سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مقابلة خاصة مع الرئيس السوداني تناولت الاوضاع الداخلية والعلاقات العربية والدولية . البشير لپ"الوسط": القيادة الحاكمة في السودان ليست صنيعة جبهة الترابي
- لا معسكرات ارهاب او قوات ايرانية او صواريخ عراقية في اراضينا ولا استبعد دوراً اسرائيلياً لتسميم علاقاتنا مع مصر اعلن الرئيس السوداني الفريق عمر البشير، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، ان مجلس قيادة ثورة الانقاذ الذي يحكم السودان منذ 30 حزيران يونيو 1989 "ليس صنيعة" الجبهة القومية الاسلامية التي يتزعمها الدكتور حسن الترابي، كما يتردد في العالم العربي وفي عواصم غربية عدة. وأكد البشير انه ليس هناك في السودان "معسكرات ارهاب او قوات ايرانية او صواريخ عراقية". واعترف البشير، في هذه المقابلة المطولة والشاملة، بأن "حرباً نفسية" تشن ضد بلاده وبأن مساعيه لفتح صفحة جديدة "مع بعض الاخوان العرب" لم تسفر عن نتائج حتى الآن. واتهم البشير الاسرائيليين باختراق "بعض القطاعات الاعلامية المصرية" التي تحاول "تسميم العلاقات" بين القاهرة والخرطوم. وبدا الرئيس السوداني، في هذه المقابلة، في موقف دفاعي حريص على محاولة اعطاء صورة "مختلفة" عن بلاده عن تلك التي نجدها في الصحف ووسائل الاعلام العربية والغربية. وبدا متفائلا بامكان حدوث تقارب بين السودان والغرب، اذ قال ان الاسباب التي ادت الى توتر العلاقات مع الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية هي "الى زوال". وقد اجريت هذه المقابلة مع البشير في مكتبه في مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، وذلك بعد يوم واحد على تحرير مدينة فشلا، اكبر مدن اقليم اعالي النيل السوداني المتاخم للحدود مع اثيوبيا. وكانت فشلا سقطت عام 1985 تحت سيطرة العقيد جون قرنق زعيم "الجيش الشعبي لتحرير السودان" المتمرد على السلطة المركزية، ولم تتمكن الحكومات السودانية المختلفة من استعادتها. وقد ترددت انباء ان قوات ايرانية شاركت في تحرير فشلا، لكن البشير نفى ذلك في المقابلة مع "الوسط". ومن هذا المنطلق بدأنا حوارنا مع البشير حول الوضع في جنوب السودان: انطلاق الحملة العسكرية السودانية، عبر الاراضي الاثيوبية، باتجاه اقليم اعالي النيل لاسترداد مدينة فشلا من العقيد جون قرنق يحمل اكثر من دلالة. فالى اي حد اسهم تنامي العلاقات بين اثيوبيا والسودان في انجاح هذه الحملة؟ - اود تصحيح ما ذكرت، فأقول: ان الحملة العسكرية لم تنطلق من الاراضي الاثيوبية بل من الاراضي السودانية وبسرية تامة الامر الذي وفر لهذه الحملة عنصر المفاجأة وادى الى محاولة التقليل من اهميتها بالقول، من قبل مجموعة جون قرنق، انها تمت عبر الاراضي الاثيوبية. المقصود ان العلاقات المتنامية بين اديس ابابا والخرطوم امنت حماية ظهر القوات السودانية المتقدمة باتجاه اقليم اعالي النيل لاسترداد فشلا. اي ان القوات الاثيوبية لم تتقدم للانقضاض على القوات السودانية. وهذا لم يكن ممكناً قبل سقوط نظام منغستو هيلا مريم. - الاحاديث التي يروج لها جماعة قرنق في الخارج للنيل من كفاءة هذه الحملة تهدف الى ضرب العلاقات السودانية - الاثيوبية. نحن لن نسمح لانفسنا بأن نخترق الحدود الاثيوبية للانطلاق عبرها بهدف الانقضاض على قوات قرنق التي كانت تسيطر على فشلا قبل تحريرها. وعدم انقضاض الجيش الاثيوبي على خطوطنا الخلفية هو ثمرة العلاقة الطيبة بين البلدين. من حيث المردود السياسي لاسترداد فشلا، هل سيتأثر الموقف السوداني، الذي التزم بمحاورة "الجيش الشعبي لتحرير السودان" برعاية منظمة الوحدة الافريقية في العاصمة النيجيرية، أبوجا اذ ثمة ما يؤشر على ان مضي السودان قدماً في تطبيق الخيار العسكري قد يؤدي الى اسقاط فرص الحل السلمي مع حركة التمرد في الجنوب؟ - الخيار العسكري مفروض علينا. ومع هذا ما زلنا نعتقد ان الحل السلمي هو الحل الامثل والاقل كلفة. ومهما طالت الحرب فلا بد ان تنتهي بالحوار. وكلما كانت المفاوضات اقرب كلما تمكنا من حقن الدماء. ونجاح عملية استرداد فشلا يدفعنا الى المزيد من البذل لتأكيد توجهنا الى الحل السلمي. والمفاوضات التي قبلها السودان، وخاض جولة اولى منها في العاصمة النيجيرية ابوجا هي برعاية الرئيس ابراهيم بابانفيدا وليس منظمة الوحدة الافريقية، قصدت قبيل توليه رئاستها. حل سياسي للجنوب الا تعتقدون ان مواصلة تغليب الخيار العسكري سيؤدي الى تغيير موازين القوى، وبالتالي الى تغيير جذري في الشروط التفاوضية للطرفين، لا سيما بعد انشقاق "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، ما قد يغري الخرطوم بصرف النظر عن التزامها بمبدأ التفاوض مع قرنق؟ - بالنسبة الينا "أجندة السلام" لن تتغير. نعتقد ان المسألة سياسية اكثر منها عسكرية. ولذا نحن نبحث عن حل سياسي لها من خلال التفاوض. نحن نبحث عن حل دائم للمشكلة. واذا ضعف قرنق عسكرياً، كما تشيرين، واهتزت مصداقيته من جراء عملية الانشقاق، مع هذا ستبقى هناك جيوب. وستكون هذه الجيوب خميرة لحركة تمرد في المستقبل. لا ننكر ان للحركة وزنها على المستويين العسكري والسياسي. ويجب ان نجلس معها ونتفاوض لنصل الى حل شامل وهذا يفترض ان نحاور كل الاطراف الموجودة في الجنوب السوداني. الحرص على عدم ترك "جيوب" هل سيؤدي الى تكرار تجربة اتفاقية اديس ابابا حين اضطر الرئيس نميري الى استيعاب قوات حركة انيانيا - 1 في القوات المسلحة، فكان تعثر تطبيق عملية الاستيعاب احد اسباب حركة التمرد الحالي في الجنوب؟ - لا يوجد لدينا، في الوقت الحاضر، خطة لاستيعاب قوات قرنق والاطراف الاخرى في القوات المسلحة، نحن الآن في مرحلة الحل السياسي السلمي. نعم يجب ان يكون لدينا تصور لهذه الاشكالية حين تنتهي الحرب في الجنوب. الذين حملوا السلاح في الماضي، لا يمكن تركهم عندما يتم توقيع مواثيق السلام، فهم سيذهبون بسلاحهم وخبراتهم القتالية "ليفتحوا على حسابهم" ويشكلوا عصابات للنهب المسلح واشاعة الفوضى. كيفية معالجة هذا الامر يجب ان تخضع للتفاوض بين الطرفين. من ناحية مبدئية الذين كانوا في الجيش والتحقوا بقرنق يجب ان يعودوا الى الجيش. الموظفون يعودون الى وظائفهم. الحركة الآن تعتمد على الاطفال، هؤلاء الاطفال يعودون الى مدارسهم. في دارفور اسرت قواتنا مجموعات من الاطفال المقاتلين مع الحركة واكتشفنا انهم مرغمون على القتال، ووجدنا ان لا معنى لمحاكمتهم واعتقالهم. فجهزنا برامج اعادة تأهيل متكامل تمهيداً لادخالهم مجدداً في المدارس. استرداد مدينة فشلا، كمؤشر على تنامي العلاقة بين الخرطوم واثيوبيا، هل سيفرز مناخاً وفاقياً جديداً على مستوى جيرانكم الافارقة فتعمد دول افريقية ساندت قرنق الى اعادة النظر في مواقفها، وبالتالي الى عزل قرنق وحرمانه من حلفائه التقليديين؟ - يصور قرنق الامر وكأنه مقدمة لتغير سياسي كبير في الدول الافريقية المجاورة للسودان للتغطية على فشله العسكري. نحن لم نحاول فرض اي شيء على اصدقائنا في اثيوبيا. طلبنا من اثيوبيا ان تتوقف عن تقديم الدعم السياسي للمتمردين. مشكلتنا في الماضي مع اديس ابابا كانت بسبب دعم منغستو للمتمردين لأن السودان ساند نضال الاريتريين. علاقتنا مع كينيا شابها شيء من عدم الرضا، في الماضي القريب. وحسب معلوماتنا فان كينيا تمتنع الآن عن تقديم تسهيلات لمرور المساعدات المتوجهة الى المتمردين عبر اراضيها، وهي تحاول تحجيم المساعدة المعنوية السياسية. اوغندا الآن لا تقدم اي دعم او تعاون للمتمردين. واي متمرد يدخل الاراضي الاوغندية من جنوب السودان يجرد من سلاحه ويعتقل. علاقاتنا مع زائير ممتازة جداً وسلطاتها لا تسمح بمرور اي دعم للمتمردين. افريقيا الوسطى كذلك. آخر مجموعة متمردين ظهرت في دارفور ولجأت الى افريقيا الوسطى تم تجريدها من سلاحها، وابعدت الى معسكرات اللاجئين. كينيا وحدها كانت تنفرد بتقديم العون للمتمردين، والآن بدأت تغير موقفها. التأثر بايران حققت القوات المسلحة السودانية خطوة كبرى في استرداد مدينة فشلا. اي دور قامت به قوات الدفاع الشعبي في انجاح الحملة العسكرية الاخيرة؟ - لو تحدثت فقط عن دور الدفاع الشعبي لكنت في موقع اعطاء تفاصيل عن العملية. ونحن لم نقوّم هذه العملية، حتى الآن، لاستخلاص الدروس منها. من ناحية الاداء كان الاداء القتالي لقوات الدفاع الشعبي ممتازاً. الدفاع الشعبي، حين تهدأ المعارك في منطقة ما، يتولى حفظ الامن نيابة عن القوات المسلحة النظامية. الجيش السوداني، مقارنة مع الطبيعة الجغرافية القارية للسودان، محدود. الدفاع الشعبي يكمل دور الجيش. وفي فترة عمل الاحزاب كان بعض السياسيين يلومون الجيش السوداني لاستمراره في العمليات العسكرية، ما ادى الى انخفاض المعنويات في القوات المسلحة. اما اليوم فان مشاركة كوادر الدفاع الشعبي، من طلاب وموظفين وعمال، في العمليات العسكرية كان لها عظيم الاثر وادى الى شعور المقاتل بان الشعب السوداني مع القوات المسلحة. لقد شاركت قوات الدفاع الشعبي في عمليات كبيرة جداً جداً، في شمال اقليم بحر الغزال، في دارفور وكردفان. وهي مرابطة الآن في جوبا وملكال، وشاركت في عمليات تتطلب مستوى عالياً من الانضباط والسرية. اخترنا مجموعات معينة واخضعناها لتدريب مكثف والحقناها بالجيش النظامي، فاثبتت نجاحاً كبيراً على مستوى رفع الروح المعنوية وبث الوعي وسط الجنود. فمعظم قوات الدفاع الشعبي من خريجي الجامعات. في المناطق التي ليس فيها عمليات عسكرية تتولى عناصر الدفاع الشعبي مهمة توعية القوات وتثقيفها. وقد اقيمت معسكرات لتأهيل قوات الدفاع الشعبي، ما ادى الى خلق روح الانضباط والتفاني في مرافق الخدمة المدنية، وهما دعامة الدولة وازدهارها. الى اي درجة تأثرتم بنموذج "الباسدران" والحرس الثوري الايراني وبتجربة ايران على هذا المستوى، في تشكيل قوات الدفاع الشعبي على مستوى الفكرة والتنفيذ، لا سيما نموذج كتائب الاستشهاد؟ - لم يكن في ذهننا، على الاطلاق، هذا النموذج الايراني الذي اشرت اليه. قبل تسلمي موقعي هذا في مجلس قيادة ثورة الانقاذ، كنت اتولى مهام قيادة منطقة غرب النوير في بانيتو، وهي منطقة متاخمة لكردفان واعالي النيل، تكثر فيها مجموعات قبائل البدو الرحل. القبائل المقيمة في تلك المنطقة منذ القدم اضطرت الى حمل السلاح على طريقتها الخاصة كي تحمي مصالحها. كانت القبائل تشتري السلاح من السوق السوداء وتكون ميليشيات لتحميها. وقد تأثرت بالدور الذي قامت به هذه الميليشيات لحماية القبائل. في منطقة بانتيو كانت معي قوات انيانيا - 2، وقد اشتركت معي في عمليات عسكرية. ومن واقع تجربتي مع قوات انيانيا - 2 وانطلاقاً من اعجابي بفكرة تشكيل ميليشيات لحماية القبائل من غارات النهب المسلح التي يشنها البدو الرحل، شعرت، لدى تسلمي مسؤولياتي الحالية، بضرورة الاستعانة بتجربة هذه المجموعات لسد الثغرات الناتجة عن محدودية قواتنا المسلحة، كما سبق وقلت. وبدأت افكر في صيغة تمكننا من الاستفادة من هؤلاء الناس. ان نعيد تنظيمهم ونضبط انشطتهم ونجعلها خاضعة للقوات المسلحة. واعتقدت اننا لو نجحنا في تشكيل هذه القوات يمكننا تغطية النقص في القوات المسلحة لانها محدودة العدد. على ان يعهد الى هذه القوات بمهام حفظ الامن في مناطق تجول العرب الرحل والمناطق الزراعية. كان عندنا تجربة "قوات السلام"، وهي من ابناء اقليم بحر الغزال، قامت قبائل الاقليم بتدريبها وتسليحها لحماية مناطقها من غارات النهب المسلح. هذه التجارب كان يقوم بها قادة المناطق، كل حسب ظروف منطقته، ولم تكن مقننة ومنظمة على مستوى الدولة والقوات المسلحة، ولم تكن هذه القوات مسخرة تسخيراً كاملاً. لقد اخذنا هذه التجربة المحلية واستلهمناها كي نؤسس "قوات الدفاع الشعبي" ونقننها. هناك دول كثيرة عندها قوات شبه عسكرية. ونحن استفدنا من تجارب بدائية وبسيطة متوفرة في بلادنا فأعدنا تنظيمها ووضعنا لها ضوابط واصولاً. لاحظت ان النظام السوداني يولي اهمية قصوى ل "قوات الدفاع الشعبي". وهل تعكس هذه العناية رغبة بانشاء قوات مقاتلة عقائدية، في اطار التوجهات الاسلامية للنظام، تحمي النظام السوداني من مخاطر مفاجئة قد تقوم بها قطاعات في القوات المسلحة؟ - تأهيل "قوات الدفاع الشعبي"، اقل بكثير من تأهيل القوات المسلحة، اقصى فترة تدريب تخضع لها "قوات الدفاع الشعبي" تبلغ ثلاثة اشهر، وفي اكثر الاحيان ستة اسابيع، ويتكامل تجهيز هذه القوات واداؤها مع تجهيز واداء القوات المسلحة. ان العمل في "قوات الدفاع الشعبي" هو تطوعي، ولا يفرض على مجند في الدفاع الشعبي الحضور الى معسكرات التدريب او الذهاب الى مسرح العمليات العسكرية، اي انهم ليسوا في حالة استعداد دائم. وليس هناك خطة منظمة لاستيعابها حتى نعتمد عليها حين نرغب في تكليفها بمهمة ما. فنستفيد منها كقوة نظامية. كل ما في الامر ان هذه القوات كانت في السابق موجودة في شكل عشوائي وبدائي خارج سيطرة الدولة. وما قمنا به هو تقنين هذه التجربة وضبطها واخضاعها لهيمنة القوات المسلحة النظامية. ما الدور الذي لعبته المساندة اللوجستية الايرانية في نجاح عملية استرداد مدينة فشلا، في ضوء ما يتردد عن المساعدات العسكرية التي تقدمها طهران الى الخرطوم؟ - غالبية معداتنا روسية، من دبابات ومدرعات. ولم يفلح الرئيس نميري في "أمركة" هذه المعدات. المدرعات والدبابات الاميركية القليلة لا تتوفر لها قطع الغيار اللازمة في ايران، ولذلك فإن هذه الآليات خارج المعركة. غالبية آلياتنا المانية او يابانية. اشترينا بعض السيارات العسكرية من ايران عن طريق اتفاقيات نظمها البنك المركزي وحدد طريقة الدفع والتسليم وفق اجراءات محددة. عملية استرداد فشلا سودانية مئة في المئة لجهة الجهد والامكانات. القوات السودانية التي تقدمت الى فشلا كانت قوات تسلل من دون آليات. اما الدعم الآلي فتمثل في تدخل ضئيل لسلاح الجو بعد دخول القوات المتسللة الى المدينة. لم تكن هناك طلقة واحدة ايرانية، ولم تكن هناك مشاركة عسكرية ايرانية. تنامي علاقات السودان مع اثيوبيا واريتريا ودول القرن الافريقي هل هو محصلة لعزلة السودان العربية؟ - منطقة القرن الافريقي تكاد تكون منطقة متكاملة، الروابط بين دولها قديمة وموصولة منذ القدم. نرتبط مع دول القرن ارتباطا تاريخيا. الخلافات العرقية والقبلية في القرن الافريقي لم تكن لتنفجر وتتطور لو لم يتوفر لها الدعم من دول القرن ومن الخارج. فحركة التمرد في جنوب السودان حظيت بمساندة كاملة من نظام منغستو، وعبر اثيوبيا، وصلت المساعدات الخارجية الى حركة التمرد. وحين سقط نظام منغستو اكتشفنا، واكتشف معنا الاخوة في أديس ابابا، ان ما يسمى ب "الحركة الشعبية لتحرير السودان" كانت شعبة خارجية من المخابرات الاثيوبية. مع هذا، وللدلالة على اصالة الروابط الشعبية بين السودان واثيوبيا اقول ان قواتنا المسلحة، في فترة الاستنفار القصوى على الحدود بين البلدين ايام منغستو، كانت تقيم مباريات كرة القدم مع القوات المسلحة الاثيوبية. وحتى لو عادت علاقات السودان العربية الى ما كانت عليه وحققت ازدهاراً "كبيرا" فإننا لن نتخلى عن علاقاتنا بمحيطنا الاقليمي الذي نشكل معه وحدة جغرافية متكاملة. قمة دول القرن الافريقي دعيت الى عقد قمة عاجلة لدول القرن الافرىقي، خلال زيارتك الاخيرة لاريتريا، ماذا ستبحث هذه القمة، وهل ستدعى دول البحر الاحمر الى حضورها، في اطار المسؤوليات الامنية المشتركة بينها؟ - الهدف من القمة تنظيم العمليات الانسانية مثل الاغاثة ومساعدة اللاجئين، وحركة النزوح والكوارث الطبيعية من جراء الحروب. والنزاعات الداخلية انتجت ملايين النازحين المعرضين للامراض والمجاعة. ستهتم هذه القمة بإقامة ممرات آمنة تساعد على ايصال الاغاثة الى الناس العزل في مناطق النزاعات الدامية. الشعب الصومالي كله، تقريبا، اصبح لاجئا. في السودان مئات الآلاف من اللاجئين الاثيوبيين والاريتريين. هناك عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين في اريتريا الى جانب لاجئين من جيبوتي. هذه مسائل انسانية ملحة يجب معالجتها. الى جانب تنظيم الاتصال بمنظمات الاغاثة وجعلها تحت رعاية الدول في القرن تحاشيا للفوضى، ومنعا لتسييس انشطة هذه المنظمات. كل هذه المسائل ستعالجها القمة العتيدة بعد زوال الخلافات السياسية في المنطقة، ووضع اسس لنزع فتيل التفجر من النزاعات الدامية، وابعادها عن التدخلات الخارجية. هل لديكم قرائن على وجود دعم خارجي لتأجيج بؤر النزاعات العرقية والقبلية في القرن الافريقي؟ - الدعم الخارجي يصل الى بؤر التوتر عبر واحدة من دول القرن. فالدعم الخارجي يرتكز الى تحالفات اقليمية. عندما نتحدث عن كينيا ودورها في جنوب السودان، نقول ان كينيا لا تقدم الدعم للمتمردين من جهدها الذاتي، انما تسمح بمرور الدعم الخارجي، كالاسلحة والذخائر لحركة التمرد في جنوب السودان، وهذا هو مصدر الدعم الاول، حاليا، لحركة التمرد. اما بالنسبة الى دول البحر الاحمر، وقضية مشاركتها في هذه القمة، فأقول ان القمة المقررة للقرن الافريقي لن تناقش قضايا سياسية وستركز على معالجة المسائل الانسانية وموضوع الاغاثة في القرن الافريقي. لا معسكرات للارهاب يقال ان هناك تحركات معينة في البحر الاحمر ذات طبيعة عسكرية قد تمنح دولا من غير المنطقة، كايران على سبيل المثال، تسهيلات كبرى في البحر الاحمر والقرن الافريقي، ما ردكم على ذلك؟ - أريد ان اوضح حقيقة ما حدث في بورتسودان، واطلق العنان لمخيلة بعضهم، لم تشهد مدينة بورتسودان مناورات مشتركة سودانية - ايرانية، بل مجرد عرض عسكري في مناسبة العيد السنوي للقوات البحرية السودانية في الاسبوع الاول من كانون الثاني يناير الماضي. وجرت العادة، كتقليد معروف في كل الدول، ان توجه الدعوة الى القوات البحرية في الدول الصديقة للمشاركة في هذا العيد. وقد وجه السودان الدعوة الى كل الدول المطلة على البحر الاحمر. فاعتذرت مصر عن عدم المشاركة لانشغالها، كما جاء في سياق الاعتذار، في حادثة الباخرة سالم اكسبرس. واعتذر الاردن، لأن الدعوة وصلته متأخرة. ووجهت الدعوة الى ليبيا كونها دولة صديقة وشقيقة فارسلت وفدا من دون قطع بحرية. ووجهت الدعوة الى اليمن للمشاركة فقبلها واوفد قائد القوات البحرية لكن سوء الاحوال الجوية حال دون وصول القوارب اليمنية. ووجهت الدعوة الى الاريتريين فقبلوها واحضروا قوارب صغيرة شاركت في الاحتفال. ووجهت الدعوة الى العراق فقبلها واوفد من يمثله. أما الايرانيون فلم يشاركوا، لا بوفد ولا بقوارب. القوارب غير السودانية التي شاركت في العرض اقتصرت على قوارب الاريتريين. وهذا هو عيد وطني وتقليد معروف لدى كل بحريات العالم. قواتنا البحرية شاركت سابقا القوات البحرية الاثيوبية في مثل هذه المناسبات، ايام هيلاسيلاسي ومنغستو. والعيد هو عبارة عن عمليات ومناورات واستعراض تشمل مباريات وانشطة رياضية، وهذا تقليد معروف يسمى "الدور الديبلوماسي للقوات البحرية"، وليس وراءه اي هدف عسكري. وهذه المناسبة ليست الوحيدة، فهناك مناسبات اخرى ثار لغط كثير حولها. نقرأ في الصحف الصادرة في الخارج ان هناك 18 ألف ايراني يقاتلون مع القوات المسلحة السودانية، يمكنك ان تذهبي الى مناطق العمليات للتأكد من عدم صحة هذه الدعايات. الايرانيون الموجودون في السودان لا يتعدون طاقم السفارة، وهم بأطفالهم ونسائهم لا يتجاوزون الثمانين شخصا. ليس عندنا معسكرات لحزب الله. ولم يحدث ان طلبت منا ايران انشاء معسكرات لحزب الله. لماذا لا يطلب منا التأكد من هذه المعلومات قبل كتابتها ونشرها؟ القوات الفلسطينية المقيمة عندنا هي قوات شقيقة وموجودة في السودان بناء على قرار واضح من جامعة الدول العربية، اسوة بالقوات الفلسطينية التي رحلت من لبنان الى اليمن وتونس والجزائر والعراق. ان ما يقال ويشاع عن ترحيل ميليشيات حزب الله اللبناني الى السودان افتراء. نحن اكثر بلد آمن ومسالم في المنطقة العربية والعالم. الذين يتهموننا بأننا نحضن معسكرات الارهاب نقول لهم ان الارهاب موجود عندهم. كل يوم نرى صور التفجيرات، على شاشة التلفزيون، في السكك الحديد وغيرها. وعلى رغم ذلك يرتفع صوتهم علينا. في تاريخ السودان كله وقعت ثلاثة حوادث عنف... وهم عندهم في الاسبوع الواحد ثلاثة حوادث. وعلى رغم ذلك نحن ارهابيون وهم ليسوا كذلك. حوادث العنف الثلاثة التي شهدها السودان لم يشارك فيها سوداني واحد. نحن الآن متهمون بممارسة الارهاب، على من نمارس ارهابنا اذا كان اركان المعارضة موجودين معنا، امثال الصادق المهدي ومحمد ابراهيم نقد، وكل صباح يدلون بتصريحات سياسية قاسية ضد الاجراءات التي يقوم بها النظام؟. يتعرض السودان لحملة اعلامية ولحرب نفسية. فقد نشرت الصحف ان الصواريخ العراقية موجودة في السودان. لو كان عندنا صواريخ واسلحة تدمير عراقية لكان شملها قرار مجلس الامن، ولكنا طولبنا بالكشف عنها لتدميرها كما حدث في العراق. علاقتنا مع العراق، قبل احتلال الكويت كانت اضعف حلقة في علاقات الدول العربية بالعراق. فالعراق كان يساند نشاط المعارضة البعثية السودانية وقيادة هذه المعارضة موجودة حالياً في بغداد مع هذا نقول ان اساس موقفنا في حرب الخليج الثانية لم يكن مساندة العراق في احتلاله للكويت. ومع هذا حدث ما حدث. ونحن لا نرفض بذل اي جهد لدعم الوفاق العربي. القضية المركزية، قضية فلسطين، لم تعالج وهذا يحرضنا على توخي الوفاق والسعي الى فتح صفحة جديدة مع اخواننا العرب. وساطة مع العراق أشرتم في خطابكم الافتتاحي لاعمال المجلس الوطني المعين في الرابع والعشرين من شباط فبراير الى رغبة السودان في فتح صفحة جديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية اخرى ما الصدى الذي لقيته الرغبة السودانية؟ - لم يصلنا أي ردّ لغاية الآن. - تردد ان السودان يقوم بوساطة مع العراق لاطلاق سراح الاسرى الكويتيين فهل هذا المسعى هو محاولة لاثبات حسن نوايا السودان الامر الذي يساعد على تهيئة الجو لتجاوز مرحلة القطيعة مع دول مجلس التعاون الخليجي؟ - تحرك السودان وقام بالتوسط لدى القيادة العراقية للافراج عن الكويتيين، ومبعث تحركنا تعاطفنا مع اسر كويتية صديقة اتصلت تطلب مساعدتنا لاطلاق سراح اسراها لدى العراق. ولما اتصلنا باخواننا في العراق قالوا لنا ان الكويتيين يريدون اطلاق سراح اناس معينين وتعهدوا لنا انهم يقبلون اطلاق سراح كل الاسرى الكويتيين. وعلمت ان العراق قام باطلاق مجموعة من الاسرى عند الحدود المشتركة مع الكويت. غير ان السلطات الكويتية رفضت استلام الاسرى العائدين واعادت ترحيلهم من جديد وفي مناسة الحديث عن العلاقات العربية - السودانية يتردد دائماً ان السودان يعاني من عزلة عربية. لقد قدم السودان كشف حساب في الكلمة التي القيتها لدى افتتاح المجلس الوطني، بعلاقاته العربية، وتبين ان السودان يقيم علاقات طيبة مع اكثر الدول العربية، وان التوتر يعتري علاقاتنا مع بعض الدول. فالعزلة السودانية ليست محكمة والكلام عن عزلتنا غير دقيق. وبالمناسبة يقيم السودان علاقات عادية وطيبة مع دول عربية شاركت في القوات المتحالفة مثل سورية والمغرب وسلطنة عمان. نجاح المسعى السوداني لدى العراق هل سيخلق اجواء ملائمة لتطبيع علاقاتكم مع الدول التي ذكرتها في "كشف الحساب" امام المجلس الوطني؟ - المسعى السوداني تم بناء على طلب عدد من الاسر الكويتية، ونجاحنا يرتبط بموقف الحكومة الرسمي، وهي في الاساس لم تتصل بنا. ولا اعرف اذا كانت مهتمة. العلاقات مع مصر والغرب حين توجه اليكم اسئلة عن العلاقات السودانية - المصرية تقتصر الاجابة على عموميات، فيقال، على سبيل المثال، انها حققت نمواً "ملحوظاً" لدى زيارة نائبكم اللواء الزبير الى القاهرة. كيف تصفون هذه العلاقات؟ - زيارة اللواء الزبير الى القاهرة وضعت كل الملفات المعنية بالعلاقات المشتركة على طاولة البحث والنقاش، وهذه خطوة ايجابية مهمة. العلاقة مع مصر ليست سيئة كما يحلو للبعض تصويرها. فالعلاقات الثقافية والاجتماعية نشطة وقائمة. في ضوء المحادثات التي اجراها اللواء الزبير في القاهرة، ما الاسباب التي تحول دون تطوير العلاقات بصورة افضل، وما الامور التي تدفع القاهرة الى الحذر في تعاطيها مع السودان بقيادة ثورة الانقاذ؟ - قطاعات معينة في الاعلام المصري تسمم الاجواء بين البلدين عبر ترويجها لمعلومات وتقارير خاطئة. ولا يمكن استبعاد احتمال اختراق اسرائيل لهذه القطاعات الاعلامية. هناك حملة نفسية تشن حرباً "شرسة" تهدف الى تمزيق الثقة بين مصر والسودان. هل تعتقدون ان تطبيع العلاقات السودانية - العربية سيساعد الخرطوم على فتح صفحة جديدة مع الولاياتالمتحدة والمجموعة الاوروبية التي شاركت في القوات المتحالفة؟ - العلاقة مع العالم العربي شيء، ومع الولاياتالمتحدة واوروبا شيء آخر. لا اعتقد ان هناك علاقة بين هذا الامر وذاك. كيف تصفون علاقات السودان بالولاياتالمتحدة واوروبا الغربية؟ - بدأت العلاقات الاميركية - السودانية تتوتر منذ قيام ثورة الانقاذ في حزيران يونيو 1989. قالوا اننا قمنا بانقلاب على حكومة منتخبة ديموقراطياً. ثم جاءت ازمة الخليج فوقف السودان موقفه المعروف ما ادى الى زيادة التوتر بيننا وبين واشنطن. الاسباب التي ادت الى الجفاء مع الولاياتالمتحدة والمجموعة الاوروبية هي الى زوال. مجلس قيادة ثورة الانقاذ تخلى عن سلطاته ليضعها في عهدة المجلس الوطني المعين، وهو بدوره يعد لانتخابات نيابية نزيهة في مطلع ايار مايو المقبل. العواصم الغربية بدأت تكتشف ان توجهنا اسلامي بعيد عن كل ما له علاقة بالعنف والارهاب. لسنا صنيعة الترابي في مناسبة الحديث عن التوجهات الاسلامية للنظام السوداني يلاحظ ان الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر فشلت في استقطاب القوات المسلحة، الامر الذي حال دون تطبيق المشروع الاسلامي الذي تحمله الجبهة، في حين نجحت الجبهة القومية الاسلامية في السودان بزعامة حسن الترابي في استمالة قطاعات من الجيش السوداني لتطبيق المشروع الاسلامي. ما المعطيات التي تحكم طبيعة العلاقة بين مجلس قيادة ثورة الانقاذ والجبهة القومية الاسلامية في السودان التي يتزعمها الترابي؟ - هذا سؤال ذكي جداً. نحن في مجلس قيادة ثورة الانقاذ لسنا صنيعة الجبهة القومية الاسلامية. التوجه الاسلامي في القوات المسلحة السودانية اصيل وقديم وغير مقنن في أطر سياسية نحن مجموعة الضباط الاسلاميين، منذ ثورة مايو عام 1969، استفزنا نشاط الشيوعيين في الجيش السوداني. قبل مايو ايار شارك الشيوعيون في الحكم. ومع نميري كانت لهم حصة الاسد. ثم حاولوا الانقلاب عليه ففشلوا. وفشلهم ليس عائداً الى ان فئة معينة تصدت لهم بقدر ما هو دليل عفوي على عدم اقتناع الغالبية بمشروعهم وافكارهم المستوردة الغريبة عن طبيعة السودانيين الورعة في مجتمع بسيط غير معقد. في العام 1969 سيطر الشيوعيون على البلد. وفي العام 1971 سيطروا مرة اخرى لثلاثة ايام وكادوا يثبتون قبضتهم لولا ان فشلت مساعيهم. لقد بدأنا نحن نسأل انفسنا: لماذا نترك لحملة الافكار والعقائد مهام قيادة البلاد؟ وما الذي يمنعنا من القيام بتحرك لتسلم زمام السلطة في بلد كالسودان لا يعرف غير الاسلام كدين ونمط حياة يضبط وقع حياة الناس وينظمها؟ منذ ايام نميري بدأنا حركتنا بصمت وسرية. من تقصدون بنحن؟ - نحن الضباط المسلمون. كنا نتصل بأحدهم لنكتشف انه هو الآخر منتظم في خلية ومعه مجموعة اخرى. وهكذا اخترقنا كل القوات المسلحة. نحن الذين فرضنا على القوات المسلحة ضرورة التدخل في العام 1985 لانقاذ البلاد. علمنا ان الشيوعيين والبعثيين يخططون للانقلاب على نميري، فتحركنا لاحباط محاولاتهم وفرضنا على القيادة العامة التدخل. وآثرنا ان لا نكون في الصورة، بل نعهد بالمهمة الى الفريق سوار الذهب وحلنا دون انتقال السلطة الى النقابات والقوى الحديثة وذوي الافكار المستوردة. وصيغ دستور الفترة الانتقالية بعد نجاح انتفاضة رجب ابريل - نيسان 1985. وقررنا ضرورة اجراء انتخابات نيابية بعد فترة سنة. واكدنا انه لا يجوز ان تستمر الفترة الانتقالية اكثر من عام واحد. واعتقدنا ان الاحزاب، بعد خمس عشرة سنة تحت حكم نميري، قد نضجت ونظمت صفوفها في ضوء توجهات الشعب السوداني وخصوصيتة. وكنا قد غفرنا لهذه الاحزاب فشلها في القيام بواجباتها في التجارب السابقة. وتمت الانتخابات وسلم الجيش السلطة الى حكومة منتخبة، بيد ان الاحزاب السودانية اثبت فشلها مرة اخرى وعدم قدرتها على الارتفاع الى مستوى المسؤولية الوطنية، الامر الذي فرض علينا ان نتدخل، فتدخلنا وقررنا ان "نكشهم وكشيناهم".