ربيحة ماتينيون أو روبيا ماتينيون، مثلما صار اسمها في فرنسا، حكايتها حكاية، فهي مولودة من أب جزائري وأم سويسرية. كبرت في جنيف حيث تعلمت الدراما قبل أن تستقر في باريس، لأن العاصمة الفرنسية في رأيها تزخر بالثراء الفني المسرحي. وسرعان ما عثرت ماتينيون على فرصة ذهبية للمشاركة في مسرحية درامية بإدارة المخرج جان بيار فنسان، فتحسنت قدراتها التمثيلية وتوسعت دائرة أفكارها وتعلمت في غضون ثلاثة أشهر أكثر مما تعلمته في ثلاث سنوات في معهد الفنون المسرحية في جنيف، على حد قولها. بعد هذه التجربة المثمرة صارت ماتينيون ممثلة مسرحية متمرسة ولمعت في أدوار عدّة، خصوصاً باللون التراجيدي، واختارها الطاهر بن جلون لتقدم دور البطولة في مسرحيته المأخوذة عن روايته «عروس الماء» التي أخرجتها البريطانية آن ميلز عفيف في باريس منتصف التسعينات من القرن العشرين. وبعدما حققت شهرة واسعة على الصعيد الأوروبي، قررت ماتينيون أن تعتزل التمثيل وتتجه الى الاخراج، فراحت ترفض تدريجياً غالبية العروض التي قُدّمت لها. في تلك الفترة، أسس مصمم الأزياء العالمي بيار كاردان جمعية تهدف الى مساعدة الفرق المسرحية المبتدئة، وعرفت ماتينيون كيف تقنعه بتمويل مسرحيتها الأولى كمخرجة وعنوانها «الكتاب الأبيض» لجان كوكتو. عرض العمل الجريء فوق خشبة مسرح كاردان في باريس، ولاقى نجاحاً جماهيرياً إضافة إلى تقدير النقاد، ما دفع الصحافي الفرنسي جاك بيسيس المتخصص في كتابة قصص حياة مشاهير الأغنية الفرنسية، إلى الإتصال بماتينيون لتخرج مسرحية كتبها عن حياة نجمة الغناء الراحلة إيديث بياف. عرضت المسرحية ثلاث سنوات في باريس قبل أن تطوف العالم، من لبنان إلى كندا مروراً باليابان، فراح بيسيس يكرر التجربة لعمل جديد حول حياة النجمة الزنجية جوزيفين بيكر، أخرجتها ماتينيون أيضاً، إلا أن المشروع لم يجذب الجماهير مثلما فعلت مسرحية بياف. وقررت ماتينيون أن تتجه نحو الأعمال التي تسلط الضوء على حياة العرب والأفريقيين في الهجرة، خصوصاً أنها بذلت في بداياتها جهداً مضاعفاً لتصل الى ما تريده كونها عربية، فلجأت إلى بيسيس ليؤلف لها مسرحية استعراضية عن الهجرة فرفض بحجة أنه كفرنسي لا يجيد معرفة خبايا وتفاصيل مشاكل الهجرة ولا المهاجرين. ووجدت ماتينيون صعوبة في تحقيق طموحها المسرحي الإنساني والإجتماعي، فاتصلت بالملحن والعازف الجزائري خليل مروان الذي كان قد عمل في مسرحية «شياطين الملاك» التي سبق لها أن أخرجتها عام 2005، وعرضت عليه فكرة المشروع فوافق أن يشارك في العمل كمؤلف للنص وللموسيقى. ولجأ مروان إلى خدمات مجموعة من الفنانين الأفريقيين والعرب ليساهموا في الغناء والتمثيل والرقص، وراحت ماتينيون تهتم بالأمور الاخراجية واتصلت بالكوميدي الفرنسي الشهير ذي الأصل المغربي جمال دبوز ليشاهد عرضاً خاصاً للمسرحية. اكتفى دبوز بقراءة نص المشروع ولقاء ماتينيون وفرقتها والتحدث معهم، ثم فتح لهم باب مسرحه ليقدموا الإستعراض لليلة واحدة يدعون فيها جميع الشخصيات الكفيلة بإنتاج العمل في ما بعد من حيث الدعاية وكل ما يحتاجه. وتنكب ماتينيون حالياً مع فريق عملها على إجراء التمارين على العمل الجديد، لتقدمه على خشبة مسرح «لوروبيان» في باريس طوال تموز (يوليو) المقبل، ومن ثم في عدد من البلدان الأوروبية والعربية.