يتابع مهرجان الفيلم الدولي في تورونتو عروضه السينمائية (افتتحت دورته السادسة والثلاثون في 8 أيلول (سبتمبر) الجاري وتستمر لغاية 18 منه) التي تتعدى 300 فيلم شديدة التنوع في مضامينها السياسية والعلمية والبيئية والاجتماعية والإنسانية والعاطفية وغيرها. وتتضمن عروض الدورة 55 فيلماً تعرض للمرة الأولى، و 123 فيلماً وثائقياً. واعتبر النقاد هذا الكم والتنوع الغني في الأفلام «نقلة نوعية» ستحول تورونتو من مستورد للأفلام أو من «مهرجان المهرجانات» إلى مصدّر لغيرها من عواصم الفن السابع ودخولها نادي الكبار كمضيفة لألمع النجوم العالميين ومركز للإنتاج والتسويق في الشمال الأميركي. وفي هذا الصدد تجري مشاورات بين المعنيين الكنديين لتوحيد مهرجاني مونتريال وتورونتو في مهرجان واحد. حضور خجول قياساً على المشاركة العربية في مهرجان الفيلم العالمي في مونتريال (انتهى أواخر آب (أغسطس) الماضي وتضمن اكثر من 24 فيلماً عربياً) تبدو هذه المشاركة في مهرجان تورونتو، خجولة أو هزيلة إلى حد كبير (6 أفلام ) تمثل نماذج عن الحياة الاجتماعية والسياسة العربية الراهنة. فبعضها عرض سابقاً في مهرجانات وطنية ودولية وبعضها الآخر يعرض لأول مرة مثل فيلم « في أحضان أمي» للمخرجين الأخوين العراقيين محمد وعطية الدارجي، وهو يدخل في إطار «السينما العالمية المعاصرة». يعود الفيلم بالذاكرة إلى حوالى 40 سنة خلت شهدت حروباً واحتلالات تركت آثاراً مدمرة على البنى التحتية الأساسية لا سيما قطاعات العراق الخدماتية التي غابت عن الاهتمام بآلاف الأطفال واليتامى. ومن مأساة الأطفال إلى مأساة الكبار التي يذهب ضحاياها مغامرون تونسيون فشلوا في بناء حياة قائمة على الحب والأمل، ويلهثون عبثاً وراء حلم الحصول على فيزا للهجرة إلى بلد اجنبي، ويلجأون إلى «الهجرة غير الشرعية «ويركبون أهوال البحار وينتهون فيها فريسة للحيتان والأسماك. بهذه المشاهد الحزينة يمزج المخرج التونسي رضا الباهي بين الوثائقي والروائي في فيلمه الطويل «دائما براندو» تكريماً لاسم النجم العالمي مارلون براندو. وفي السياق ذاته وفي الأجواء المغاربية أيضاً، يقدم المخرج المغربي فوزي بنسعيدي فيلم «موت للبيع» وهو من إنتاج مغربي بلجيكي فرنسي مشترك، يحكي قصة ثلاثة أصدقاء يعتاشون على أعمال السرقة في مدينة تطوان. ويقررون اقتحام محل للمجوهرات فتنتهي حياتهم بعد أن فتكت بهم لعبة المصالح المتضاربة والرغبات المستحيلة. أما العروض المصرية فاقتصرت - على غير عادتها - على فيلمين شبابيين يختلف كل منهما عن الآخر شكلاً وموضوعاً. الأول «ميكروفون» لأحمد عبد الله ويعرض على مدى 5 أيام ضمن فعاليات «الطليعة» المخصصة للعروض السينمائية الجديدة في العالم. هذا الفيلم يعتبر «تجربة غير مسبوقة في السينما المصرية لجهة تناوله عالم الفرق الموسيقية والفنانين الشباب المستقلين في الإسكندرية». ويتميز بتقنيات فنية وتصويرية عالية. وقد أثنى عليه كاميرون بيلي مير مهرجان تورونتو بقوله «إن ميكروفون تجربة ثرية لبعض الموسيقيين غير المحترفين ويتميز بمشاهد ولقطات تنبض بالحياة . وهو خطوة اولى على طريق دعم المواهب السينمائية الشابة في مصر» . أما الفيلم الآخر فهو وثائقي بعنوان «تحرير 2011» من إخراج الثلاثي تامر عزت وآيتن أمين وعمرو سلامه» ويتمحور موضوعه حول ثورة 25 يناير المصرية. ويعرض لمدة ثلاثة أيام ضمن قسم «مافريكس» المختص بالأفلام الوثائقية. ويعتبر هذا الشريط من أوائل الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن الثورة وما جرى فيها من أحداث حتى سقوط الرئيس حسني مبارك. ويتناول ثلاث مراحل أو وجهات نظر. أما الفيلم اللبناني فهو «هلق لوين» لنادين لبكي. وكان الفيلم قد عرض في مهرجانات عالمية ونال جوائزعدة. ويعالج قضية الطائفية والمذهبية المتجذرة في المجتمع اللبناني والتي تعاني منها في الفيلم قرية لبنانية افتراضية معزولة عن العالم الخارجي حيث ترخي الطائفية بأثقالها السوداء على سكانها المسلمين والمسيحيين لا سيما النسوة من الأرامل والثكالى اللواتي يعتقدن أنها من صنع الرجال المستفيدين من «خيراتها ومكاسبها». والفيلم في النهاية يحمل في طياته رسالة تدعو لتعايش اللبنانيين ونبذ كل أشكال التفرقة في ما بينهم.