هل يشكل اقتراع أمس في المغرب خطوة في الاتجاه الصحيح، لناحية دعم المكاسب التي أقرها الدستور الجديد، أقله على صعيد ترجيح خيار المشاركة التي تعتمد التغيير من داخل المؤسسات، أم يميل إلى تحميل النخب السياسية مسؤولية عدم تحريك المياه الراكدة؟ تلك بعض الأسئلة التي رافقت أجواء توجّه ملايين الناخبين المغاربة لانتخاب أعضاء مجلس النواب الذي خوّله الدستور الجديد صلاحيات اشتراعية، في مقدمها أنه بات مصدر التداول السلمي على السلطة، وتحديداً من خلال اختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي يحوز صدارة الترتيب، والاعتراف بدور مواز للمعارضة يُنهي احتكار الغالبية العددية. وتمحورت توقعات حول نتائج الاقتراع لجهة الربط بين نسبة المشاركة وترجيح كفة هذا الحزب أو ذاك، فيما أظهرت المعطيات الأولية لنتائج نسبة الإقبال على الاقتراع أنها زادت على مثيلتها في انتخابات 2007 في الساعات الأولى من الصباح وحتى بعد الظهر. وحددت السلطات الساعة السابعة مساء موعداً لإغلاق مكاتب التصويت، في حال لم تظهر معطيات تحتّم إضافة ساعة جديدة. وصوّتت الزعامات السياسية في البلاد في دوائر تسجيلها، وكذلك الحال بالنسبة إلى وزراء ورجال أعمال وشخصيات متنفذة، من غير حاملي السلاح (عناصر الأمن) الذين لا يشاركون إلا في الاستفتاءات ذات الطابع المصيري. وكان لافتاً أن حزب «العدالة والتنمية» الذي يسعى إلى تحقيق فوز للإسلاميين في الاقتراع، أبدى اعتراضه على بعض السلوك الانتخابي. وانتقد زعمي هذا الحزب عبدالإله بن كيران قرار السلطات تسهيل نقل الناخبين في مناطق نائية إلى مكاتب الاقتراع، في ضوء بيان كان أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذا الصدد. وقال بن كيران: «ليس من صلاحيات المجلس البت في القضايا التنظيمية المتعلقة بالانتخابات». ورأى المسؤول الحزبي أن نقل الناخبين سيفسح في المجال أمام «استمرار الحملات الانتخابية يوم الاقتراع». وأبدى مخاوفه من استخدام هذه العملية من طرف مرشحين لنقل مناصريهم و «توجيه دفة الاقتراع» لمصلحتهم. وحض السلطات على تحمل مسؤوليتها إزاء سلامة الاقتراع. لكن زعيم «العدالة والتنمية» الذي يراهن حزبه على اختراق كبير لمصلحته، عبّر عن أمله في تحقيق هذا الهدف للانتقال من تجربة المعارضة إلى تجربة تحمّل المسؤولية. واعتبر التصويت لحزبه «اختياراً لمشروع حل المشاكل». وقال: «لا بد من التغيير أن ينتصر»، مسجّلاً في الوقت ذاته وقوع تجاوزات في سير العمليات الانتخابية أبلغت بها السلطات فوراً. ونُقل القول عن الزعيم السابق للاتحاد الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي لدى اقتراعه في الدارالبيضاء، أنه «لا يخشى فوز الإسلاميين في الانتخابات». لكنه لم يحدد طبيعة ذلك الفوز. ويُعرف عن اليوسفي أنه لدى قيادته أول حكومة تناوب في آذار (مارس) 1998، استطاع تأمين دعم «العدالة والتنمية» للغالبية النيابية عبر مساندتها لحكومته من دون المشاركة فيها. لكن الحزب الإسلامي انصرف بعد ذلك إلى المعارضة. من جهته، رأى رئيس تجمع الأحرار صلاح الدين مزوار، أن المغرب دخل مرحلة جديدة ومتميزة في بناء مساره الديموقراطي في ضوء التصديق على دستور الأول من تموز (يوليو) الماضي. كذلك صرّح زعيم الاتحاد الاشتراكي عبدالواحد الراضي، أمس، بأن مسار الإصلاح والتغيير في البلاد يسلك طريقه بهدوء «مستنداً إلى روح الحوار». وأضاف أن رسالة المغرب للعالم هي أن «الديموقراطية سبيل أمثل لحل المشاكل»، وعرض إلى سلسلة الإصلاحات التي تتعلق بتعديل الدستور ومحاربة الفساد، مؤكداً أن الناخبين «هم الذين يملكون في الحقيقة سلطة تغيير ملامح المشهد السياسي». وأوضح المسؤول الحزبي أن دور رئيس الحكومة المقبل سيكون «كبيراً» في تكريس متغيرات المشهد إلى جانب بقية أعضاء الحكومة. وأعرب الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» نبيل بن عبدالله عن أمله في أن ينتج عن استحقاقات الجمعة «مصالحة المجتمع المغربي والشأن السياسي وإعطاء المؤسسات صدقية أكبر». وأضاف أنه يعوّل على أن ينبثق منها «برلمان أكثر صدقية وحكومة قوية قادرة على مواجهة المشاكل الكبرى». ووصف خالد الناصري وزير الاتصال (الإعلام) العضو القيادي في التقدم والاشتراكية التصويت في الاقتراع بأنه «يرتدي دلالة سياسية عالية». وقال إن الأمر يطاول تنفيذ مقتضيات الدستور الذي يحتاج إلى «رجال ونساء جدد» ومؤسسات وممارسات سياسية جديدة. وسئل عن توقعاته حول نسبة المشاركة، فردَّ بأن المؤشرات تدفع إلى التفاؤل. والظاهر أن الانتخابات الاشتراعية في المغرب تحوّلت إلى مناسبة لعرض القوة بين دعاة المشاركة والمقاطعة، بخاصة في ضوء نزوع «حركة 20 فبراير» الشبابية إلى تبني خيار المقاطعة إلى جانب تنظيمات يسارية وأخرى إسلامية. بينما اصطفت الأحزاب الأكثر نفوذاً في الساحة السياسية إلى جانب دعم منطق المشاركة، وإن كان بعضها رغب في استمالة الشباب من خلال إقرار قوائم خاصة بهم للمرة الأولى في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية. ولاحظت المصادر أن العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي كان وراء إقرار الدستور الجديد، توارى إلى الخلف إبان فترة المنافسات الانتخابية، ولم يعد إلى المغرب إلا قبل يومين من الاقتراع، في إشارة اعتُبرت مشجعة لناحية ترك الصراعات الحزبية تدور بين الفرقاء. بيد أنها المرة الأولى التي استخدم فيها الناخبون ورقة ثبوت الهوية في ضوء إلغاء ورقة الناخب، وذلك استجابة لطلبات فاعليات حزبية. وجرى الاقتراع على قوائم محلية تشمل 305 مقاعد من بين 395 يتشكل منها مجلس النواب، وأخرى ذات صبغة وطنية تطاول قوائم النساء التي تم ترفيعها من 30 إلى 60. كما خصص 30 مقعداً للشباب الذين لا تزيد أعمارهم على 40 سنة. ولم يحل التوزيع دون ترشح نساء وشباب على رأس قوائم محلية. وانحصرت المنافسات بين أكثر من 1500 قائمة ضمت ما يزيد على خمسة آلاف مترشح، فيما يتنافس 1700 مرشح على قوائم النساء والشباب. وينتسب المتنافسون إلى ما يزيد على 30 حزباً يأتي في مقدمهم على صعيد التغطية حزب الاستقلال ثم الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وتجمع الأحرار والحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة وجبهة القوى الديموقراطية والحزب العمالي. أما بقية الأحزاب، فلم يتجاوز مرشحوها نسبة 30 في المئة من الدوائر الانتخابية في عموم المغرب. وتساءلت وكالة «فرانس برس» في تقرير إخباري عما إذا كان الاقتراع، وهو أول انتخابات تشريعية منذ تعديل الدستور، سيشهد تقدماً للإسلاميين المعتدلين. وأشارت إلى أن النسبة الأولية أشارت إلى لامبالاة محتملة، إذ لم تزد نسبة المشاركة في البداية على 11.50 في المئة على المستوى الوطني. لكن هذه النسبة ارتفعت لاحقاً وتجاوزت معدلات انتخابات 2007. وبشيء من المزاح قال أبو فاضل من أمام مركز اقتراع في حي شعبي بمدينة الدارالبيضاء: «ان تنظيم انتخابات يوم الجمعة ليس جيداً، إنه اليوم الذي تعد فيه النسوة تقليدياً الكسكس». وقال يوسف (مهندس 35 عاماً): «رغم اني كنت افكر في التصويت لمصلحة صلاح الدين مزوار (زعيم التجمع الوطني للاحرار ووزير الاقتصاد)، فقد قررت في النهاية منح فرصة لحزب العدالة والتنمية». وقال محمد (حارس-45 عاماً): «كما كنت أفعل في الماضي لن أصوّت. بالنسبة لي هناك الله والوطن والملك وكفى»، عاكساً موقف غالبية اعتادت عدم التصويت في المملكة التي تعد 35 مليون نسمة بينهم 13.5 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية. ويتنافس في هذه الانتخابات التي تنظم بعد خمسة اشهر من تعديل دستوري بادر به العاهل المغربي واعتمد باستفتاء شعبي، 31 حزباً. وعادة ما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة في المغرب. وبلغت هذه النسبة في الانتخابات التشريعية لعام 2007 نحو 37 في المئة. ويرى عمر بندورو استاذ القانون في جامعة الرباط انه «بالنسبة للسلطة، فإن نسبة مشاركة كبيرة ستتيح له اضفاء صدقية على الاصلاحات الدستورية» ومنح المملكة «صدقية وصورة جيدة في الخارج». لكن المملكة تشهد نسبة بطالة مرتفعة خصوصاً بين الشباب، وهناك غليان اجتماعي. وقد دعا ناشطو «حركة 20 فبراير» الى مقاطعة الانتخابات. ويفرض التعديل الدستوري على الملك تعيين رئيس الوزراء من الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من الاصوات في الانتخابات. كما اصبحت بموجبه للبرلمان ورئيس الوزراء صلاحيات أكبر. ويندرج هذا الاقتراع في سياق «الربيع العربي»، حيث يأتي بعيد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس وقبل انتخابات تشريعية مقررة في مصر الإثنين، وهما البلدان اللذان يحظى فيهما الإسلام السياسي بشعبية كبيرة على غرار تركيا. ويراهن حزب العدالة والتنمية (اسلاميون معتدلون) الذي يتزعمه عبد الإله بن كيران المعارض (47 نائباً من اصل 395) على فوز كالذي حققته حركة النهضة الاسلامية في تونس في 23 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي. ويواجه حزب العدالة والتنمية خصمين اساسيين يتمثلان في حزبين محنكين عضوين في الائتلاف الحاكم. وهما حزب الاستقلال بزعامة رئيس الوزراء عباس الفاسي وهو الحزب الافضل انتشاراً في مختلف انحاء المغرب، وهو اقدم تشكيلة حزبية في البلاد ناضلت من اجل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي ويمثلها 52 نائباً، ويتمتع حزب الاعيان هذا بشعبية قوية لكنه قد يتأثر سلباً بممارسة الحكم. ويضم التجمع الوطني للاحرار (ليبرالي، 38 نائباً) اكبر عدد من الشبان والتكنوقراط ويتزعمه وزير الاقتصاد والمال صلاح الدين مزوار الذي يرجح البعض انه سيكون رئيس الوزراء المقبل. وقالت حسنة داودي التي تشرف على موقع اخباري على الانترنت ل «فرانس برس»: «أتوقع أن يتولى مزوار الحكومة المقبلة لأنه يتمتع بأفكار عصرية وديناميكية، وهو اقتصادي متميز، ان المغرب في حاجة الى حلول ملموسة لمشاكله وليس للخطب الشعبوية». واوضح الاستاذ عمر بندورو انه «يمكن لحزب العدالة أن يحصل على المرتبة الاولى، لكن حتى وإن ترأس الحكومة، فإن السلطة التنفيذية ستكون في اطار ائتلاف». من جهة أخرى، قال خالد الناصري وزير الاتصال والعضو في حزب التقدم والاشتراكية الصغير، إن «الاقتراع مفتوح اكثر من اي وقت مضى (...). وبلا شك، أن اقوى حزب لن يتجاوز 16 الى 18 في المئة» من الاصوات.