قدم «المهرجان العالمي للسينما – رؤى افريقيا» في نهاية دورته الثامنة والعشرين، التي اقيمت في مونتريال، عروضاً لمخرجين مغاربة مدوا الشاشة الكندية ،لأول مرة، بمجموعة «نوعية «من الافلام الطويلة الناطقة بالعربية (بعضها مترجم الى الفرنسية او الانكليزية). وتمحورت مواضيع الأفلام حول مظاهر البؤس واليأس والبطالة والهجرة غير الشرعية التي تعاني منها فئات واسعة من المهمشين، اطفالا وشبابا ونساء، هم بشكل او بآخر، من «ضحايا عصر العولمة ونظامه الرأسمالي المتوحش». وهكذا على وقع انغام وايقاعات موسيقية مغاربية، جرى عرض فيلم قصير عنوانه «مرحبا بكم «تضمّن نماذج عن تطور الفن السابع المغربي ووصوله الى مراتب متقدمة في المهرجانات العالمية. احلام متكسرة تميز بعض الافلام باطلاق «صرخة جريئة» ضد المفهوم الخاطئ للحرية، وانحراف العديد من الشباب والفتيات نحو الرذيلة ووقوعهم في مستنقع الجنس والمخدرات. ففي الفيلم الدرامي «عاشقة من الريف»، قدمت المخرجة والكاتبة نرجس نجار، احدى بطلاتها «آية» ابنة العشرين ربيعا، كنموذج للفتاة الساذجة الطائشة المترددة الحالمة بالحب والمجد والمستقبل الوردي. فهي تجري بلا مبالاة وراء تلك الاوهام فتفقد عذريتها بعلاقة جنسية طائشة وتدمن على تعاطي المخدرات وتعيش وطأة الحاجة والفقر والتعاسة وتنتهي حياتها بمرض انفصام الشخصية الذي يلازمها بشكل مأساوي. وفي سياق متصل عرضت ليلى كيلاني باكورة افلامها الطويلة «على اللوح» الذي يلتصق موضوعه بالمجتمع المغاربي المعاصر. ويلقي الضوء على مسألة تسرد عمالة النساء وما يواكبها من مظالم وطموحات. الفيلم يروي حكاية اربع فتيات عاملات في مصنع «قريدس» يحاولن الهروب من الاعمال الروتينية اليومية بحثا عن مجال افضل تعمّه قيم الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية وان تجاوز حدود المكان و«لامس اطراف القرية الكونية». ويبدو ان كيلاني بمقدار ما تدين جموح بطلاتها المفرط ، الا انها تتعاطف معهن وتدافع عن مطالبهن المحقة وما يراودهن من احلام مشروعة سيما وان هؤلاء يشكلن شريحة كبيرة من المنسيات اللواتي يعشن في عالم مجهول يلفه الاهمال والنسيان. واللافت ان كيلاني لجأت لانجاز فيلمها الى مقابلة اكثر من 300 فتاة ممن يعلمن في ظروف مماثلة، ما اضفى عليه ابعادا من دقة التوثيق والصدقية والواقعية. أما مشاكل الشباب فتجلت في فيلم «الساحة، للمخرج الجزائري دحمان بوزيد. وهو فيلم شعبي كوميدي موسيقي يتحدث عن معاناة الشباب الجزائري واحلامه الضائعة بين اليأس والحب والهجرة والمخدرات والتمرد. وتجري احداثه وسط مكان يقرر سكانه تنظيم شؤونهم الحياتية بأنفسهم. ولكنهم يختلفون فيما يطرحونه من آراء ومشاريع. وتبادر مجموعة من ذوي المال والاعمال «الفاسدين» الى اخذ زمام المبادرة في ظل لامبالاة الغالبية الصامتة لا سيما الشباب الذين يشعرون بتهميش دورهم فيبحثون خارج هذا المكان عن تأشيرة هجرة توفر لهم حياة افضل اكثر امنا واستقرارا علما ان بوزيد حاول في بعض المشاهد امتصاص نقمة الشباب وغضبهم وتمردهم على الواقع الذي يرزحون تحت وطأته. الطفولة المعذبة من جهة أخرى شهد المهرجان عرضين سينمائيين للطفولة المعذبة احدهما بعنوان «ماجد» للمخرج نسيم عباسي يتناول فيه مرارة اليتم وتداعياته المأساوية النفسية والاجتماعية. ويتحدث عن سذاجة بطل الفيلم ماجد الذي يحاول البحث عن صورة لأبويه كانا قد قضيا حرقاً. فيتعرض الى ظروف معيشية قاسية ويتنقل من بائع للكتب الدينية قرب احد المساجد الى ماسح للاحذية الى بائع للسجائر في المقاهي. كما يلاقي صنوفا من الاهانة والتعرض الى سرقة ما كان يجمعه من اموال. وفي غمرة هذه المشاهد المأساوية تظهر احدى الصور المشرقة التي لم يخل منها المجتمع المغربي. فيحتضنه رجل ضرير ويساعده في الوصول الى جيران اهله الذين يحتفظون بصورة لوالديه. اما الفيلم الآخر فهو للمخرجة حليمة الودغيري (كندية من اصل مغربي) بعنوان «مختار». وهو فيلم قصير مدته عشرون دقيقة كان قد عرض أخيرا في الصالات الكندية واعيد عرضه في المهرجان العالمي للفيلم الافريقي. ويعتبر الفيلم نموذجا عن قساوة السلط الابوية واغتصابها لبراءةالاطفال (ارغام الاب لطفله مختارعلى التخلص من طائر بوم كان قد التقطه وحاول الاحتفاظ به في المنزل) وخضوعها للتقاليد والاعراف الدينية التي ترى ان البوم نذير شؤم ومقدمة لشر مستطير واذى كبير يلحق بأفراد العائلة.