لعبت الفنانة الاستعراضية الأميركية الأصل جوزفين بيكر والتي اختارت فرنسا مقراً لإقامتها، دوراً أساسياً في الحياة الباريسية الفنية طوال فترة الأربعينات والخمسينات وبداية الستينات من القرن االماضي. وشاركت في أفلام ومسرحيات إستعراضية عدة، إلى الأسطوانات التي سجلتها والتي لا تزال تبثها المحطات الإذاعية وقد دخلت تاريخ الأغنية الفرنسية ولعل أبرزها"لدي حبيبان بلدي وباريس". عاشت جوزفين بيكر في باريس طوال فترة الحرب العالمية الثانية واستغلت شهرتها الفنية ووجودها في الأماكن العامة التي كان يزورها الألمان فترة احتلالهم العاصمة الفرنسية مثل المسارح والنوادي الليلية والمطاعم الفاخرة، لتقيم مع هؤلاء صداقات قوية في الأقل من الناحية الظاهرية وتعرف منهم الكثير من المعلومات السرية المتعلقة بتحركاتهم لتنقلها إلى المقاومة الفرنسية، ما جعلها متهمة بالعمالة، خصوصاً من جانب الشعب الفرنسي الذي لم يكن على دراية بنشاطاتها واعتبرها منحازة للألمان وبالتالي خائنة لفرنسا التي استقبلتها وأوتها وجعلتها نجمة كبيرة ومرموقة. الا ان الحقيقة ظهرت عقب انتهاء الحرب في عام 1945 وسرعان ما صارت بيكر بطلة شعبية، فاتسعت شهرتها ما ساعدها على تحقيق حلمها في مساعدة الأطفال اليتامى في مناطق مختلفة من العالم. فراحت تسخر ثروتها لفتح الملاجئ في أفريقيا أو لتبنّي مجموعة من اليتامى الأفريقيين والآسيويين ورعايتهم وتربيتهم في بيتها الباريسي الضخم. استمرت جوزفين في فعل الخير حتى آخر حياتها، كما غنت ومثلت وقامت بجولات دولية على رغم حالتها الصحية المتدهورة منذ نهاية خمسينات القرن الماضي، خصوصاً ان كان عليها كسب المال لإعالة أطفالها وتمويل الملاجئ التي اعتمدتها للاستمرار في ممارسة نشاطاتها. عرفت جوزفين أياماً سوداً منذ أن أصابها المرض واضطرت مع مرور السنوات إلى التقليل من ظهورها في المسارح والأفلام، ما قلص دخلها المادي، وباءت كل محاولاتها للحصول على الدعم المادي من فرنسا بالفشل. عرفت النجمة التي مجدتها فرنسا في الماضي نهاية سيئة وتعيسة في مطلع السبعينات، غير أنها نجحت قبل وفاتها في العثور على تمويل للملاجئ التي أسستها. إلا ان جوزفين المقاومة، ومؤسسة الملاجئ ماتت فقيرة ووحيدة. اليوم تعود جوزفين بيكر نجمة مرموقة إسمها يلمع فوق صفحات التاريخ الفني الفرنسي بعد اعتراف الدولة الفرنسية بخدماتها الثمينة التي قدمتها. وكتب الروائي والمؤرخ المعروف جاك بيسيس مسرحية استعراضية تروي سيرتها تحت عنوان"جو وجوزفين"أخرجتها الجزائرية روبيا ماتينيون التي سبق لها ان أخرجت مسرحية عن حياة المغنية الراحلة إيديث بياف. ويقدم العرض الجديد فوق خشبة مسرح بيار كاردان بعدما أعجب رجل الموضة الشهير بالمشروع وقرر دعمه وإنتاجه وتقديمه في المسرح الذي يحمل إسمه. وتؤدي شخصية جوزفين بيكر المغنية الشابة أوريلي كوناتي ذات الموهبة الفذة ويشاركها البطولة الفنان غريغوري باكيه في دور الرجل الذي قضى عمره في حب بيكر من دون أن تبادله الشعور أبداً.