أعربت الحكومة المصرية عن أسفها لاقتحام متظاهرين مقر السفارة الأميركية في القاهرة واستبدال رايات جهادية سوداء بعلم الولاياتالمتحدة، مؤكدة عزمها «القيام بواجبها» في حماية البعثات الديبلوماسية «بكل حزم». ودعت مواطنيها إلى «ضبط النفس في رد الفعل» على إنتاج أقباط مقيمين في الولاياتالمتحدة فيلماً مسيئاً إلى النبي محمد، معتبرة أن إنتاج الفيلم تصرف «في منتهى التدني الأخلاقي». وشهد مقر السفارة أمس استنفاراً أمنياً غير مسبوق، فيما دعت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى تنظيم وقفات احتجاجية وتظاهرات تخرج غداً من مساجد في مختلف المحافظات عقب صلاة الجمعة احتجاجاً على إنتاج هذا الفيلم. وشدد بيان مجلس الوزراء أمس على «تفهم الحكومة لما يشعر به الشعب المصري بكل طوائفه من مشاعر الغضب»، مناشداً الجماهير «أن تلتزم في تعبيرها عن غضبها بضبط النفس». وقال: «من واجبنا وما تفرضه علينا تقاليدنا العريقة والتزاماتنا الدولية حماية كل البعثات الديبلوماسية الموجودة على أرض مصر وتأكيد سلامتها وسلامة العاملين فيها والحكومة المصرية عازمة على القيام بواجبها في هذا الشأن بكل حزم». وعبر عن الأسف لما حدث أمام السفارة الأميركية في القاهرة. وقال إن تلك الأحداث «أمر مؤسف ومرفوض من جموع الشعب المصري ولا تبرير له، خصوصاً إذا وضعنا في اعتبارنا أن من قام بإنتاج هذا الفيلم الهابط لا علاقة لهم بالدولة أو الموقف الرسمي للحكومة الأميركية، ومن هذا المنطلق فإننا نطالب الحكومة الأميركية باتخاذ موقف حازم من منتجي هذا الفيلم في إطار المواثيق الدولية التي تجرم الأفعال التي من شأنها إثارة الفتن على أساس العرق أو الدين». ودان البيان «الفيلم المسيء»، واصفاً إياه بأنه «منتهى التدني الأخلاقي والتصرف الخارج عن كل القيم والأعراف الإنسانية في احترام ديانات وعقائد الآخرين ويؤكد تفاهة وانحطاط أخلاق صانعيه». وأشار إلى أن «جموع الشعب المصري حكومة وشعباً بمسلميه ومسيحييه يعبرون عن غضبهم ورفضهم لهذه الإساءة»، مشيراً إلى أن «الكنائس المصرية شجبت واستنكرت هذا العمل وتبرأت منه وانضم المسيحيون إلى إخوانهم المسلمين في مصر في التعبير عن غضبهم»، لافتاً إلى أن «بعض الشخصيات الوطنية القبطية تقدمت ببلاغات ضد ممولي ومعدي هذا الفيلم، والحكومة من ناحيتها ستقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن». وبعد دقائق من تعهد الحكومة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد منتجي الفيلم، قرر النائب العام عبدالمجيد محمود وضع أسماء القس الأميركي تيري جونز والقس مرقص عزيز وشهرته «الأب يوتا» وعصمت زقلمة وموريس صادق ونبيل بسادة وإيهاب يعقوب وجاك عطالله وناهد متولي وإيليا باسيلي وعادل رياض على قوائم ترقب الوصول، مع تكليف نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغات التي تتهمهم بازدراء الإسلام. وقال النائب العام المساعد عادل السعيد في بيان إنه كان «تلقى خمسة بلاغات من بعض المحامين والأشخاص في شأن ما نشر عن فيلم تضمن مشاهد مسيئة إلى الذات الإلهية والدين الإسلامي والرسول عليه الصلاة والسلام وسلطات الدولة المصرية». وأشار إلى أن «بعض الأقباط المقيمين في الولاياتالمتحدة اشتركوا مع مجموعة من الممثلين الأجانب في إنتاج هذا الفيلم ونشره على مواقع الإنترنت، وتم على الفور تكليف فريق من أعضاء نيابة أمن الدولة العليا بسرعة التحقيق في تلك البلاغات وما تنطوي عليه من مشاهد تشكل جرائم ازدراء للدين الإسلامي والترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء الأديان السماوية والطوائف المنتمية إليها والإضرار بالوحدة الوطنية وتكدير السلم العام». وكانت وزارة الخارجية أكدت تصميم السلطات على توفير الإجراءات الأمنية الضرورية لحماية كل السفارات والبعثات الديبلوماسية الموجودة على الأراضي المصرية والعاملين فيها. وأشارت في بيان إلى أن «مقار البعثات الديبلوماسية في كل عواصم العالم تحظى بحصانات، ومن هذا المنطلق فإن أمن السفارات وتوفير الحماية للمبعوثين الديبلوماسيين هو مسؤولية ذات أولوية للسلطات الرسمية في أي دولة». وواصل متظاهرون احتشادهم أمام السفارة الأميركية في حي غاردن سيتي، وسط استنفار أمني غير مسبوق شهده محيطها. وردد المتظاهرون هتافات ضد واشنطن والقائمين على الفيلم. ودفعت السلطات بتعزيزات أمنية إضافية عند محيط السفارة الأميركية ومقر القنصلية في الاسكندرية. وحدثت احتكاكات بسيطة بين المتظاهرين وقوات الأمن لدى منعها إياهم من مواصلة السير باتجاه السفارة. وحذرت السفارة الأميركية مواطنيها من استمرار التظاهرات في محيط السفارة ومن الوضع الأمني عموماً. وأغلقت أبوابها وعلقت خدماتها أمس وخصصت رقماً هاتفياً لمواطنيها للتواصل معها في حال الطوارئ، وحضتهم على تجنب المناطق التي تنتشر بها التجمعات، حرصاً على سلامتهم في حال تحولت إلى تظاهرات عنيفة واشتباكات. ودعا «الإخوان» إلى التظاهر غداً. وقال الأمين العام للجماعة محمود حسين إن «الجماعة تدعو إلى تنظيم وقفات احتجاجية سلمية لاستنكار الإساءة إلى المعتقدات الدينية والإساءة إلى رسول الله بعد صلاة الجمعة أمام المساجد الرئيسة في جميع محافظات مصر». وتقدم محامي «الإخوان» عبدالمنعم عبدالمقصود ببلاغ ضد صانع الفيلم طلب فيه اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم. واتهمهم بتأجيج الفتن. وأصدرت شخصيات قبطية بارزة بينها مساعد الرئيس سمير مرقص بياناً دان الفيلم، واعتبر أن «هذا التصرف يعود بنا إلى الوراء ويجدد مرحلة كنا نظن أننا تجاوزناها، وهي مرحلة التنابذ والسجال الديني الذي يؤجج الفرقة». وأكد رفض أي عمل «يقوم على تجريح الرموز الدينية ويسهم في تدمير الشراكة الوطنية». ودعا ناشطون أقباط إلى تظاهرة مساء أمس في القاهرة احتجاجاً على الفيلم. ودان «اتحاد شباب ماسبيرو» و «ائتلاف أقباط مصر» في بيان «كل شكل من أشكال الإساءة إلى أي دين كان وكذلك أي محاولة لبث الفتنة بين مختلف الطوائف». ونددت هيئة كبار العلماء في الأزهر ب «الإساءات المتكررة إلى الإسلام ورموزه». ودعت في بيان أمس إلى «ضرورة أن تتسم ردود الفعل الإسلامية بالحكمة، وأن تزيد من إيضاحها لحقائق الإسلام ومقدساته ورموزه وأن تبتعد عن أخذ البريء بذنب المسيء». وشهد مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) أمس جلسة غاضبة. وطالب نواب الرئيس محمد مرسي ب «التدخل الفوري والعاجل لوقف عرض هذا الفيلم». ودعاه بعضهم إلى «الاحتجاج لدى الإدارة الأميركية ووقف كل المحادثات والعلاقات الثنائية بين البلدين». وطالب آخرون ب «طرد السفيرة الأميركية من القاهرة واستدعاء سفير مصر في واشنطن ومخاطبة مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لمناقشة هذه القضية».