إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زرياب العراقي أبكى السفيرة الأميركية في عمان . عاشق العود يهاب المرأة ويخشى على الحب من الفتور نصير شمة : تجديد التراث يعني تشويهه وأنا أفضل الابتكار !
نشر في الحياة يوم 25 - 10 - 1999

يعتبر نصير شمّة أن "خصوصية الاغنية وخلودها ينبعان من عبقريّة اللحن وغنى الموسيقى، لا من الكلمة أو اللهجة"، ويحذّر من "حالة التراخي والخدر والكسل التي تصاحب الاستماع إلى أنواع معينة من الموسيقى، فاللعب على المشاعر من دون محاكاة العقل يعد تراجعاً". وهذا الفنّان العراقي الشاب الذي ينتمي إلى تقاليد عريقة، ويعتبر امتداداً لمدرسة فريدة خرّجت بعض أكبر معلّمي العود العرب، يخوض اليوم مغامرات مختلفة منها ادخال آلة العود إلى الأوركسترا الغربيّة. وسيشارك في احتفالين مختلفين في العاصمة البريطانيّة، خلال شهر آذار مارس من العام ألفين، كما يستعدّ لاصدار أسطوانة جديدة بعنوان "من أمسك بيد الحبّ؟" وأخرى بعنوان "قبل أن أصلب" من وحي الحلاج.
نصير شمة عاشق العود وعازف من طراز فريد متميز، تفتحت مواهبه الموسيقية مبكراً، وتتلمذ على يد اساتذة كبار، ولقّب في بغداد بزرياب الجديد، قبل أن يغادر مدينته ويعيش بين المنافي العربيّة. ألف عدداً لافتاً من المقطوعات الموسيقية، مراهناً على التجديد والاضافة من ضمن التقاليد العربية العريقة العريقة. ويعيش هذا الفنان العراقي متنقّلاً بين تونس حيث لعب دوراً بارزاً في السنوات الأخيرة، والقاهرة حيث يشرف على مشروع "بيت العود العربي" الذي يتولّى، بالاشتراك مع "دار الأوبرا" المصريّة، تخريج عازفي السولو. وتلك المؤسسة التي انطلقت في تشرين الأوّل أكتوبر 1998، تخرّج دفعتها الأولى خلال هذه الأيّام في العاصمة المصريّة.
وفي الفترة الأخيرة، انصبّت جهود نصير شمّة الذي يسير على خطى معلّم العود جميل بشير وقد استفاد من تجاربه في الستينات، على مزاوجة آلة العود مع الأوركسترا، بطريقة مدروسة هارمونيّاً وذوقيّاً، انطلاقاً من خصوصيّة موسيقانا. ومن هذا المنطلق شارك في القاهرة مع أوركسترا "أخناتون"، وعزف منفرداً على العود في كونشرتو من تأليف المعلّم العراقي الشريف محيي الدين حيدر. وبعد أن حقق حضوره عربيّاً من بغداد إلى القاهرة، مروراً بتونس وبيروت، يستعد شمّة لحمل العود إلى الساحة العالميّة، إذ يشترك بآلته ضمن أوركسترا بريطانيّة على خشبة "رويال ألبرت هول" في الرابع من آذار مارس 2000، ثم يقدّم حفلة خاصة بالغناء الغرناطي مع أمينة علوي انطلاقاً من نصوص قديمة، في العاصمة البريطانيّة أيضاً، خلال الثامن والعشرين من آذار مارس المقبل، على مسرح "كوين إليزابيت" في ال "رويال فيستيفال هول". وقد وقّع أخيراً موسيقى تصويريّة لمسلسل تلفزيوني مصري بعنوان "عفواً حبيبتي" اخراج نادية حمزة، كما يستعدّ لاصدار أسطوانة جديدة بعنوان "من أمسك بيد الحبّ؟" في باريس، يقدّم فيها أصوات عربيّة مهمّة وغير معروفة من خمس دول عربيّة 4 رجال وأربع نساء، تؤدي قصائد لشعراء صوفيين إضافة إلى أمل دنقل ولميعة عبّاس عمارة وآخرين... ويعمل على اسطوانته الرابعة "قبل أن أصلب" التي ستصدر من الولايات المتحدة وبريطانياو وهي من وحي الحلاج.
إلتقينا نصير شمّة في القاهرة، فتحدث عن تجربته ونظرته إلى الموسيقى، وتناول رموزاً مثل محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ وفريد الاطرش... وأبدى تحفظه عن إعادة التراث، وقال رأيه الصريح رأيه في كاظم الساهر. وتحدث عن حفلاته في اميركا وبريطانيا. كما تطرّق إلى المرأة وحبه لها وخوفه من الارتباط بها.. وهنا نصّ الحوار:
لا يعرف الجمهور العربي شيئاً عن طفولتك...
- ولدت في مدينة "الكوت" في جنوب بغداد، وكانت تضج باليساريين، وعندما يوجد اليسار توجد الثقافة. كان ابي يمتلك محلاً في منطقة "المشروع" ب"الكوت" يبيع فيه مستلزمات الاسر، وكان يردد آيات القرآن الكريم واحاديث الرسول طوال الوقت، فكان لذلك اثر كبير في شخصيتي. وشارك ابي في بناء "سد الكوت" مع شباب المدينة خلال فترة بعد الاحتلال، وقد ترك لنا بعد وفاته العديد من القيم التي تكاد تندثر في مجتمعنا اليوم.
ما كانت مشاغلك في تلك السنوات الأولى؟
- لم أعش طفولة مترفة. كنت اذهب في السادسة صباحاً لأبيع الخبز، ثم تحولت الى بيع الصحف، فصرت اقرأ الصحف والمجلات قبل بيعها... بعد ذلك عملت "مساعد حلاق".
كيف تفتحت موهبتك الموسيقية؟
-في الخامسة من عمري كنت احمل راديو واستمع وأبكي على انغام رياض السنباطي. أذكر أن أغنية "القلب يعشق كل جميل" كانت اول ما تعلمت وحفظت وعزفت. درست الموسيقي كبقية تلاميذ المرحلة الابتدائية. كانت مجرد هواية، لكنها أهلتني لدخول معهد الموسيقى العربية في بغداد، حيث درست لمدة ست سنوات، وتخصصت في آلة العود.
كيف تصنّف نفسك كعازف عود؟
- يلازمني منذ زمن بعيد شعور غريب بأنني لا انتمي إلى الزمن الحالي، بل أعيش تحديدا في زمن السومريين، ولهذا اتجهت إلى العود، مع العلم انّني اكن حباً لكل الآلات الموسيقية.
ألا ترى ان العود مهدّد بفعل طغيان الآلات الاخرى؟
- العود يشكل هوية الموسيقى العربية، مثلما يعد البيانو دستور الموسيقى الغربية، إذا جاز التعبير. أنا في كلّ الأحوال أرفض تصنيف الموسيقى من خلال التمييز بين شرقي وغربي، وأعتقد ان العود استطاع الحفاظ على مقومات وجوده منذ العام 2350 ق.م وحتى الآن. وفي العراق تواصل هذا التاريخ الطويل حتّى العصر الحديث، وبعد ظهور مدرسة الشريف محيي الدين حيدر مؤسس اهم مدرسة للعود في بداية القرن العشرين ومؤسس معهد الموسيقى والفنون الجميلة في بغداد، نشأت مدارس حديثة للعود، رموزها جميل بشير وسلمان شكر وغانم حداد... وهؤلاء هم الجيلان الثاني والثالث ونحن الجيل الرابع.
من هم أساتذتك؟
- أساتذتي كثر، ومعظمهم لم التق به مثل الشريف محيي الدين حيدر وجميل بشير. أما أستاذي المباشر فهو علي الامام الذي منحني الكثير، كذلك رومي الخماش وهو فلسطيني عاش في العراق له وأسهاماته البارزة في الموسيقى. وفي العام 1985 قدمت اول عرض منفرد على العود، شكّل بداية انطلاقة جديدة للتعامل مع العود بشكل يعكس توجّهاً جديدا للتفكير من خلال الموسيقى، بعد تخليصها من حالة ترهل الطرب الذي ساد موسيقانا.
ماذا تعني بترهل الطرب؟
- الطرب سمة امتازت بها موسيقانا، وأعني بترهل الطرب حالة التراخي والخدر والكسل التي تصاحب الاستماع لأنواع معينة من الموسيقى توفر الاحساس باللذة. فلهذا مضاره بالطبع. إذ ان اللعب على المشاعر من دون محاكاة العقل يعد تراجعاً، فالانسان بحاجة الى إشباع حواسه كلها.
كيف تستوحي أعمالك؟
- كنت أدرس في معهد الموسيقى في بغداد، حين شاهدت حركة عصفورين، ذكر وأنثى، يطيران بانسيابية جميلة في خط واحد ليلتقيا في النهاية، وتخيلت أن بينهما حواراً ولغة راقية، فحاولت تجسيد تلك اللغة في لحن موسيقي، وكانت مقطوعتي "حب العصافير"، المستوحاة من سرمدية الطبيعة الغنّاء التي عشتها في العراق. مقطوعة "غارسيا لوركا" لها قصة أخرى. دعاني أدونيس للمشاركة في تظاهرة ثقافية مهمّة أقيمت في قصر الحمراء في غرناطة، بحضور 400 شخصية عربية من مبدعي الثقافة والفن. وذهبنا لمشاهدة المكان الذي قتل فيه الشاعر الاسباني العظيم غارسيا لوركا. وعندما وقفت في المكان راودني شعور أنني أتحاور مع هذا الشاعر حول تجربته الشعرية والانسانيّة حتّى لحظة اغتياله. واستعنت بالطبع بالمخزون الثقافي، أي بكل ما قرأته لهذا الشاعر، وعرفته عنه من حكايات ودراسات وأبحاث... وكانت ولادة المعزوفة. الشاعر المصري فاروق شوشة كتب قصيدة من وحي مقطوعتي الموسيقية، وقام بإهدائها لي في ديوانه الذي صدر أخيراً.
"قصة حب شرقية" لها أيضاً حكاية...
- هذا صحيح. في إحدى الحفلات في بغداد 1986 لاحظت غياب صديق، كان حريصاً على حضور كل حفلاتي، ثم رأيته جالساً بعد ذلك في الصف الأول من دون أن يرتدي سترته كاملة. وعندما هممت بمصافحته اكتشفت أن ذراعه بترت في الحرب. ومن شدة التأثر قررت أن ابتكر طريقة جديدة للعزف على العود بيد واحدة من أجل ذلك الصديق الذي رغب في تعلم العزف على العود. وعكفت 3 أشهر كاملة حتى توصلت إلى طريقة، وقدمت أول تجربة للعزف على العود بيد واحدة في مقطوعة "قصة حب شرقية".
ومقطوعة "حدث في العامرية" تتناول المجزرة التي ارتكبتها الطائرة الأميركيّة في حق الانسانية والحضارة جمعاء عندما قصفت ملجأً يضم مئات النساء والأطفال. وهي تجسّد في رأيي كل معاناة العالم لا معاناة شعب معيّن: هيروشيما والبوسنة وكوسوفو وصبرا وشاتيلا والحرم الابراهيمي وأسرى 1967 في مصر... بعد مجزرة العامريّة، لم أعد أرتدي سوى الملابس ذات اللون الأسود.
بغداد الأرضيّة الحقيقيّة
حدثنا عن المحطّات العربية والعالميّة التي حددت مسيرتك حتّى الآن...
- إطلالتي العالميّة الأولى كانت في جنيف، بدعوة من مهرجان شباب المعاهد الموسيقية... ثم ذهبت إلى فرنسا للمشاركة في ملتقى الموسيقي العربية. بعدها مكثت عاماً كاملاً في الاردن، لحنت خلاله للمسرح وبعض المسلسلات التلفزيونية. غير أن الأرضيّة الحقيقيّة تبقى بغداد، حيث قدمت أول كونشرتو في قاعة "الاورفلي"، ومن هناك كانت انطلاقتي نحو العالم. أما الاستقرار النفسي والفني فعرفتهما في تونس التي استضافتني طوال خمس سنوات أستاذاً في المعهد العالي للموسيقى. وأنا كالسمكة احب العيش في المياه العربية.
جئت مصر عن سابق تصوّر وتصميم، أم أن الأمور تمّت عن طريق المصادفة؟
- مجئي الى مصر كان قدرياً مئة في المئة. وافقت على المجيء بعد انشاء "بيت العود العربي" في الاوبرا، وكان مقرراً إقامته في لندن. يهدف البيت إلى تخريج عازفين على درجة عالية من الموهبة، يتخصصون في العزف المنفرد سولو. وبالفعل قدم علي الحمزاوي من مصر، ويسري الذهبي من تونس كونشرتو بأسماء دولهم العربية في ملتقى العود الذي أقيم في الدار البيضاء.
كيف ومتى اكتشف رموز الطرب المصري العريق؟
- أم كلثوم التقيتها مباشرة بعد حادث السيارة التي صدمتني طفلاً، من خلال أغنيتها "القلب يعشق كل جميل"... وكنت أشعر أنها تواسيني وعندما سمعت "رق الحبيب" للقصبجي شعرت بمدى حداثته وتجديده في الموسيقى، وحتّى اليوم أعتبر أن القصبجي أحدث مؤلّف موسيقي عربي. أما الموسيقار محمد عبدالوهاب فلديه قدرة على التلحين والأخذ من مقطوعات أخرى بعد إعادة تشكيلها وإخراجها بطريقة جديدة وعبقرية تعجب الجميع، في حين يفشل من يحاول الاقتباس عن لحن الغير ويصبح عمله مسروقاً مشوهاً.
هل تأثّرت بعبد الحليم حافظ ؟
- بالتأكيد، فأنا كغيري من الشباب أحببت أغاني عبد الحليم وصدقته: كانت له قدرة هائلة على ايصال مشاعر صادقة من خلال فنّه، فالكلمة التي يقولها يعيشها بحق فتخرج وكأنها جزء منه. وبهذا استطاع كسب حب الناس بشكل لا يضاهى.
هل ينطبق هذا الكلام على فريد الاطرش أيضاً؟
- الأمر مختلف مع فريد الاطرش، فألحانه على الرغم من بساطتها، لم يعش منها حتّى اليوم، ولم يخلّد اسمه منها، إلا القليل... لكن يصعب على غيره تقديم ما قدمه. فمشكلة فريد في ضحالة ثقافته لا موهبته، ما أثر بالطبع على اختياراته للنصوص التي يغنيها، وفي اعتقادي ان اجتماع فريد وعبد الحليم في عمل مشترك كان ضرورة، آسف لعدم حدوثها، ولو أن فريد لحن لعبد الحليم ل "سوّىا معاً الهوايل".
ومحمد فوزي؟
- أعشقه، بسبب بساطته التي استطاع بها أن يقترب من وجدان الناس، وحقق ما فشل فريد الأطرش في تحقيقه. بفضل وعيه وذكائه عرف كيف يشق طريقه إلى قلوب المستمعين وعاشت أغانيه وألحانه إلى الآن...
تجديد التراث
هل يمكن اعتبارك من الفنّانين الذين يجددون التراث ؟
- لديّ اعتراض في المبدأ على التسمية والمصطلح. أنا أرفض كلمة "تجديد التراث" وأرى أن التراث لا يجدد بل يعاد تقديمه بشكل جديد، شرط المحافظة على ملامحه وعدم المساس بجوهره لأنه إرث عريق يجب المحافظة عليه. والأجدر بأبناء الجيل الحالي تقديم الجديد والابتكار، بدلاً من استعادة أشكال قديمة وتهجينها أو تشويهها باسم التجديد!
هل هذا الموقف جعلك تمسك عن تلحين الأغاني؟
- من قال إنّي ممسك عن تلحين الأغاني. أنا فنّان متطلّب ولا أرضى عن الأشياء بسهولة، وأتجنّب مطبّات الفنّ الاستهلاكي. تعود أولى تجاربي اللحنية إلى العام 1986، حيث قدمت في العراق مغنياً يدعى محمد يحيى، في أغنية بعنوان "لا يا روحي" التي عرفت نجاحاً واسع النطاق. تركت التلحين جانباً، بعض الوقت، وانصرفت إلى تأليف الموسيقى التصويرية، وكانت لي تجارب عدّة، منها تجربتي مع المخرج التونسي نوري بوزيد في فيلم "بنت فاميليا". ومع هذا أنا مواظب على تلحين القصائد. لحّنت أخيراً قصيدة "الدم العربي" لفاروق شوشة التي غناها ابراهيم الحفناوي.
القصائد التي لحنتها جميعها بالفصحى، فهل للغة دور في موقفك المتحفّظ من التلحين، في ظل طغيان العامية على الفصحى؟
- لا أخفي انحيازي للفصحى. فلغتنا ثرية تخترق الحواجز والحدود التي وضعها الاستعمار في حياتنا وثقافتنا. والفصحى يفهمها المستمع العربي، وخصوصية الاغنية وخلودها ينبعان من عبقريّة اللحن وغنى الموسيقى، لا من الكلمة أو اللهجة.
مواطنك الملحن والمطرب كاظم الساهر قدّم أغنيات بالفصحى وأخرى بالعاميّة، وعرف نجاحاً في الحالتين؟
- إنّه فنان مجتهد، ويظهر ذلك في ألحانه. وغناؤه يمتاز بلهجة خاصة تختلف عن السائد. فكاظم الساهر لا يشبه أحداً سواه حالياً على الساحة الفنية، وأعماله لا تشبه الغناء العراقي. ففي العراق كان مختلفاً ومميزاً عن أقرانه وابناء جيله.
ألا تعتقد ان غناءه قصائد نزار قباني كان له دور فاعل في نجاحه وتميزه؟
- لقد نجح كاظم الساهر قبل غنائه أشعار نزار قبّاني، لا أقول ذلك للتقليل من أهميّة قصائد الشاعر الكبير، بل للتذكير بحقيقة تاريخيّة معينة. لمع هذا الفنّان مع كلمات مؤلفين وشعراء آخرين من امثال كريم العراقي وأسعد العريري وعزيز الرسام، لكنه أراد تعزيز دوره واكتماله، فجاء ارتباطه برموز الشعر العربي الحديث وعلى رأسهم نزار قباني لمصلحته من دون شك. والقاهرة عززت موقع كاظم واعطته الاعتراف العربي، لكنها لم تعطه النجاح ولم تكن شهادة ميلاد له. لا يسعنا إنكار دورها في احتضان الفن والفنانين، بدليل أن أول حفلة قدمها كاظم في مصر كانت ناجحة بكل المقاييس. وقدم كاظم حفلات اخرى ناجحة في مهرجاني "جرش" و"قرطاج" تجاوز عدد الحضور فيها ال 15 ألف مستمع، وكل ذلك قبل مجيئه الى لقاهرة، تلك العاصمة المرعبة.
سمعنا عن تجربة رائدة وجديدة لك تدور حول الشعر الصوفي...
- هذه التجربة هي حصيلة قراءات متأنية وطويلة لمسيرة الصوفيين الكبار وأشعارهم والوقوف على منطقهم وطريقتهم في العيش... في داخلي نزعة تقترب من التصوف، ثم جاء الحزن وأنضج تلك التجربة. وأذكر أعمالاً مجيدة قدمها من قبلي طاهر ابو فاشا في هذا المضمار، لكني رغبت في أن أدخل عالم الصوفية من خلال الموسيقى، ولم أقدم على تلك التجربة إلا بعد توفر رصيد معرفي وتراكمي يسمح لي بذلك.
لديك مشاريع أخرى حالياً؟
- هناك مقطوعة موسيقية جديدة، سأقدمها مع اوركسترا القاهرة السيمفوني، وتحمل اسم "من أمسك بيد الحب". وأعمل على موسيقى تصويرية لمسلسل جديد للمخرجة نادية حمزة يحمل اسم "عفواً حبيبي"، وهناك أعمال أخرى لكنها لا زالت في طور التكوين، وربما أخوض في المستقبل القريب تجربة الموسيقى التصويرية للسينما المصرية الروائية مع الفنان نور الشريف.
أقمت حفلات في الولايات المتحدة وبريطانيا بعد قصف العراق. ما كانت غايتك؟
- عزفتُ في بوسطن مقطوعات، منها "العامرية" و"حلم مريم" وهي تلميذتي الصغيرة التي ماتت خلال الحصار في بغداد، فكتبت الصحف الرئيسية في بوسطن تقول: "ان الكونسرت الذي قدمه العراقي نصير شمة نجح أكثر من الديبلوماسية العراقية طيلة فترة الحرب". وبثت اذاعة بوسطن الحفلة على الهواء مباشرة، وتشكلت وقتها جمعية من مناصري الشعب العراقي من الاميركان أنفسهم. الإبداع الفني يصلح ما يفسده السياسيون، ويواجه حملات التشويه التي تلحق بالعرب والمسلمين في الإعلام الغربي. ولعلّي استطعت أن أفتح بموسيقاي نافذة مشرقة على الحضارة والثقافة العربية الضاربة بجذورها في الارض والتاريخ. وقبل وقف اطلاق النار بأربعين يوماً تقريباً، قدمت مقطوعة بعنوان "الحياة - الحرب - السلام" في احدى كنائس عمان، فوقفت سفيرة الولايات المتحدة في الاردن تصفق بحرارة. وقالت وعيناها تدمعان: "أحتقر نفسي لكوني أميركية، ولأن بلادي مسؤولة جزئيّاً عن المأساة التي تصورها ألحانك". وهذا يكفيني.
ثلاثة أرباع العالم
دعنا نتحدّث عن المرأة في حياتك وفنك...
- المرأة ليست موضوعاً للنقاش، ولا يمكن ان تكون شيئاً خلافياً يحتاج لإبداء الرأي،... من أكون أنا لأعطي رأياً في نصف الحياة؟ بل إن المرأة هي ثلاثة أرباع العالم. أنا مسلوب العقل والقلب والوجدان في مواجهة المرأة، ولا يمكن لأي إنسان أن يختزل المرأة في كلمة أو عبارات إنشائية. والحياة بلا امرأة كأرض بلا ماء وسماء وغذاء. ولا أقصد بالمرأة هنا الزوجة أو الحبيبة فقط، بل الأنوثة كحالة عامة.
حين تقول ذلك، تبدو كأنّك تنظر إلى المرأة بعين الذكر الشرقي؟
- ما المقصود بالذكر الشرقي؟ هذه تسميات فضفاضة. أنا أحترم المرأة وأجلها، وأستكين إلى الأنوثة. نعم أعتقد أن على المرأة أن تحافظ على أنوثتها، وقد يرى بعض النساء اللواتي اقتربن من الرجولة في ذلك الكلام "ذكورة" او رجعية وتخلفاً، بينما تحظى الانثى، في نظري، بميزات تنزّهها عن كل ما عداها.
هل عشت قصص حبّ كثيرة؟
- أحببت فتاة في العراق العام 1981، وألهمني ذلك الحب أول جملة موسيقية خاصة ميزت عزفي بالعود، وجعل موسيقاي لا تشبه أحداً. كنت في السنة الاولى في المعهد الموسيقي، وهذا الحب هو الذي ترك الأثر الأكبر في وجداني حتّى الآن على الرغم من انقضاء السنوات. واذكر أنني كتبت لها مقطوعة موسيقية سبق لي عزفها منذ افترقنا، فصارت إرثاً وملكاً لها وحدها. وأتابع ما يحدث لها دوماً لكننا لا نلتقي وكل منا شق لنفسه طريقاً في الحياة. ثم عشت تجارب أقل أو أكثر ايلاماً... ولم تتعد قصص الحب في حياتي أصابع اليد الواحدة.
هل يخشى نصير شمة المرأة ويهاب الارتباط بها؟
- نعم. وهذا له صلة وثيقة بالهجر الذي أهابه لدرجة كبيرة. أخاف ركوب البحر، وأهاب بالدرجة نفسها دخول عالم المرأة، وأتذكر أنني كثيراً ما جلست أمام البحر متأملاً متلذذاً بصخبه وموجاته، من دون أن اجرؤ على الخوض فيه. وقد حدث أن فضّلت الفراق على الارتباط، وتحمّل العذابات المرتبطة به، كي أحافظ على الحب من الفتور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.