعي لحب الوطن، لأن حب الأوطان فطرة، بل قرن الله ألم مفارقة الأوطان بخروج الروح من جسدها، فقال: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ» لكن سأتحدث عن ضعف تعزيز الهوية الوطنية لغياب المفهوم الدقيق لمفهوم الوطنية السعودية، مما أدى بدوره إلى عدم فك فلسفة الرموز الوطنية كالعلم والنشيد، وسل نخبوية المجتمع فضلاً عن عامتهم عن سبب اختيار اللون الأخضر للعلم السعودي وشعار السيفين والنخلة تجد تبايناً في التفسيرات، بل التاريخ الوطني وهو تاريخ مشرف للدولة السعودية لا يدرسه الطالب إلا في فصل دراسي واحد في المرحلة المتوسطة بطريقة سرد ممل تفتقد عنصر التشويق والطرح العصري للتاريخ الحديث تجعل الطالب يستجدي أستاذه بأن يحذفه أو يخفف منه، مما يدعونا إلى درس إعادة صياغة التاريخ الحديث للطلاب بما يتناسب مع روح العصر، وإلى اعتماده كمتطلب من متطلبات الجامعة يُركز فيه على الجوانب الإنسانية والقيم الحضارية للدولة السعودية في مراحلها الثلاث. إن تحرير مفهوم الوطنية السعودية مشروع ريادي عظيم يجب علينا ألا نتأخر في تحريره وتحديده بناء على مكانة المملكة الشرعية وخصوصيتها الزمانية والمكانية، والعوامل الموضوعية التي تجمع بين أبنائها من اتحاد الدين واللغة واللُّحمة الاجتماعية، وبعد تحديد المفهوم الدقيق للوطنية السعودية سنستطيع رسم الخطط الاستراتيجية للوطنية وزرع قيم المواطنة في نفوس أبنائنا. لأن الوطنية لا يمكن أن تختزل في شعارات تردد من دون أن تكون مشاريع قائمة وقيماً حضارية تجعل الواحد منا يفخر في العالم أجمع بأنه سعودي. * داعية وأكاديمية سعودية. [email protected]