قبل انعقاد الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، وتحديداً منذ أعلن عن أن رئاسة لجنة التحكيم ستسند إلى المخرج الإيطاليّ الأشهر، ناني موريتي، راج كلام كثير حول مزاجية هذا الفنان و «نزاهته» والأبعاد الفنية السينمائية لاختياراته، ما من شأنه أن يشكّل ضمانة لقوة تفضيلات لجنة التحكيم في الحفل الختامي... وهذا الكلام نفسه ساد كذلك خلال أيام المهرجان وبعد عرض كل فيلم من الأفلام إلى درجة أن توقّّع الناس أن تكون هناك مفاجآت فنية صاخبة في ليلة الختام. غير أننا نعرف الآن أن النتائج أتت مخيبة للآمال طالما أن العدد الأكبر من الأفلام التي نالت الجوائز، كان أفلاماً كان ثمة تساؤل استنكاريّ عما جاء يفعله في مهرجان كبير كهذا، حتى ولو كانت من توقيع بعض كبار المخرجين. مهما يكن من أمر، حتى هنا لم تكن هناك أسئلة جدية حول الموضوع وخلفياته، وإن كان ثمة بعض إشارات غير مريحة راحت تلوح في الأفق... وعلى الأقل حتى اللحظة التي «جرؤت» فيها صحيفة «لوموند» الفرنسية، بعد يومين من انقضاء المهرجان، على طرح تساؤلات أتت على شكل توليفة معلومات لا شك في أنها تضع اختيارات موريتي ولجنته موضع التشكيك. طبعاً لا يمكن القول إن ثمة جديداً في ما تقترحه «لوموند»... فالمعلوات و «الخبريات» الواردة في صفحاتها، وغالباً نقلاً عن مواقع إلكترونية متعددة، كانت معروفة في شكل مجزّأ، أما وقد ولّفت الصحيفة فيما بينها، فإن الأمر بات يتحدث عما يشبه الفضيحة، إن لم يصر على اعتباره «فضيحة الفضائح». فالذي تبين من خلال ذلك التوليف هو أن أربعة على الأقل، من الأفلام الستة الفائزة، هي من إنتاج أو توزيع شركة فرنسية اسمها «لا باكت» وهي الشركة نفسها التي أنتجت ووزعت في العام الفائت فيلم موريتي «صار عندنا بابا» الذي لم يفز بأية جائزة يومها ما أغضب السينمائي الإيطالي الكبير... فهل لنا أن نفترض أنه إنما عوّض على هذا في الدورة الجديدة إذ صار ربان السفينة، باختيارات تلائم مصالحه ومصالح منتجيه؟ إن هذا هو السؤال الذي توحي «لوموند» به الآن وهي تسمّي الأفلام المعنية: «الواقع» لماتيو غاروني (الجائزة الكبرى)، «حصة الملائكة» لكين لوتش (جائزة لجنة التحكيم)، «النور بعد الظلام» لريغاداس (جائزة الإخرج) وأخيراً، «ما وراء التلال» لكريستيان مونجيو (جائزتان، أفضل سيناريو، وأفضل تمثيل نسائي)... والحقيقة أن الأفلام الثلاثة الأولى هي التي أثار فوزها احتجاجات صاخبة. والجدير ذكره هنا هو أن «لوموند» ذكّرت في السياق نفسه أن استغلال رؤساء التحكيم نفوذهم لمصالحهم الخاصة، ليس جديداً والحالتان الأشهر هما إعطاء كونتن تارانتينو حين كان رئيساً، السعفة الذهبية لفيلم «فهرنهايت» من توزيع منتجيه الأخوين فنشتاين، وإعطاء ايزابيل هوبير السعفة لفيلم صديقها ميكائيل هانيكي «الرباط الأبيض» قبل ثلاثة أعوام. ولا بد أن نختتم هنا بالقول إن هذه السعفة الأخيرة كانت مستحقة بالتأكيد.