بينما كان المبعوثون الغربيون والدوليون منشغلين الأسبوع الماضي بتقديم اقتراحات للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتمديد اللقاءات التفاوضية في عمان، عمدت الحكومة الاسرائيلية إلى الإعلان عن 70 مستوطنة تقع في قلب الضفة الغربية «منطقة أفضلية قومية»، ما يعني تعزيزها بالمزيد من مشاريع البناء والتوسع العمراني ومشاريع الاستثمار الاقتصادية عبر الإعفاء الضريبي لمدة خمس سنوات، وغيرها من الامتيازات. وجاء الإعلان الإسرائيلي بعد أيام قليلة من تقديم الحكومة الإسرائيلية رؤيتها للحل النهائي في لقاءات عمان، والتي تقوم على أساس بقاء السيادة الإسرائيلية على السكان الإسرائيليين في الضفة (338 ألف مستوطن)، وضم القدسالشرقية التي يعيش فيها 200 ألف مستوطن، وجعل الجدار الذي يضم 10 في المئة من الضفة حدوداً غربية، وبقاء الجيش الإسرائيلي في الأغوار على الحدود الشرقية مع الأردن التي تشكل ربع مساحة الضفة. ويصر الفلسطينيون على عدم العودة الى المفاوضات في ظل التوسع الإستيطاني. وأبلغ الرئيس محمود عباس جميع المبعوثين الدوليين الذي تقاطروا على مقر المقاطعة في رام الله لإقناعه بمواصلة التفاوض في عمان، أن إسرائيل تستغل المفاوضات غطاء لمواصلة الاستيطان. ونُقل عن الرئيس قوله لعدد من المبعوثين إنه «إذا واصلت إسرائيل الاستيطان، فإنها قد تبني مستوطنة في قلب المقاطعة»، مقر الرئاسة في رام الله، مشيراً في ذلك الى عمليات البناء الجارية في أنحاء الضفة من دون توقف أو تمييز. وكان عدد المستوطنين في الضفة من دون القدس عام 1991 عند بدء مؤتمر مدريد للسلام 105 آلاف مستوطن. ووفق إحصاءات متطابقة، فإن عددهم يبلغ اليوم 338 ألفاً، يضاف إليهم 200 ألف في القدسالشرقية. وقال مسؤول الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس خليل التوفكجي ل «الحياة»: «إسرائيل أنهت حل الدولتين واستبدلته بتقسيم الضفة بين الفلسطينيين والمستوطنين ... وبحل آخر يقوم على إنشاء ثلاث دول، إسرائيل، ودولة المستوطنين في الضفة، وفلسطين»، علماًَ ان الأخيرة ليست سوى تجمعات متناثرة محاطة بتجمعات استيطانية تفصلها عنها جدران وتتصل ببعضها بعضاً عبر أنفاق. وأقامت إسرائيل في السنوات الأخيرة ستة أنفاق في الضفة لربط التجمعات الفلسطينية وإبعادها عن الطرق الرئيسة التي خصصتها للمستوطنين. ففي جنوب الضفة، أقامت نفقاً يربط بيت لحم بقرى العرقوب. وفي منطقة القدسورام الله، أقامت نفقاً يربط قرى شمال غربي القدس مع قرى شمال شرقي المدينة، وآخر يربط قرى شمال غربي القدس بقرى رام الله. وفي الشمال، أقامت نفقاً يربط قرى ياسوف وإسكاكة بمدينة سلفيت، وآخر يربط طولكرم بمنطقة جبارة، وثالثاً يربط قلقيلية وحبله. كما أقامت سلسلة أنفاق وجدران لفصل المستوطنات البالغ عددها 145 مستوطنة (يضاف إليها 15 مستوطنة في القدس) عن التجمعات الفلسطينية. وفي القدس التي وسعت إسرائيل حدودها بعد الاحتلال عام 1967 من 6.5 كيلومتر مربع الى 72 كيلومتراً مربعاً، انتهجت سياسة تقوم على تقليص عدد السكان العرب وزيادة عدد السكان اليهود، وتغيير ملامح البلدة القديمة التي تضم المقدسات من ملامح عربية الى ملامح إسرائيلية. وقال التوفكجي: «إسرائيل تسيطر اليوم على 87 في المئة من القدسالشرقية، وتخصصها لزيادة عدد اليهود على حساب الفلسطينيين، وتقليص عدد الفلسطينيين الى أقل حد ممكن». وأضاف: «إسرائيل توظف بلايين الدولارات لتغيير ملامح القدس من عربية الى يهودية، بينما العرب صامتون لا يقدمون شيئاً يذكر للحفاظ على الوجود العربي في المدينة». ويقول مسؤولون فلسطينيون إن الرئيس محمود عباس يدرك المخطط الإسرائيلي الرامي الى تقسيم الضفة بين الفلسطينيين والمستوطنين، لذلك يرفض العروض الداعية الى العودة الى المفاوضات من دون وقف الاستيطان. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد: «وقف الاستيطان هو المؤشر الوحيد إلى جدية أي مفاوضات، أما تواصل الاستيطان فيعني أن المفاوضات لن تؤدي الى شيء، فالذي يريد إقامة دولة فلسطينية لا يواصل بناء المستوطنات فيها وهو يعلم أنه سيفككها بعد قليل». ويرى سياسيون وخبراء فلسطينيون أن الولاياتالمتحدة باتت تدرك أن حل الدولتين لم يعد قابلاً للتحقيق في الضفة، لذلك بدأت تبحث عن حلول أخرى، منها العودة الى الخيار الأردني. وقال مدير مؤسسة «باسيا» للدراسات في القدس الدكتور مهدي عبد الهادي في مؤتمر عقد في أريحا قبل أيام لدرس الخيارات الفلسطينية في المرحلة المقبلة: «المفاوضات باتت شأناً أردنياً ولم تعد شأناً فلسطينياً، وهذا ما يفسر لقاءات عمان». وجرت لقاءات عمان بين وفدين فلسطيني وإسرائيلي الشهر الماضي برعاية المملكة الأردنية الهاشمية، وتبذل جهود دولية لاستمرارها. وأضاف: «هذه اللقاءات تعني أن مستقبل المفاوضات لم يعد شأناً فلسطينياً، وإنما شأن أردني، وهذا يؤشر الى انتهاء حل الدولتين وبدء البحث عن حلول أخرى». وثمة سياسيون وخبراء آخرون يرون أن دخول الاردن الى المسار التفاوضي يعبر عن قلق المملكة من انهيار حل الدولتين، بما يحمله ذلك من احتمالات حدوث مواجهة فلسطينية - إسرائيلية ربما تدفع بنازحين فلسطينيين جدد إليها. وأياً كان الدافع الأردني، فإنه يؤشر الى قناعه متنامية لدى الأطراف المختلفة بانتهاء حل الدولتين وضرورة البحث عن حلول بديلة، منها حل الدولة الواحدة ثنائية القومية. وقال نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة «فتح» حسام زملط: «انهيار حل الدولتين ربما لن يكون سيئاً للفلسطينيين بقدر ما هو سيء للإسرائيليين»، مشيراً إلى أن البديل لن يكون سوى الدولة ثنائية القومية.