سألت الحلاقة: «هل سبق أن رأيت هذه الطلعة»؟ متوقعة أن تسمع ذلك الجواب الذي ينشط ذكريات نجاحاتها قبل سنوات في مكان آخر لم تسمع زبوناتها الحاليات عنه أي شيء. رؤوس كثيرة تخرجت على يديها، لا تزال إلى الوقت الراهن تذكرها لكل من تردد عليها. وتتفاخر، «بتواضع»، بأن جلّ الفضل في نجاح تلك الرؤوس في الحياة الشخصية والعامّة يعود للمساتها السحرية التي لا يتقنها غيرها. في بعض الأحيان، حين تعلم بتفوّق «رأس» في مجال ما، أو بخبر سعيد غير حياة «رأس» آخر، «تتواضع أكثر»، وتنسب لنفسها جزءاً من ذلك النجاح، إذ لا بد أن ضربة من ضربات مقصها، أو فذلكة ما في تسريحة الشعر، لا تخطر على بال غيرها، كانت وراء تحديد المصير الموفق لذلك الرأس. تفحصت الزبونة شكل رأسها. قلّصت المفاجأة ابتسامتها التي كانت متسعة قبل أن تفتح عينيها على المرآة. بدا لها رأسها متضخماً أكثر من اللازم وعشوائياً بعض الشيء. هل قُدِّر لها أن تحضر زفاف ابنة الجيران بهذا الرأس الذي سيجعلها حتماً محط أنظار الحاضرات في المرتبة الثانية بعد العروس؟. «أعوذ بالله من هذه الطلعة»، أفصحت ضحى عن رأيها بكلمات أخرى انتقتها بعناية كي لا تحطم تماماً التوقعات الكبيرة للحلاقة، وتبقي على عزيمتها كي تعالج المشكلة التي حلّت فوق رأسها سريعاً وبنتيجة مرضية. منذ أيام عدة وضحى تحضر لهذا الموعد مع الحلاقة، زارتها قبل أسبوع لتحجز دورها باكراً صباح يوم السبت. كانت لضحى روابط جوار متينة مع أصحاب الحفل، ولم ترد أن تخذلهم، وتتأخر عنهم، وستكون في استقبال الضيوف. لم تسمع من قبل عن صيت يذكر لدى الجارات لتسريحات الحلاقة المبهرة، ولم تهتم، فقد كان الصالون يعرف إقبالاً ملحوظاً في الحي الشعبي الذي تقطنه ضحى، بفضل الأسعار المناسبة ولطف الحلاقة. بعد يوم واحد من الحجز، عادت إلى زيارة الحلاقة لأخذ فكرة عن التسريحات المناسبة لحفلات الزفاف في مجلات قديمة رثة، قالت الحلاقة إنها لا تظهرها إلا لزبوناتها المفضلات. «لو علمن بوجودها لبعتها في المزاد العلني بثمن كبير جداً»، قالتها ضاحكة عن زميلاتها الحلاقات. اطمأنت ضحى، وتخيلت نفسها بتسريحة إحدى نجوم الفن السابع زمن عز الشعر الطويل والتسريحات المعقدة الأنيقة بداية القرن الماضي. تعرفت ضحى الى حلّاقتها أيام الخطوبة. كانت تسريحتها المفضلة والوحيدة هي ترك شعرها الطويل حراً ينسدل على كتفيها. كانت تزور الحلاقة مرتين في الأسبوع، موعد لقائها بزوج المستقبل، ومن حين إلى آخر، تطمئن لمقص الحلاقة، لتقص لها نهايات الشعر المتقصفة، أو لتصنع لها قصة عصرية. كانت تخرج من صالون الحلاقة مبتهجة ب«البراشينغ» الذي يُليّن شعرها الأسود الجاف. وبعد الزواج، قلّت زياراتها إلى واحدة في الشهر، إلا أنها لم يسبق أن جربت إحدى تسريحات الحلاقة الخاصة بمناسبات الحفلات. بعد يومين، عاودت ضحى زيارة الحلاقة، لتطمئن إلى أن طارئاً لن يحدث نهاية الأسبوع على برنامج عمل الحلاقة، وتطلعها على الحلّة الحريرية التقليدية (تكشيطة) التي سترتديها يوم الحفل، كي تأخذ فكرة عن ألوان الماكياج المناسب. أخبرتها الحلاقة بضرورة القدوم مبكراً، لأن جارات كثيرات سيتزّين في صالونها للحفل ذاته. كل شيء سار كما خططت له ضحى. كانت أول من طرق باب صالون الحلاقة قبل التاسعة صباحاً، حاملة حلّتها معها، لضمان أفضل نتيجة في تزيين الوجه. لكنها لم تضع في الحسبان رأساً «متضخمة» كالذي صارت تحمله، وشعراً بمعالم غير متناسقة. أصرّت الحلاقة على أن التسريحة ناجحة بكل المقاييس، وأنها ستضيفها إلى قائمة إنجازاتها التي ستتحدث عنها في المستقبل للزبونات. أشفقت ضحى على نفسها من أن تعمل الحلاقة على ترسيخ ذكرى سيئة عنها لدى الناس، وجددت طلبها بتغيير التسريحة، بيد أن الحلاقة تشبثت برأيها. أقسمت ضحى بأن لا أحد سيحتفظ في ذاكرته بشكل رأسها. وأمام ذهول الحلاقة، خربت تسريحتها. وبعد حوالى ساعة، خرجت ضحى مثل فراشة يتطاير شعرها مع هبات ريح خفيف، كما كانت تخرج قبل سنوات من الصالون. لم تكن مبتهجة كما في الماضي، لكنها كانت مطمئنة لشكل شعرها البسيط وماكياجها الخفيف الذي وضعته بنفسها.