يتابع «مهرجان أفلام العالم» في مونتريال الكندية دورته الثامنة والثلاثين في تقديم عروضه السينمائية من 21 أب (أغسطس) الجاري، حتى 1 أيلول (سبتمبر) المقبل. ويؤكد رئيس المهرجان الممثل والمخرج الإيطالي سيرجيو كاستالينو أن الغاية من إقامته ليس لوفرة أفلامه (أكثر من 400) الوافدة من مختلف دول العالم وتنوعها وحسب، و»إنما لتعزيز التنافس في ما بينها وتطوير الفن السابع وانفتاحه على الحوار وثقافة الآخر وإفساح المجال أمام المواهب الصاعدة»، مشيراً إلى أن المهرجان هو اللقاء التنافسي الوحيد في الشمال الأميركي. بانوراما عربية يتأرجح الحضور العربي في المهرجان بين عام وآخر. فحيناً تتزايد عروضه السينمائية الآتية من البلدان العربية، وحيناً تتضاءل. ويبدو أن اضطراب الأحوال السياسية والأمنية في بعض البلدان العربية ينعكس سلباً على مجمل الإنتاج السينمائي. كما يلاحظ أن السينما المغاربية تتنامى مشاركتها تباعاً سواء في مهرجان مونتريال أو غيره، ويطغى عليها العمل المشترك بين ممثلين ومخرجين ومنتجين أجانب ومغاربة مقيمين في أوروبا وأميركا وكندا. في حين تتراجع السينما المشرقية العربية إلى درجة هزيلة لم تعرفها من قبل. يبلغ عدد الأفلام العربية المشاركة في مهرجان هذا العام ثمانية: ثلاثة للجزائر، واثنان للمغرب وواحد لكل من مصر وتونس والبحرين. وتلخص بمجملها ما تشهده الساحة العربية من تناقضات اجتماعية حادة وتوترات أمنية وتيارات دينية متطرفة من دون أن يخلو بعضها على رغم طابعه الدرامي من لقطات فكاهية. فالأفلام القصيرة وعددها ثلاثة تتمحور حول قضايا اجتماعية مختلفة تتقاطع فيها البطالة والتهميش والتفاوت الطبقي والمعتقدات الدينية والمشاعر العاطفية. ففي فيلم «مول لكلب» أو «L,homme au Chien» المغربي -27 دقيقة – ناطق بالعربية، إخراج كمال لزورق، يعيش بطل الفيلم يوسف حياة منعزلة ومهمشة. وهو يتخذ كلبه صديقاً وحيداً ربما بديلاً عن الإنسان (وهي التفاتة غنية بالدلالات) ويتنزه معه على شاطئ البحر. ولكن في غفلة من يوسف يختفي الكلب ويهيم يوسف باحثاً عنه عبثاً في شوارع وأحياء الدار البيضاء. وفي السياق المغاربي أيضاً يعرض «السماء أرسلتك» للمخرج بيار أبو جاعود (إنتاج فرنسي - جزائري)-26 دقيقة – تراجيدي كوميدي. ويروي قصة شاب وسيم (كليمان)، تنكر في ثياب راهب بمناسبة حفلة في عيد الحب. تشاهده فتاة وتطلب إليه، أن يرافقها إلى نزل والدها المريض الذي أصر على رؤية كاهن لشفائه. فأصبح تلك الليلة واحداً من أفراد العائلة بعد أن جعل الكهنوت في خدمة الحب. أما فيلم «سوق مركزي» 10 دقائق- تأليف وإخراج صالح ناس – وبطولة عبد الله حسن ناطق بالعربية، فهو أول إطلالة بحرينية تغزو شاشات السينما العالمية. والفيلم يروي قصة صبي يعمل في سوق الخضار فترة بعد الظهر حيث يقوم بتوصيل طلبات الزبائن إلى منازلهم. وتسول له نفسه حلب عنزة في حظيرة مجاورة للحصول على مبلغ من المال. في إشارة ربما إلى التفاوت الاجتماعي والطبقي في المجتمع البحريني. زواج حلال أما العروض الطويلة فتوزعت على خمسة أفلام أربعة منها مغاربية تتوزع على عرضين جزائريين الأول «المصادقة على زواج حلال» إنتاج بلجيكي جزائري من إخراج محمود زموري –85 دقيقة - ناطق باللغتين العربية والفرنسية وهو الفيلم الكوميدي الوحيد بين مجموعة الأفلام العربية. ويرصد الفيلم جوانب متعددة من الحياة الجزائرية الاجتماعية المرتبطة بعادات وتقاليد الاحتفالات بالزواج والأعراس الشعبية والنزاعات العائلية والقبلية وشيوع ظاهرة الزواج عبر الانترنت. تنطلق أحداث الفيلم من مطار هواري بومدين باتجاه قرية العريس في منطقة بسكرة. ويواكب أهل العريس عروسته الفرنسية الأصل التي تعرف إليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وفي الطريق يقع حادث سير بين موكب العريس وموكب عريس آخر. ووسط تجمع الحشود حول الحادث تتجه كل عروس إلى العريس الآخر. وتنتهي الحكاية بنزاع بين عائلتي العريسين وسط حال من العنف والإثارة والهرج والمرج. أما الفيلم الثاني فهو بعنوان «الجزائري» من إخراج الأميركي جوفياني زلكو – 99 دقيقة – ناطق بالإنكليزية والعربية. ويلعب فيه الممثل الجزائري عبد الوهاب بن يوسف (علي) دور البطولة. وفي الفيلم يقرر علي أن يرحل من الجزائر إلى لوس أنجلوس في الولاياتالمتحدة الأميركية بعد أن تخلى عن تنظيم أصولي متطرف كان قد نشأ عليه في الجزائر. وهو يكتشف في أميركا نمطاً جديداً من الحياة وعالماً آخر يختلف بمفاهيمه وطرق عيشه وأفكاره وثقافته. ويعزز هذه المفاهيم لقاؤه بمسلم أميركي أسود ذي ثقافة ليبرالية يقنعه أن الإسلام دين حوار وسلام وتعايش حضاري. وتضم العروض المغاربية أيضاً فيلم «مراسل حرب» أو «الحي يروح» بالعامية التونسية - 74 دقيقة - ناطق بالعربية، للمخرج أمين بوخريص وهو إنتاج وثائقي جديد تمّ تصويره في تونس وليبيا ومصر وسورية وتركيا والجزائر وفلسطين وفرنسا. وهو ينقل واقع المراسلين والمصورين «جنود الخفاء» ممن جاهدوا من أجل إيصال المعلومة والصورة بكل تفاصيلها «معرّضين حياتهم للخطر والموت في كل لحظة». (يذكر أن بطل الفيلم أياد أحمد أصيب مؤخراً خلال المواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي). ويتضمن الفيلم مشاهد حية للقصف والدمار وصور بعض المراسلين عرباً وأجانب ممن لاقوا حتفهم في أكثر من بلد عربي. ويذكر الفيلم بمقتل أكثر من 200 مصور ومراسل بين عامي 2011 و20013. أما فيلم «حمى» من إخراج هشام عيوش- مدته 90 دقيقة - إنتاج فرنسي – مغربي يشارك فيه ممثلون من أصول مغاربية وأفريقية، فيحكي قصة طفل مغربي كان يعيش برفقة والدته الفرنسية، لكن بعد دخولها السجن بتهمة الدعارة، وضع في أحد الملاجئ ثم عاش برفقة والده المغربي (لم يتعرف إليه من قبل) وجده وجدته وسط علاقات اجتماعية وعائلية يسودها القلق والاكتئاب والتوتر. فالجد يحلم بالعودة إلى بلده والأب يعيش حياة عصبية والابن يبدو متمرداً على كل شيء. والفيلم بمجمله يحاكي واقع الجاليات العربية المهاجرة في فرنسا التي تعيش في أحياء فقيرة، ويعاني أفرادها من التمييز والبطالة والتهميش الاجتماعي وعدم الاستقرار. فتاة مصنع من مصر أما مصر فخلافاً لقوة حضورها السينمائي عادة على المسرح الدولي، لم تتمثل في مهرجان مونتريال سوى بفيلم «فتاة المصنع» من إخراج محمد خان وسيناريو وسام سليمان. وتدور أحداث الفيلم، حول هيام (بطلة الفيلم)، وهي فتاة عزباء فقيرة في الواحد والعشرين ربيعاً، تعمل في مصنع ملابس لتعيل أسرتها، وتتفتح مشاعرها العاطفية نحو صلاح المشرف على إدارة المصنع. وتعيش معه حالة حب ومغامرة جريئة قلما تغتفر في مجتمعها المحافظ. وحين ينكشف أمرها أخيراً أمام رفيقاتها العاملات تنهال عليها الاتهامات التي تمس شرفها وعذريتها وكرامة عائلتها. إلا أن إحدى اللقطات العاطفية «الصادمة» التي تجمع هيام وصلاح تتصادف مع مرور مظاهرة مؤيدة لتحرير المرأة معطوفة في هذا السياق على استحضار بعض المشاهد «الأكثر جرأة» للفنانة الراحلة سعاد حسني، ما يعني أن الفيلم يوجه أكثر من رسالة مناهضة للمجتمع الذكوري وداعمة لحقوق المرأة المصرية وحريتها.