رحّب الرئيس السوداني عمر البشير بالاتفاق الذي وقعه وفده المفاوض مع حكومة جنوب السودان في شأن المواطنة واستكمال ترسيم الحدود بين الدولتين، ووافق على لقاء نظيره الجنوبي سلفاكير ميارديت في جوبا في الأسبوع الأول من نيسان (ابريل) المقبل لتسوية القضايا العالقة المتبقية، فيما تصاعدت الخلافات في تحالف المعارضة السودانية، ما بات يهدد بتصدعه. وتلقى البشير ومساعدوه تقريراً من وفده المفاوض مع الجنوب. وأفيد أن الرئيس السوداني رحّب باللقاء مع سلفا كير وأثنى على جهود الوساطة الأفريقية برئاسة ثامبو مبيكي، مشيداً بدور دولة إثيوبيا في رعاية المفاوضات. وأكد الاجتماع بين الوفد المفاوض الذي عاد إلى الخرطوم وبين البشير ومساعديه أن قضية النفط وبقية القضايا التي لم يتم الاتفاق حولها تم تأجيلها إلى ما بعد النقاش في المحاور الأمنية وتوفيق أوضاع مواطني البلدين، وعودة أجواء الثقة بينهما. وقال الوفد إن الحوار سادته روح إيجابية. وتوقع مزيداً من الانفتاح بعد القمة المزمع عقدها بين رئيسي البلدين في الفترة المقبلة. وقال وزير الإعلام عبدالله مسار للصحفيين عقب اجتماع البشير مع الوفد، إن الرئيس ونائبه اطّلعا على نتائج مفاوضات أديس أبابا، مؤكداً ترحيب الحكومة بما توصلت له المفاوضات مع الجنوبيين. لكن خال الرئيس البشير، رئيس حزب «منبر السلام العادل» الطيب مصطفى، وجّه انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة السودانية لتوقيعها اتفاقاً مع دولة الجنوب نص على كفالة الحريات الأربع لمواطني البلدين (الاقامة، التنقل، التملك، العمل)، واعتبر الخطوة توجهاً خطيراً وقفزة في الهواء تنطوي على خطر يهدد الأمن القومي السوداني. وأعلن «المنبر»، الذي قاد حملة مؤيدة لانفصال جنوب السودان، عن حملة شعبية ضد اتفاق أديس أبابا تشمل تحريك أئمة المساجد «لوأد الاتفاق». وطالب رئيس «المنبر» في بيان تلاه امام الصحافيين، البشير برفض الاتفاق الحالي أسوة برفض «الاتفاق الإطار» الذي وقعه مساعده نافع علي نافع في أديس أبابا في وقت سابق. وأعلن العزم على مقاومة الاتفاق بكل الوسائل السياسية الممكنة قبل المصادقة عليه بشكل نهائي. ووصف مصطفى التفاهمات المبرمة في أديس أبابا بأنها «تنازل مهين»، وطالب بالتراجع عنها، وحض الحكومة على رفضها وخيّرها بين الغاء الاتفاق أو مغادرة كرسي السلطة إذا فشلت في تحمّل المسؤولية «ليختار الشعب من يدافع عن مقدساته». وكشف مصطفى ضغوطاً كثيفة تعرضت لها الحكومة للموافقة ما جعلها تستجيب للاتفاق، بخاصة بعد تلويح أعضاء في الكونغرس الأميركي بمشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على السودان. واعتبر رئيس المنبر الوجود الجنوبي في الشمال مهدداً للأمن الاجتماعي والسياسي في السودان. إلى ذلك، كشفت الولاياتالمتحدة عن تحركات تنوي القيام بها في الأسابيع المقبلة لتضييق الخناق على الخرطوم وإرغامها على الموافقة على السماح بإيصال المعونات الانسانية إلى المدنيين المتواجدين في المناطق التي يسيطر عليها متمردو «الحركة الشعبية-الشمال» في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق. من جهة أخرى، تصاعدت الخلافات والملاسنات بين قيادات تحالف المعارضة السوداني، وجدد رئيس حزب الأمة الصادق المهدي هجومه الشرس على حلفائه، وسخر من رفعهم شعار اطاحة النظام من دون قدرة فاعلة على تحقيق الهدف. وبدأت بوادر مفاصلة وشيكة بين حزب الأمة القومي وتحالف المعارضة بعد اتساع شقة الخلافات بينهما، متزامنة مع اتهامات متبادلة بين قيادات الطرفين، الأمر الذي دفع بحزب الأمة إلى اصدار بيان يحذر فيه من أن أي «مشروع سياسي يتجاوز وزنه (وزن الحزب) وعمق تأثيره واتساع قاعدته أو يعمل على إقصائه أو عزله لن يكتب له النجاح». واعتبر التصريحات التي تصدر من بعض قيادات قوى المعارضة، وخصوصاً رئيس هيئة التحالف فاروق ابو عيسى نابعة من «مكنونات غيرة وحسد دفين» تجاه حزب الأمة، وتصب مباشرة في مصلحة النظام وتطيل عمره. وأضاف البيان أن الأشخاص ذاتهم الذين أبعدوا حزب الأمة عن «التجمع الوطني الديموقراطي» المعارض، بعدما اتهموه بالسعي إلى الدخول في النظام، ثم وقّعوا «اتفاق القاهرة» مع حكم البشير «هم الذين قبلوا المشاركة في النظام وتم تعيينهم في برلمان الشمولية». وكان «التجمع الوطني الديموقراطي» وقّع في حزيران (يونيو) 2005 اتفاقاً في القاهرة مع الحكومة السودانية ثم شارك في البرلمان السوداني ومُنح عدداً من المقاعد الوزارية استمر فيها حتى نهاية الفترة الانتقالية. وفي إطار الجدل الدائر، قال كمال عمر، المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، إن تحالف المعارضة اتفق على تجاوز الخلافات بين مكوناته، لكن حزب الصادق المهدي ظل ينتقد التحالف من دون مبررات، متهماً حزب الأمة بالسعي إلى وراثة رئاسة التحالف وإقصاء فاروق ابو عيسى. وكان صراع مكتوم نشب بين حزب الأمة وفاروق أبو عيسى في أعقاب مطالبة الأمة بضرورة إعادة هيكلة تجمع قوى المعارضة وإعادة تسميتها والتوافق على ميثاق عمل وطني يتواءم مع واقع المرحلة السياسية الراهنة بعد الاستفتاء على انفصال الجنوب واندلاع الحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.