دائماً العودة من منتصف الطريق لا تحتمل سوى ضياع الفرص المتاحة للنجاح، لا سيما إذا كان خيار العودة هو الحل الأول والأخير.. هذا هو حال عدد من المبتعثات اللاتي تيسّر لهن من يرافقهن في البعثة في بداية الأمر، ولكن هذا المرافق وجد صعوبة أو تعرض لظروف طارئة تجبره على العودة، حينها؛ إما أن يُؤمن على المبتعثة ويعود لوحده، أو يكون قرار العودة لزاماً عليهما جميعاً، حتى لو لم يتبق على انتهاء البعثة إلاّ القليل، و في حال كان الخيار الأول هو الحل، فإنه بالتأكيد لا يتوافق مع شروط وزارة التعليم العالي، لهذا يتم إيقاف مكافآت المبتعثات غير المتقيدات بشرط المرافق وهذه إشكالية بحد ذاتها. د.عبد الله دحلان ولكن في الوقت الذي نؤكد فيه على أهمية وضرورة وجود «مَحرَم» يرافق الطالبة التي ترغب الدراسة في الخارج، نرى ضرورة إيجاد حلول مرنة وبديلة لمن يتعذر أمامهن الحصول على مَحرَم، لتجنب الكثير من التحايل على هذا الشرط. «الرياض» في هذا التحقيق ناقشت هذا الجانب، ولامست من خلال آراء المشاركين عددا من الحلول، سواء لمن لم تحصل على البعثة، أو لمن تعذر إقامة المَحرَم معها بعد الابتعاث، ولعل أهم هذه الحلول هو توفير سكن لمجموعة من المبتعثات تحت إشراف وزارة التعليم العالي. د.سهيلة زين العابدين حُرمت من المكافأة تقول «مها العيد» -إحدى الطالبات المبتعثات-: بعد مضي سنتين من الدراسة اضطر شقيقي المرافق على العودة لظروف طارئة، ولكن لم تكن عودته إلى المملكة إلاّ بعد أن أمن لي السكن مع مبتعثة من الأقارب، لا سيما وأن وجودي في بلد الابتعاث لا يتعدى حدود أسوار الجامعة والسكن، ومع هذا حرمنا حينها من المكأفاة، والتي أنا بحاجة إليها لأكمل مشواري التعليمي، مما أرغمني على العودة والتضحية بحلم الدراسة، متمنيةً أن توجد الحلول المرضية التي تراعي المصلحة العامة، فهذه ليست مشكلتي لوحدي، بل هي مشكلة كثير من المبتعثات المتفوقات اللاتي خذلهن وجود المحرم في منتصف الطريق، فيعيق مواصلة الدراسة. د.دحلان: 90% من المحارم «غير الأزواج» ليسوا متواجدين على أرض الواقع.. سكن خاص واقترحت «د.سهيلة زين العابدين» -عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- على وزارة التعليم العالي تأمين سكن للطالبات، من خلال ابتعاث مجموعة من الطالبات إلى جامعات بعينها ويتم إسكانهن معاً، تحت إشرافها بشكل مباشر، بوجود عدد من المشرفات والمسؤولات في الملحقية في بلد الابتعاث؛ لكي تستطيع الطالبة المبتعثة مواصلة دراستها في ظروف آمنة، وليس هناك أي إشكالية عليها، مضيفةً: «قرار وزارة التعليم العالي بتطبيق إيقاف مكافآت الطالبات المبتعثات للدراسة خارج المملكة غير المتقيدات بشرط المرافق أو المَحرَم، يُعد قرارا غير منصف، فطالما أن ولي أمرها مطمئن على حالها وواثق في تدبرها شؤون بعثتها، وهو بلا شك حريص على عرضه، ولن يتركها الإ وهي بأمان»، متسائلةً: هل هناك من هو أحرص عليها من ولي أمرها؟، إذاً لماذا نصادر عليها حقها في الحصول على المكافأة التي تعينها على إكمال دراستها؟. إيجاد حلول ودعت إلى السماح بمرافقة الأم في حال وفاة الأب وتعذر وجود المحرم من الأخوة والأقرباء، فالأم بلاشك حريصة على صون وحماية ابنتها، مؤكدةً على أنه حين يتم رفض ابتعاث طالبة لعدم توفر المَحرَم، قد نخسر انجازات علمية تضاف لما قدمته المرأة في المملكة خارج بلدها، ذاكرةً أنها مع وجود المَحرَم إذا توفر، والبحث عن حلول عاجلة لمن لم يتوفر لها، مبينةً أن ذلك سيمنع الكثير من التحايل في إيجاد مَحرَم، والتي تلجأ إليه العديد من أُسر المبتعثات، مشددةَ على ضرورة إعطاء الثقة في ابنة الوطن، فهي بلا شك قادرة وحريصة على دينها وأخلاقياتها وتقاليد مجتمعها. لم يوضع جِزافاً وتحدث «د.عبد الله دحلان» -عضو مجلس الشورى سابقاً- قائلاً: من المؤكد أن قيادة المملكة حريصة كل الحرص على تعليم الشباب طلاب وطالبات داخل المملكة وخارجها، وقد شهد على ذلك تاريخ التعليم في المملكة، لا سيما بعد أن انتشرت البعثات التعليمية لجميع أنحاء العالم، ابتداء من مصر ولبنان وبعض الدول العربية، إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا والهند وباكستان وغيرها من دول آسيا، مضيفاً: «للتاريخ أن تعليم المرأة في الجزيرة لم يبدأ بصفة نظامية ورسمية إلاّ في عهد المملكة، وتاريخ تطور التعليم النظامي للمرأة أكبر شاهد على هذا، حتى وصل إلى مرحلة التعليم وتكملة التعليم العالي في أفضل الجامعات العالمية المتخصصة»، موضحاً أن شرط ابتعاث الطالبة بمرافق محرم شرط لم يكن يوضع جِزافاً، وإنما من حرص القيادة وحرص المسؤولين على توفير الحماية والرعاية للطالبة، ومنع أي وسائل للتحرش والإساءة إليها، إلى جانب القيام بأدوار مساعدة لا تستطيع المرأة القيام بها، مشيراً إلى أنه رغم تشدد النظام بربط المحرم بابتعاث الطالبة واستناده في هذا على رؤية شرعية نحترمها ونقدرها ونتفق معها ونطالب بها، إلاّ أن البعض يتساءل عن أصل الفتوى الشرعية للمَحرَم في الابتعاث للدراسة، بل ويذهب إلى الاستفسار عن مفهوم المَحرَم وأين شروط الالتزام به؟، وهل شرطه ينطبق على جميع الحالات في السفر للعمل أو السفر للدراسة أو السفر للحج أو للعمرة؟. د.موضي: الملحقية تسعى إلى إيجاد مخرج في حال غياب المحرم حتى «لا تفقد البعثة» طرق التحايل وأوضح أن هناك من يلجأ إلى تسجيل آبائهم أو أخوانهم أو أعمامهم كمَحرَم رسمي لهم بعد استيفاء شروطه حسب وزارة التعليم العالي، مضيفاً أن بعض مبتعثات الدراسات العليا يقمن بتسجيل عقود زواج رسمية موثقة في المنظور الرسمي ومعطلة التطبيق في المنظور العملي، وذلك بغرض الإيفاء بالمتطلبات الرسمية للمَحرَم في الابتعاث، والأمثلة في ذلك عديدة، ورغم قبول الوزارة بهذه الوثائق الرسمية، إلاّ أنها يصعب عليها وعلى الملحقيات الثقافية التحقق من أن المَحرَم مقيم إقامة دائمة مع المبتعثة، حتى لو تمت متابعة تأشيرات الدخول والخروج لبلد الابتعاث، مشيراً إلى أن الحقيقة كما يراها البعض توضح أن أكثر من (90%) من المحارم غير الأزواج هم مسجلون على الورق الرسمي فقط، لكنهم غير متواجدين على أرض الواقع، وبالتالي تكون النتيجة كالآتي: إن الغرض الأساسي من المحرم لم يتحقق، ثانياً أن تكلفة رواتب وامتيازات وتكلفة الدراسة لبعض من المحارم هي تكلفة اقتصادية تمثل عبئاً على الدولة، وكان بالإمكان الاستفادة من هذه التكلفة بمضاعفة عدد المبتعثات، وفي كثير بل وفي معظم حالات المَحرَم على الورق يكتفي المَحرَم بربع المكافئة المخصصة له أو نصفها، ويعود إلى الوطن، أو يقضي فترة سياحة واستكشاف في بلاد الابتعاث، وهي خسارة على ميزانية الابتعاث كان بالإمكان توجيهها لابتعاث المزيد من الطالبات. شرط على الورق وأكد على أن المَحرَم إما يكون في المنزل أو الدراسة في أحد المعاهد أو الكليات أو الجامعات، وليس بالشرط أن يكون مع المبتعثة في نفس المدينة أو الجامعة، وبالتالي فهو غير متواجد مع الطالبة في الفصل أو في الاستراحات أو المناسبات الجامعية، مضيفاً أن الظروف التعليمية تفرض الاختلاط في الفصل والقاعات والمناسبات التعليمية، ولا يمكن أن يسمح للمرافق أن يدخل مع الطالبة الفصل أو المعمل أو المختبر أو المشاركة كمرافق في جلسات النقاش وورش العمل أو غيره، مبيناً أن شرط المَحرَم للابتعاث من وجهة نظر الكثير من أصحاب الفكر، هو شرط على الورق لارضاء المشرع أو المنفذ له وهي وزارة التعليم العالي، ولكنه على أرض الواقع غير مطبق كما تم التخطيط له، علماً بأن العديد من المرافقين لزوجاتهم المبتعثات يذهبون معهم في الإجازات والمناسبات فقط، ثم يعودون لأعمالهم في المملكة حتى وإن كان في ذلك مخالفة نظامية لكن يصعب اكتشافها، مقترحاً أن يفتح حوار مع ذوي العلاقة من مشايخنا ذوي الفكر القابل لسماع الرأي الآخر، ومن مجموعة من المسؤولين في وزارة التعليم العالي والملحقيات الثقافية ومن بعض الطالبات المبتعثات وبعض المرافقين كمحرم زوج أو أخ أو عم أو خال أو غيرهم، مع حضور بعض من المفكرين وأصحاب الرأي العاقل وغير المتهور، وأجزم بأن مثل هذا الحوار العاقل سوف نصل به ومعه إلى حلول توافقية تحقق الأهداف التي نطمح لها. لم يكن سلبياً وقالت «د.موضي الخلف» -مديرة الشؤون الثقافية والاجتماعية بالملحقية الثقافية بسفارة خادم الحرمين الشريفين بواشنطن-: لاشك أن المبدأ الأساسي في هذا الموضوع هو أن العقد شريعة المتعاقدين، فطالما أن المبتعثة قد قبلت البعثة فعليها الالتزام بشروطها، وعموماً فشرط المحرم لم يكن سلبياً بالشكل الذي يتصوره البعض، مضيفةً أنه يتحقق عدة فوائد للمَحرم منها الأب الذي يحتاج إلى العلاج، وهناك الشقيق أو الزوج الذي قد يستفيد مما تمنحه المنحة لهم من حيث استكمال الدراسة أو تعلم اللغة، فضلاً عن أن خروج المحرم أو مرافقته للمبتعثة يسهم كثيراً في مواجهة مشاكل الإغتراب التي يتعرض لها الطلبة في الخارج، موضحةً أن هذا الشرط خدم عدداً كبيراً من الطالبات المبتعثات اللاتي لولا هذا الشرط ما توفرت لهن موافقة الأهل وأولياء أمورهن على السفر للبعثة، مشيرةً إلى أن مثل هذه المشكلة ينبغي أن لا تتجاوز حيزها الضيق، خاصةً أن النسبة الكبرى من الفتيات اللاتي أُتيحت لهن الفرصة يكن من الفئات العمرية صغيرة السن، واللاتي يحتجن بالفعل إلى رعاية وإلى مَحرَم، وإلى ممارسة هذه التجربة الحياتية في الخارج في إطار أسري وليس بمفردها، أما ما يحدث أثناء الدراسة من غياب المحرم أو حدوث مشاكل عائلية، فالملحقية تحاول قدر الإمكان إيجاد مخرج لها حتى لا تضيع عليها فرصة استكمال البعثة وإنهاء الدراسة، ذاكرةً أن المشاكل الخاصة تظل حالات خاصة ولا يمكن إدخال اعتباراتها ضمن الحالات العامة، ونحن دائماً نرعى كل المشكلات والظروف الفردية، خاصةً تلك التي تؤثر على دراسة المبتعثة ومستقبلها. مبتعثات في إحدى المحاضرات يخشين غياب محارمهن وفقدان فرصة الدراسة تفوق ملموس وأكدت على أن ابتعاث المرأة هام للغاية ومؤشراته أصبحت واضحة أمام الجميع، فالمرأة خلال السنوات العشر الماضية أثبتت قدرتها على التفوق، ومن التجربة نستطيع أن نتبين أن ثلث المبتعثين في الولاياتالمتحدة من الفتيات، وأنهن يحققن تفوقاً ملموساً على الطلاب المبتعثين أنفسهم، وهناك مجموعات كبيرة منهن حققن تواجداً في العمل العام والتطوعي، وأثبتن موهبتهن في مجال الفن التشكيلي والفنون الأخرى إضافةً إلى دراستهن، مبينةً أن ما يحققنه الآن يعد بالقياس شيئاً يفوق كل ما كان متوقعاً لها، ومن ثم فإن الحديث عن المَحرَم كمعوق للمبتعثة ليس في محله، على الرغم من أن هناك من يرون عكس ذلك.