تشارك في "هانوفر ميسي" بألمانيا.. «الصناعة والتعدين» تستعرض فرص الاستثمار    حجز479 شاحنة أجنبية مخالفة لأنظمة النقل    الذكاء الاصطناعي... أهو باب لمستقبل واعد أم مدخل إلى المجهول؟    رفضوا التهجير وأيدوا إعمار غزة.. اللجنة العربية الإسلامية والاتحاد الأوروبي: المؤتمر الدولي برئاسة السعودية وفرنسا ضروري لحل الأزمة الفلسطينية    دور محوري للسعودية في تقريب وجهات النظر.. جولة جديدة لمحادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا    الغارات الأمريكية تتواصل على الحوثيين    تعرف على مواعيد مباريات نصف نهائي الأمم الأوروبية    المنتخب الوطني يكثف تحضيراته لليابان.. ورينارد يتحدث للإعلام    زراعة الكلى في برامج "بر جدة".. أحلام تلامس الواقع    ضبط مفحطين عرضوا حياة الآخرين للخطر    دشّن المركز الكشفي للمهارات والهوايات الطلابية بحلته الجديدة .. أمير المدينة: القيادة الرشيدة تدعم قطاع التعليم باعتباره ركيزة أساسية لتطوير المجتمع    أفلام جديدة تنافس في موسم عيد الفطر    تجديد بنائه بالمواد الطبيعية من أحجار جبال السروات والأخشاب المحلية.. مشروع الأمير محمد بن سلمان يعيد العناصر الجمالية لمسجد المسقي    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على الاستدامة في مسجد الحصن    إنما تقاس قيمة الأمم وقوتها بأخلاقها    درع الوطن وراحة ضيوف الرحمن    إنهم يسيئون للحرم    الحج: تطعيم الحمى الشوكية إلزامي لحجاج الداخل    الدلع.. سلوك مقيت يقود إلى الفشل وضعف الشخصية    بيئة بيش تنفذ مبادرة لتوزيع شتلات    "أبها" الأنقى هواءً في المملكة خلال عام 2024        الصحة تحدّث اشتراطات الحج لعام 1446ه لضمان سلامة الحجاج    صافرة الكويتي"العلي" تضبط مواجهة السعودية واليابان    "كبدك" تقدم دعمًا سنويًا يتجاوز 1.5 مليون ريال لمرضى الكبد وأسرهم    مصر تستضيف البطولة العربية للأندية 2025    صحف يابانية: غياب سعود عبدالحميد صدمة قوية للأخضر    الخليج يعاود تدريباته    المديرية العامة للسجون تشارك في معرض وزارة الداخلية للتعريف بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بمحافظة جدة    انتقادات حادة لنيمار بسبب قميص    الاستجابة الإنسانية    «مسام» يطهّر 217,657 متراً مربعاً من الأراضي اليمنية خلال مارس    يريدون سوريا قلبًا لهم    أمريكا وإيران: التهديدات والفرص معادلة مختلة    523 جولة رقابية لتجارة الباحة    حركة نشطة بأسواق الحلويات مع اقتراب العيد    «سلمان للإغاثة» يوزّع 594 سلة غذائية في مديرية الروضة بمحافظة شبوة    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته خلال فترة التوقف الدولي بغياب عدد من لاعبيه الدوليين    زراعة 2.4 مليون شجرة مانجروف بسواحل المملكة    %85 رضا السعوديين عن الرعاية الأولية    57 رخصة مياه شرب معبأة بالمناطق    قاعدة بيانات وعلاج مجاني لمرضى السكري والسمنة    آل الشيخ: إقامة صلاة عيد الفطر بعد شروق الشمس ب15 دقيقة    جامعة الملك سعود تستقطب طلبة الدراسات العليا المتميزين    «الخيمة الثقافية» تستقطب «20» ألف زائر في رمضان    رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدًا غربي النيجر    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    مبادرة "بسطة خير السعودية" بالشرقية تشهد ١٥ ألف زائر للأركان والفعاليات الترفيهية    رئيس الحكومة المغربية يصل إلى المدينة    رئيس وزراء باكستان يؤدي العمرة ويغادر جدة    رئيس الحكومة المغربية يصل المدينة المنورة    ذكرى البيعة.. تلاحم قيادة وشعب    دراما تشبهنا    كعب أخيل الأصالة والاستقلال الحضاري 2-2    عناق جميل بيعة ودعم وعيد    العيد في السعودية.. فرحة تتجدد وعادات تعكس القيم الإسلامية عالميًا    أكشاك مؤقتة لوجبات إفطار الصائمين    سمو ⁧‫ولي العهد‬⁩ يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصير شمة في مهرجان الموسيقى العربية التاسع : . رقة مضاعفة على أوتار عود منفرد وتناغم بين الفكرة والتقنية
نشر في الحياة يوم 08 - 11 - 2000

كلما رقت ريشة نصير شمة على أوتار العود تعمّق البناء الفكري للألحان التي يعزفها. هذا ما تأكد في الحفل الذي أحياه عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمة ضمن المهرجان التاسع للموسيقى العربية الذي تنظمه "دار الأوبرا المصرية". فثمة مراجعات نغمية لفكرة ليس من العسير تتبع مرجعياتها ولا محاورها أو ثيماتها يتولى شمة الذي يدير "بيت العود العربي" في دار الأوبرا المصرية منذ نحو عامين مزجها مع التقنية التي كانت العامل البارز الى فترة في مهارته العزفية. وهكذا تصبح الفكرة والتقنية متضامنتين لإيصال المقطوعة الى أقصى حدود التجلي والصفاء.
وهذا المؤشر التناغمي بين الفكرة والتقنية العزفية يصاحبه مؤشر مهم آخر، ألاّ وهو انسجام نصير شمة مع خبرة الموسيقى بوصفها تواصلاً مع المحيط وتواصلاً مرهفاً معه فهو على رغم نجاحاته "الفردية" اللافتة الاّ انه لم يكن مأسوراً بها حد النرجسية، فظل حريصاً على ان يقدم في حفلاته مجموعات موسيقية من عازفين يشاركهم متعة عزف الأعمال الموسيقية المكتوبة للآلة الفردية العود بعد ان يقوم بتوزيعها لآلات موسيقية عربية على الأغلب، فتنفتح الإشارات الفردية في العزف والتأليف على الروح الجمالية في الفكرة والعزف أيضاً.
في ظهور اطلالته الأخيرة عزف نصير شمة منفرداً أولاً ومن بين ما عزف: "ارتجالات على مقام النهاوند" وفيها لا نجد الشجن بوصفه مراجعة للذات فحسب بل نجده تعبيراً عن لحظة معاصرة تتعرض هنا في لحظة العزف وانبثاق النغم الى تنقية فتلغى من نسيجها الشوائب. وتظهر اللحظة مجروحة تارة وجريئة تارة أخرى وقادرة على ان تتجاوز صعاباً كثيرة لأنها تجعل من النفس متماثلة مع أصلها الطيب. هنا الموسيقى تأتي فعلاً طهرانياً مثلما هي حالة انفصال عن السائد في اليومي.
هذا المعنى يتحقق أيضاً في معنيين تضمنتهما القطعة: فالارتجال وبحسب نصير جاء مراناً على قدرة الروح في الابتكار وفي ان تكون حاضرة ومبدعة وعلى المحك دائماً، كما شكل رداً قوياً على المشككين في الارتجال والذين يروا فيه مرادفاً للارتداد عن "قوانين" الموسيقى و"علومها". و"مقام النهاوند" حمل في أنغامه التي قاربها نصير، معالم الأمكنة التي نهض فيها وحكى وغنى وحمل من الأسرار ما رافقت أرواحاً متعبة.
وقدم نصير شمة في "تنويعات على مقام البيات" مقاربة لألحان غنائية عربية عتيدة وقعت ضمن هذا المقام الأساسي، مؤكداً ان للعود قدرة عالية على التجسيد مثلما هي قدرته على التعبير، فلعب نصير بمهارة لحن أغنية "بعيد عنك" و"ست الحبايب". وتبدو هذه الاختيارات مطلوبة لشد الجمهور العادي الذي طالما ارتبط ذهنه بالغناء على حساب الموسيقى الآلية وصولاً الى "توريطه" في موجات من التعبير الآلي الذي لم يكن خبره سابقاً، كما هو الحال في الجمهور المصري الذي ورث تراثاً غنائياً ضخماً ما كان للموسيقى الآلية فيه ولا للآلات المنفردة ذلك الدور الواضح والمؤثر.
وحين اختار نصير مقطوعة "من الذاكرة" ليعزفها فكأنه عاد الى قديمه ليكشف النقاب عنه بخبرة مضاعفة هذه المرة. فالمقطوعة التي كتبها عام 1986 عاد اليها عبر يدٍ رقّت وتخضبت، فصارت كالحبر الذي يقاربه الحكيم فيشع في فكرة عميقة فيما هو الحبر ذاته يسوّد الأرواح والعقول عند من يقربه من الجهلة. المقطوعة عادت لتشع بصورة أكبر "فالذاكرة" تخضبت ونداء بغداد صار أكثر حزناً وألماً لما شهدته المدينة من جراح وآلام. وفي مقطوعته الجديدة التي عزفها للمرة الأولى "للقدس رب يحميها" تعبيرية اعتمدت على خلق ثنائية ما بين قوة الفعل المقاوم الذي تتطلبه المدينة وبين رقّة الفكرة التي تنتظم فيها القدس بوصفها نسيجاً روحياً ودينياً. فإلى جانب الضربات القوية بل الزاعقة الدالة على وحشية تكاد تأتي على المدينة نجد ضربات ناعمة ما تلبث أن تتدفق ولتتصاعد كخطوات حماسة عمّق تأثيرها نصير حين أنتجها بضرب أصابعه مباشرة على الأوتار.
ما بدا لافتاً في عرض نصير شمة، هو اكتفاؤه بأربع معزوفات لظهوره الانفرادي فيما زاد عليها حين خصص خمس مقطوعات لظهوره الجماعي مع "فرقة عيون". ونصير حرص في كل مرة يظهر فيها بصحبة فرقة موسيقية يدربها ويوزع موسيقاه بين آلاتها ان يكون عنصراً من عناصر نجاحها ودافعاً لمعطياتها الموسيقية من دون حساب لمؤشرات "نجومية" العازف المنفرد حتى وان كانت مستحقة كما هي الحال عنده ولا سيما ان سيرته تدعمت باعتباره عازفاً منفرداً على العود.
ومع "فرقة عيون" التي قضى في تأسيسها وتدريبها نحو أكثر من عام عزف نصير ووزع "سماعي عجم" الذي استوحاه من قصيدة "تعاليم حورية" للشاعر محمود درويش. واختيار هذه المقطوعة عكس بحسب مفهوم قائدها انها تنطلق من قاعدة راسخة بوصف السماعي "شكلاً هو الأهم في التأليف الموسيقي العربي الكلاسيكي مثلما تشير الى انفتاحها على مصادر الثقافة العربية المعاصرة طالما ان القصيدة هي لواحد من أهم شعراء الحداثة الشعرية العربية.
وعزفت الفرقة "ليالي الحلم" ابتداءً من حوار غريب لكنه لعمق الجملة الموسيقية بدا متناغماً فهو ما بين أكثر الآلات الوترية نعومة الكمان وأكثرها عمقاً وغلاظة التشيللو، ليتواصل لاحقاً بين مختلف الآلات التي راحت تصور "اشراقة" الحلم وعثرات الإنسان من أجل الوصول الى غده.
ومع مقطوعات "بكت لؤلؤاً" و"حالة وجد" و"تنويعات من التراث" قاد نصير شمة مجموعته: الغندور حسين غندور وسعيد كمال كمان وهاني حامد البدري ناي وعمرو مصطفى صادق رق وصابر عبدالستار محمود قانون ونهاد السيد عود وعبدالفتاح أحمد مصطفى كونترباص وعماد الدين عبدالمنعم عبدالرحمن تشيللو نحو صياغة موسيقية عربية لم تفقد عناصر اصالتها بقدر ما كانت مستعدة للانفتاح على تعبيرية محدثة وهو ما دفع التعبير الموسيقي لمقطوعات نصير وقيادته للفرقة نحو آفاق غالباً ما تبدو ضيقة في المشهد الموسيقي العربي اليوم، ولكننا حين نستذكر إزاء هذه التجربة، تجربة العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني شربل روحانا وبالذات في اسطوانة سلامات لوجدنا ان تعبيرية موسيقية عربية راقية ممكنة ازاء غثاثة تكاد تطبع نتاجنا الموسيقي العربي اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.