أرسلت الملحقيات الثقافية حول العالم تعميماً عاجلاً من وزارة التعليم العالي منذ أسبوعين لجميع المبتعثات السعوديات، ذاكرة أنه «لوحظ عدم وجود محرم مع بعضهن»، ونوهت بضرورة وجود محرم معهن خلال إقامتهن في الخارج، وأعطتهن مهلة ثمانية أسابيع من تاريخ التعميم، أو تنتهي بعثتهن. التعميم جاء معتمداً على أن الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من نظام مجلس التعليم العالي تنص على «أن يرافق المبتعثة للخارج محرم لها طيلة مدة ابتعاثها». وزارة التعليم العالي لم تذكر الطريقة التي تأكدت فيها الملحقيات من صحة ما جاء في التعميم، مع أن الإشاعة القوية التي تتناقلها المبتعثات أن المبتعثين من الجنس الآخر قدموا شكاوى سرية أن بعض المبتعثات يسكن من دون محرم. ثم ظهرت لنا، على برنامج «يا هلا»، بسمة السناري المعيدة المتفوقة التي حرمت من الابتعاث لإكمال درجة الدكتوراة للسبب نفسه، بسمة أصابها انهيار عصبي ترك تلك الفتاة اليافعة مرتعشة الأطراف تمشي على عكاز! تابعت بكثير من الحسرة التعليقات على هذا الخبر في مجتمع «تويتر»، الذي يمثل نبض الشارع السعودي اليوم. الشباب السعودي علقوا بأن مثل هؤلاء المبتعثات وقعن على شرط الابتعاث هذا وعليهن الالتزام بذلك، والبعض الآخر قال: وجود المحرم شيء في الشرع ولا اعتراض على شرع الله، المبتعثات ممن لا محرم لهن سُقط في أيديهن، الكثير في صدمة، وبعضهن على وشك الانهيار، لأنهن في السنة النهائية من رسالة الدكتوراه، الكثير منهن لا يوجد لهن محرم متفرغ طوال فترة الابتعاث، إذ يرتبط المحرم بعمل أو دراسة في مكان آخر، أو لديه التزامات عائلية في السعودية، وما لا يعلمه الكثير أن معظمهن «مجبرات» على الابتعاث من محل عملهن ولم يكن الابتعاث شيئاً اختيارياً، بعضهن وجدن الحل مجبرات في «زواج الابتعاث»، وهو «زواج موقت فقط لفترة الابتعاث»! بعيداً من ردود الشارع السعودي، يجب أن يعلم الجميع من وزارة التعليم العالي المؤيدون لهذا التعميم أن التعليم حق أساسي من حقوق جميع أبناء الوطن، بلا فروقات بين الجنسين. وبما أن وزارة التعليم العالي عاجزة عن توفير مقاعد دراسية أو ابتعاث داخلي لهؤلاء المبتعثات، فتوفير فرص ابتعاث خارجي لهن هو حق أساسي يجب أن تتكفل به الوزارة بلا منة وبلا تعقيدات، أما شرط وجود المحرم خلال الإقامة فهو شرط غريب، يجب أن يُعاد النظر فيه، لأنه فوق التعقيدات الناتجة عنه، فإنه لا أساس شرعي له، فالمحرم مشترط في السفر وليس في الإقامة. والأغرب أن تسافر المرأة السعودية بورقة إذن ولي الأمر التي تنوب عن المحرم ولا يسمح لها بالإقامة إلا بمحرم، هل هذه الشروط التعجيزية فعلاً تقوم على حماية المرأة؟ أم أنها قائمة على مبدأ عدم الثقة بأهليتها وأنها إنسان غير مستقل بذاته وكيانه ويجب معاملتها على هذا الأساس؟ ثم إذا كان هناك تفاهم بين المبتعثة وأهلها على دراستها في الخارج من دون محرم، فلماذا تتدخل الوزارة في فرض هذا الشرط عليهن؟ يجب أن يعود ذلك بشكل كامل لأصحاب الشأن من دون شروط إجبارية تعجيزية أضاعت الكثير من الفرص على بنات الوطن لإكمال تعليمهن، كيف تصادر الوزارة الثقة التي منحها الأهل لابنتهم؟ هناك إحصائية من وزارة التعليم العالي تُظهر أن عدد المقبولات للابتعاث تساوي عدد المقبولين، لكن العدد ينقص بشكل كبير عند إكمال الأوراق اللازمة للابتعاث عند الفتيات فقط. تدعي الوزارة أنها لا تعرف السبب! التعليم حق أساسي لكل مواطن، وإذا استمر حرمان المزيد من الفتيات من فرص المشاركة في بناء الوطن وإكمال تعليمهن بسبب شرط المحرم، فالخاسر الأكبر هو الوطن. [email protected] twitter | @manal_alsharif