كانت المغنية الفرنسية الراحلة إيديث بياف، ولا تزال، أسطورة حية يردد العشاق أغنياتها العاطفية بعد رحيلها بأربعين سنة. ولشدة إعجاب المخرجة المسرحية الفرنسية الجزائرية الأصل، روبيا ماتينيون، ببياف، قدّمت فوق خشبة مسرح"جيمناز"الباريسي استعراضاً يحمل عنوان "بياف حياة بالوردي والأسود"، يروي حكاية حياة النجمة، مسلطاً الضوء على طفولتها البائسة، وغرامياتها التعيسة، وكيف حوّلت مأساة حياتها الشخصية الى حكاية نجاح عالمي على الصعيد الفني. أدّت شخصية بياف الممثلة والمغنية الشابة ناتالي ليرميت، التي نالت إعجاب الجمهور واحترامه لاتقانها الدور من دون أن تقع في فخ التقليد السهل. إذ انها قدمت أغاني بياف على طريقتها الخاصة متقمصة في مواقف معينة، أسلوب المغنية الراحلة في الوقوف أو في الكلام. والى جوار ليرميت أجلست المخرجة عازفاً ليساعدها كلما رددت إحدى أغنيات النجمة الراحلة. وجلس على خشبة المسرح أيضاً، الصحافي والكاتب الفرنسي جاك بيسيس المعروف بمقالاته وكتبه الخاصة بنجوم الغناء والاستعراض، فالرجل يعتبر بمثابة خبير في هذا الميدان، الأمر الذي يضيف نبرة من الصدق بالنسبة الى المشاهد عندما يرى هذا الأخير في شخصية الراوي فوق الخشبة، يسرد أحداث حياة بياف بين كل مشهد غنائي وآخر. ومنذ العام 2005، لا يزال العرض يقدم في باريس، وحصل على عقود ممتازة ليقدم في دول أخرى مثل سويسرا وبلجيكا وكندا، ولبنان والسنغال وجزر تاهيتي، كما صوره التلفزيون لحساب أكثر من قناة فرنسية ودولية. ويتوقع أن تبدأ الجولة العالمية مطلع العام 2008 وستستمر أكثر من سنة. إثر هذا الرواج والنجاح، قرر مسرح"أولمبيا"الباريسي العريق والشهير، والذي غنت فيه بياف في حياتها مرات عدة، إنتاج مسرحية استعراضية ضخمة حول القصة نفسها تحت عنوان"إيديث بياف"، مع إدخال مجموعة من العناصر الجديدة مثل الرقص الجماعي والموسيقى الحية من طريق تولي فرقة كاملة العزف أثناء قيام البطلة بأداء أغنيات بياف. إضافة الى تجسيد شخصيات فنية أخرى عاصرت بياف مثل جيلبير بيكو وشارل أزنافور وجولييت غريكو وشارل ترينيه وتينو روسي، الأمر الذي يضيف الى الاستعراض الكثير من الأغنيات واللوحات الراقصة، ليتميز العرض بضخامة ليست متوافرة في النسخة الأصلية التي تخرجها الجزائرية ماتينيون. ويبدو أن"بياف حياة بالوردي والأسود"على رغم ضعف إمكاناتها المادية، تتميز عن"إيديث بياف"بقوة أكبر، من حيث هز مشاعر الحضور في قاعة العرض. فلا تحتاج الفنانة ناتالي ليرميت كي تصل الى جمهورها الى عشرات الموسيقيين والراقصين والراقصات، إذ تؤدي شخصية بياف بصدق يصل مباشرة الى الوجدان ويُغني عن المؤثرات الهوليوودية التي يتمتع بها الاستعراض الخاص بمسرح"أولمبيا".