ربما لن يغفر الفرنسيون هذه «الفضيحة» لناني موريتي لأزمان طويلة مقبلة. فهو – ولجنته – حتى حين قررا منح جائزة في حفلة ختام مهرجان كان السينمائي مساء امس لشيء فرنسي ما، منحا «السعفة الذهبية» لفيلم فرنسي حققه النمساوي ميكائيل هانيكي. صحيح ان هذا الفوز لتحفة هانيكي الجديدة كان متوقعا، وان الفيلم فرنسي، روحا وحوارا وجوا وممثلين. لكن تناسي اللجنة لثلاثة افلام فرنسية كبرى كان ثمة شبه يقين بأنها ستربح جوائز كبرى امر لن يروق للفرنسيين. بل حتى في فيلم هانيكي «حب» كان متوقعا فوز ممثليه الرئيسيين الثمانينيين جان لوي ترنتينيان وايمانويل ريفا بجائزتي التمثيل، لكن اللجنة فضّلت ان تعطي جائزة افضل ممثل للدانمركي، النجم في بلاده، مادس مكليسين، عن ادائه المميز في «الصيد» لمواطنه توماس فنتربرغ، كما اعطت جائزة افضل ممثلة ، مشاركة لبطلتي فيلم الروماني كريستيان مونجو «ما وراء التلال» كوزمينا ستراتان وكريستينا فلوتور. وربما يكون ثمة هنا عدل ما حيث ان الصبيتين كانتا ترغبان بان تجمعهما نهاية الفيلم، ففرق الدين والموت بينهما لتجمعهما لجنة التحكيم في جائزتها المزدوجة. الفيلم نفسه فاز بجائزة السيناريو عن جدارة، وربما كان يستحق ما هو افضل. وحتى هنا من الواضح في هذا التوزيع اننا ما زلنا في دائرة المعقول ولو ان ثمة خيبة من هنا واخرى من هناك. اما الخروج عن المنطق فيبدأ إثر ذلك. فالحال ان ثمة افلاما عدة تساءل كثر عندما عرضت عمّا جاءت تفعله في اكبر مهرجان سينمائي في العالم. لم تبد سيئة لكنها بدت خارج السياق المهرجاني حتى وإن كان اصحابها من معتادي الفوز في «كان» . ومن هذه الأفلام ثلاثة بالتحديد هي «حصة الملائكة» لكين لوتش و»الضوء بعد الظلام» لكارلوس ريغاداس، ثم خاصة، الشعبي جدا «الواقع» للإيطالي ماتيو غاروني. والمدهش ان لجنة التحكيم رأت عكس ما رآه اهل السينما «الكانيين» جميعا: رأت هذه الأفلام بعين أخرى فأعطتها تباعا ارفع الجوائز: الجائزة الكبرى، وهي ثاني جوائز المهرجان، لفيلم غاروني، جائزة الإخراج لكين لوتش، وجائزة السيناريو لفيلم «الضوء بعد الظلام» الذي غادر معظم الجمهور عرضه صاخبا لاعنا... امام عمل مجاني مدّع لامعنى له ولا سياق. قبل المهرجان كان ناني موريتي قد ملأ الصحف بتصريحات حول ثورية اختياراته. وخلال المهرجان ملأت الصحافة الفرنسية رؤوس الناس صخبا وتأكيدات بأن السينما الفرنسية ستكون صاحبة حصة الأسد من طريق افلام ليو كاراكس وجاك اوديار وبخاصة آلان رينيه. ولكن لا هذا ولا ذاك كان صحيحا. اختار المحكّمون سينما استفزازية وربما تكون شعبية. وكانت الضحية السينما التي كانت تعتقد ان «كان» صار منذ زمن وطنا حقيقيا لسينما المؤلف. فعمّت الخيبة حتى وإن كان في استطاعتنا ان نرى ان كلّ الفائزين تقريبا، سواء اكانت افلامهم تستحق الفوز او لا تستحقه، هم من الذين سبق ان فازوا مرات ومرات في دورات سابقة للمهرجان