رأى مصدر وزاري أن قرار كتلة «المستقبل» النيابية، من خلال نواب عكار، الترحيب بنشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية - السورية الشمالية، «كان في محله وأسقط ذرائع النظام السوري لتبرير إدخال وحدات من جيشه الى داخل الأراضي اللبنانية لوقف عمليات تهريب الأسلحة الى المعارضة السورية وضبط حركة النازحين السوريين في البلدات التي لجأوا إليها في عكار وامتداداً الى طرابلس». وأكد المصدر الوزاري ل «الحياة»، أن الضباط اللبنانيين في لجان التنسيق الأمنية اللبنانية - السورية، تبلغوا من الضباط السوريين بوجود نية باختراق الحدود اللبنانية لمكافحة تهريب السلاح، وان النظام السوري حدد ساعة الصفر للبدء بشن عملية عسكرية في داخل منطقة وادي خالد في عكار. ولفت المصدر نفسه الى أن المهلة التي حددها النظام السوري لإدخال مجموعات من الجيش السوري الى وادي خالد، كانت بمثابة إنذار مباشر للحكومة اللبنانية تنتهي قبل انتهاء الأسبوع الحالي، وقال إن أركان الدولة تبلغوا فحوى هذا الإنذار إضافة الى قيادات لبنانية في الأكثرية والمعارضة. ورأى أن قيام قائد الجيش العماد جان قهوجي بجولة على رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، جاءت لوضعهم في صورة الإنذار السوري والتشاور معهم في الخطوات المطلوبة. واعتبر المصدر عينه ان الحملة السياسية والإعلامية التي استهدفت أخيراً رئيس الحكومة «لم تكن بسبب طلبه تعليق جلسات مجلس الوزراء، وإنما لتردُّد مجلس الوزراء في اتخاذ القرار الرامي الى نشر الجيش على امتداد الحدود الشمالية المتداخلة في وادي خالد». وقال ان ميقاتي لم يرفض نشره، وانما ارتأى أن لا حاجة لاتخاذ قرار في المجلس، باعتبار ان المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه برئاسة رئيس الجمهورية، كلَّف الجيش ضبط الحدود اللبنانية - السورية في المنطقتين الشمالية والشرقية، أي في عكار والبقاع. وقال إن الإشكال الذي حصل مساء الجمعة الماضي جراء انزال الجيش اللبناني عدداً من مجموعاته بواسطة المروحيات في جرود عكار المتاخمة لوادي خالد، لم يكن بسبب الاعتراض على نشر الجيش وإنما لمخاوف نواب المنطقة من أن يقتصر دوره على الخطوط الخلفية من دون المنطقة الحدودية، لا سيما أنهم كانوا أول من طالبوا بتمركزه في المنطقة الحدودية لضبط الحدود ومنع تهريب الأسلحة، رغبة منهم في قطع الطريق على من يحاول استيراد الأزمة في سورية الى داخل الأراضي اللبنانية. وأكد المصدر ان اللقاء الذي حصل أخيراً بين السنيورة وقهوجي، إضافة الى تواصل الأخير مع عدد من نواب عكار، أدى الى توضيح الصورة وتبيان الأهداف من نشر الجيش، ما ساعد على تبديد القلق الذي ساد بعض البلدات العكارية وتحديداً تلك الواقعة في وادي خالد. وأوضح أن نواب عكار بعد التشاور مع السنيورة، أبلغوا من يعنيهم الأمر، بأن لا قيود لديهم على نشر الجيش في الأماكن التي تحددها قيادته، وأن وجوده سيكون بين أهله «وخصوصاً أن عكار تشكل حاضنة للمؤسسة العسكرية وتعتبر خزانه البشري»، وهذا ما دلت عليه الإحصاءات المتعلقة بعدد الشهداء في صفوف الجيش الذين سقطوا في صدهم العدوان الذي قاده تنظيم «فتح الإسلام» بزعامة شاكر العبسي. وأضاف ان الترحيب بلا شروط بدور الجيش في عكار أحبط أي محاولة للإيقاع بين هذا الجيش وأهله في عكار، مشيراً الى ان مجموعات من الجيش السوري بدأت تتجمع للدخول الى الأراضي اللبنانية بذريعة إلقاء القبض على المهربين. ولم ينف المصدر ما تردد من ان هذه المجموعات خططت للدخول الى وادي خالد ليل أول من أمس، مشيراً الى ان عناصر من الجيش السوري أطلقت قبل ساعات من ساعة الصفر التي حددها النظام السوري لتعقب «المهربين» في وادي خالد، عيارات نارية في اتجاه البلدات الواقعة فيه، وخصوصاً حنيدر والقرحة والكنيسة. وأوضح ان إطلاق النار استدعى تدخلاً من الجيش اللبناني، على رغم انه لم يسجل أي إصابات في هذه البلدات، فيما عقد ضباطه من القيادة اجتماعاً مع ضباط سوريين بغية استيضاح الأمر. وتبلغ الضباط اللبنانيون من نظرائهم في الجيش السوري، وفق ما أكد المصدر، ان اضطرارهم الى إطلاق النار جاء رداً على اشتباههم بوجود مجموعات كانت تستعد لتهريب السلاح. وكان أهالي البلدات المذكورة لاحظوا استقدام جرافات سورية بدأت تفتح فجوات في السواتر الترابية التي سبق للجيش السوري أن رفعها في المناطق المتداخلة لإقفال ما يسمى بالمعابر غير الشرعية بين البلدين. وتردد أن فتح هذه الفجوات من دون سابق إنذار، كان هدفه تأمين ممرات آمنة للجيش السوري للدخول الى وادي خالد، ما استدعى تكثيف المشاورات التي أدت الى توفير الغطاء السياسي لنشر الجيش اللبناني. وكان سبق نشر الجيش قيام عناصر من فوج الهندسة فيه بالكشف على منطقة الانتشار للتأكد من أنها غير مشمولة بحقول الألغام التي زرعها الجيش السوري في المنطقة الحدودية قبالة وادي خالد، ليكون في وسعه ضبط المعابر غير الشرعية في ظل ارتفاع وتيرة الحملات الإعلامية والسياسية التي أخذت تتحدث عن تدفق السلاح الى المعارضة السورية وبأعداد فيها الكثير من المبالغة، كما أكد المصدر الوزاري، مبدياً ارتياحه لخطوة انتشار الجيش من دون «ضربة كف». وقالت مصادر في المعارضة ل «الحياة»، إن «النظام السوري اعتمد سياسة التهويل على لبنان، على رغم انه يدرك انه سيواجه محاذير دولية وعربية في حال أدخل وحدات من جيشه الى وادي خالد، لكننا تجاوبنا فوراً مع نشر الجيش اللبناني، ليس لأنه مطلبنا لضبط الحدود فحسب، وانما لأننا لا نريد لطرف ثالث إقحام الجيش في مشكلة مع أهله». وأكدت المصادر ان «الغطاء السياسي» الذي تأمن لانتشار الجيش في وادي خالد امتداداً الى تخوم أكروم في عكار، «منع إقحام الملف الداخلي في اشتباك سياسي من العيار الثقيل على خلفية إحداث فرز بين فريق مؤيد للخطوة وآخر معارض لها». لكن هذه المصادر لم تستبعد احتمال نشوب سجال سياسي جديد حول ما يسمى «تزايد نفوذ التيارات المتشددة في طرابلس»، استناداً الى تقارير لقيادة الجيش سارع العماد قهوجي الى إعلام القيادات الرسمية وغير الرسمية بما لديه من معلومات في شأنها، مع انها تعتبر أن ردود الفعل المؤيدة للمعارضة السورية مازالت تحت السيطرة، وأن قوى «الاعتدال» في الشارع الطرابلسي قادرة على ضبطها، وان هناك من يعمد الى تكبير حجمها لتمرير رسالة مفادها ان «تيار المستقبل» لم يعد يعبّر عن نبض الشارع. كما لم تستبعد لجوء بعض الأطراف في الأكثرية الى إعادة فتح ملف النازحين السوريين الى منطقة الشمال الذين بلغ عددهم حتى الجمعة الماضي وبحسب الإحصاء الذي أجرته وزارة الشؤون الاجتماعية، نحو 6900، فيما قدرت أطراف محلية تعمل في مجال تقديم المساعدات لهم، أن العدد ارتفع في الأسبوع الأخير الى أكثر من 10 آلاف معظمهم من المسنين والنساء والأطفال. ولفتت المصادر في هذا السياق الى انه سبق لأكثر من وزير، بدءاً بوزير الطاقة جبران باسيل ومروراً بوزير الدولة نقولا فتوش وانتهاء بآخرين من «التيار الوطني الحر»، ان وجهوا لوزير الشؤون وائل أبو فاعور انتقادات لقيام وزارته بتقديم كل أشكال المساعدات والإغاثة للنازحين السوريين، وطالبوا بترحيلهم من لبنان بذريعة انهم يقومون بالتحريض على النظام السوري وينتمون الى مجموعات إرهابية، ما يتعارض مع الاتفاقات المعقودة بين البلدين بموجب معاهدة التعاون والأخوة والتنسيق، إضافة الى تولي المجلس الأعلى اللبناني - السوري نقل رسائل مشابهة من السلطات السورية الى الحكومة اللبنانية.