نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة    ألمانيا: رسوم الجمارك تهدد اقتصادنا    رحلة التسجيل العيني للعقار بأمانة الشرقية لتعزيز الموثوقية والشفافية وتنمية الثروة العقارية    أمير الشرقية يرعى حفل تكريم داعمي مجلس الجمعيات الأهلية بالمنطقة الشرقية    «الزكاة» تدعو المنشآت لتقديم نماذج استقطاع الضريبة لشهر يناير    مستوى قياسي جديد.. 25% ارتفاع الطلب العالمي على الذهب    خطط أمريكية لسحب القوات من سورية    عبدالعزيز بن سعود يستقبل سفير جمهورية إيطاليا لدى المملكة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بوروندي بذكرى يوم الوحدة لبلاده    محافظ الأحساء يشهد ملتقى "المدن المبدعة" في اليونسكو العالمية    بعد تحرير الرميلة.. الجيش السوداني يزحف نحو قلب الخرطوم    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    البديوي يؤكد أهمية تفعيل التعاون الأمني بين الجانب الخليجي - الأوروبي    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    القبض على 4 أشخاص بمنطقة الباحة لترويجهم مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    طالبتان من الطائف يحصلن على المستوى الذهبي وطالبتان تفوزان في مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال    "هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024م بأكثر من 1500 مسلم جديد    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    لا للتهجير.. اجتماع فلسطيني - مصري في القاهرة اليوم    رابطة العالم الإسلامي تثمِّن عاليًا تأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ من قيام دولة فلسطين وعاصمتها "القدس الشرقية"    رياح وأمطار متفرقة وتوقعات بتساقط ثلوج على مرتفعات تبوك    «موسم الرياض» يرعى حفل الزواج الجماعي «ليلة العمر» ل 300 عريس    مقترح بتحويل «بني حرام» إلى وجهة سياحية وربطها ب «المساجد السبعة» بالمدينة المنورة    الكويت: صدور مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل "الداخلية" و"الدفاع"    طلاب وطالبات جامعة الملك سعود يُتوجون بالبطولة التنشيطية للبادل    الدوسري لجيسوس: «ليش طلعتني؟»    الرياض تحتضن «بطولة المملكة المفتوحة» للكيك بوكسينغ.. غداً    ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطوير التعاون    أسترالي يصطحب صندوق قمامة في نزهة    انتحار طبيب هرباً من نفقة أطفاله    ضم هيئة التأمين لعضوية اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال.. مجلس الوزراء: نقل اختصاص تراخيص 4 مهن لهيئة المراجعين والمحاسبين    "رماح النصر2025".. جاهزية قتالية لبيئة حرب إلكترونية    طرح تذاكر كلاسيكو الأهلي والنصر    في ختام الجولة 20 من" يلو".. الباطن يواجه النجمة.. والجندل في ضيافة العربي    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    الاقتصاد السعودي.. أداء قوي واستدامة مالية    السماح للشركات الأجنبية الخاصة ب«الطلب» بنقل الركاب    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    بيئة حيوية    10 % من مشاهير التواصل مصابون بالانفصام    مترو الرياض.. وإعادة تشكيل الهوية    فهد بن نافل: صافرات الاستهجان لا تمثل جماهيرنا ولا تمثل الهلال ولا تخدم النادي    نورة الجربوع: العمل الفني ترجمة للمشاعر في مساحات اللون    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    علاج السرطان بتقنية cytokinogenetic therapy    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    تطبيع البشر    بئر بروطة    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    نائب أمير تبوك يتسلم تقرير أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة فرد أم حالات أعرض ؟ . اليسار السوري والثورة
نشر في الحياة يوم 23 - 08 - 2012

في صيف 1976 حطت مروحية تقل اللواء محمد الخولي على سطح قصره الكائن في قرية الحصنان التابعة لناحية بيت ياشوط في ريف جبلة، وقد نثر ريح مراوحها، ومزق، أوراق التبغ التي نشرها فلاحون مجاورون للقصر كي تجف، وهي اوراق تبغ مشبكة على خيطان، في ما يعرف بالمشابح. وفلاحو قرية الحصنان معروفون بزراعة أجود أنواع التبغ من نوع يسمى ب"شك البنت"، يبيعونه لمؤسسة التبغ الريجي ويعتمدون عليه كمصدر رئيس للدخل.
لم يكترث اللواء لشكوى جيرانه القدامى، ولم يقبل بالتعويض عنهم عما لحق بهم من ضرر بسبب نزوله الميمون في القرية، فنزلوا الى سرايا جبلة ورفعوا دعوى رسمية عليه من دون طائل.
أثارت الواقعة في ذهني اسئلة عن العلاقات الاجتماعية والطبقية التي تحكم المجتمعات ومدى ارتباط القول بالممارسة في مواقف الافراد والأنظمة. فمحمد الخولي، الذي رفض تلبية مطالب الفلاحين بدفع تعويض عن الضرر الذي ألحقه بهم، هو ابن فلاح فقير من أبناء القرية تعلّم في ثانوية جبلة بفضل والده الذي كان يمر على القرى طلباً لمساعدتهم في تأمين كلفة دراسته، وقد انتسب الى حزب البعث العربي الاشتراكي من موقعه كفقير يحلم بالتغيير في سورية لمصلحة الفقراء. لقد نسي وضعه كابن فلاح فقير، ونسي المبادئ التي آمن بها، والحزب الذي انتمى اليه والذي يتبنى مصالح الفقراء من خلال"ثالوثه المقدس":"وحدة، حرية، اشتراكية".
تجسد حالة اللواء الخولي في السلطة خاصاً من عام ليس في سورية فحسب بل في معظم الدول التي وصل فيها اليسار الى السلطة وتنكّر أبناؤه لماضيهم بعدما جمعوا المجد من طرفيه: السلطة والثروة.
لقد حرك اليسار آمال قوى اجتماعية محرومة، ودغدغ عواطف أقليات، سواء كانت قومية او عرقية او طائفية، تعرضت لاضطهاد من جانب أكثريات دولها، بوعوده عن العدالة والمساواة والتقدم العلمي والتقني، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واعتمد عليها في مسيرته قبل استلام السلطة وبعده.
لقد احتضنت قوى اجتماعية سورية اليسار بشقيه القومي والشيوعي منذ نشأته في بلدها، وتبنت فكره وبرامجه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد ساهمت في ذلك عوامل عدة نذكر أهمها:
1- معاناة الفقراء في المدن والأرياف من ممارسات الأغنياء واستغلالهم الفج، واستخدامهم السلطة للسيطرة على الحراك الاجتماعي. نشير هنا الى عامل خاص بالطائفة العلوية في تبنيها لليسار: تعاليم إمامها المنحازة الى الفقراء والمظلومين في شكل عام.
2- وعود عقائد اليسار بإقامة مجتمع حديث بعيداً من عادات وتقاليد موروثة تجاوزها العصر، ولم تعد مقنعة لكل من تلقى ولو القليل من العلم، وعرف ظروف الحياة الحديثة.
3- التطورات الدولية وقيام النظم الشيوعية وبروز الديموقراطية الاجتماعية كدليل على صدق دعوة اليسار في اقامة مجتمع العدل والمساواة، وتحديث القيم الاجتماعية، وكملهم للشعوب والجماعات المضطهَدة في بقية دول العالم.
تغيرت أحوال اليسار، بعد أن أصبح في السلطة وتحول الى أنظمة انفصلت عن عقائدها الأولى، وتحولت الى بيروقراطية وشمولية قامعة هدفها الاحتفاظ بالسلطة، وتحولت كوادره الى عصا غليظة، عقائدية وسياسية واجتماعية وتنظيمية أحزاب، نقابات، اتحادات... إلخ.، لتكريس الأمر الواقع، وقمع التعبيرات المعارضة. هكذا غدا عبئاً على الشعوب، وقيداً على التغيير الاجتماعي والسياسي.
زاد في سواد اللوحة موقف اليسار التقليدي المتمترس حول فهمه القديم للإمبريالية، وللتطور الاجتماعي، وتمسكه بالديموقراطية الاجتماعية رافعةً للحياة الوطنية، ورفضه قرنها بالديموقراطية السياسية باعتبارها وسيلة لتقييد السلطة واستحضار حقوق المجتمع ومصالحه في برامجها وخياراتها السياسية والاقتصادية.
لقد عكست قراءة اليسار السوري وبخاصة رفاقي القدامى وأبناء جلدتي كوادر حزب العمل الشيوعي، للثورة ومفاعيلها ووعودها الديموقراطية، وسلبيته اتجاهها، وتمسكه بخياراته التقليدية، انفصاله عن الواقع، ونمطيته التي قادته الى عدم إدراك معنى التظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة وإطلاقها حراكاً ثورياً هدفه التغيير الذي سعى اليه طويلاً من دون ان ينجح في تحقيقه، ورفضه المشاركة فيها متذرعاً بخروجها من المساجد.
كان من المفروض ان يلعب اليسار السوري دوراً ايجابياً في إنهاء محنة الشعب السوري. فإذا به، معظمه، يزيد من محنته بتبني موقف مناهض للثورة لقناعته بأن التظاهرات التي تخرج من المساجد لا تصنع ثورة ويجب عدم المشاركة فيها، واعتباره النظام الحالي، على علاته، أفضل من نظام جديد يأتي بفعل هذه التظاهرات. فاليسار الذي يفترض به ان يكون في مقدم الداعمين للثورة على الاستغلال، والوقوف مع التغيير والتطور الاجتماعي، يقف ضد ثورة شعبية نهضت في وجه القمع والظلم والتمييز بين المواطنين لأنها لم تحصل وفق رؤاه أو كما اراد لها ان تحصل. نجد ترجمة دقيقة لتلك المفارقة في موقف بعض الشيوعيين من الثورة السورية 78 حزباً شيوعياً وقّعوا على بيان يعلنون فيه دعمهم للنظام السوري. نستثني من اليسار أولئك الذين قرأوا المرحلة الماضية في شكل جيد، وتوصلوا الى قناعة مفادها: أن لا ديموقراطية اجتماعية من دون ديموقراطية سياسية. ولكن بكل أسف ومرارة نعترف بأن هؤلاء ما زالوا الطرف الأضعف في اليسار، ليس في سورية فقط بل في المنطقة العربية كلها.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.