الأحد 18/11/2007 : السلامة أرى الحيرة على الوجوه والخوف في العيون. لن يستطيع أحد تحويل الحيرة والخوف الى حماسة محارب. آمل ذلك، والسلامة للبنان لأنه يستحقها. الاثنين 19/11/2007 : عود على بدء في أربعينات وخمسينات القرن التاسع عشر كان جبل لبنان مقسماً الى قائمقاميتين متنازعتين نتجتا عن حرب أهلية ومهدتا لحرب أهلية، فاجتمعت الدول الكبرى آنذاك: السلطنة العثمانية الحاكمة والدول الأوروبية: النمسا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، وانتهى الاجتماع الى اقرار"بروتوكول 1864"الذي قضى بانشاء متصرفية لبنان تتعدى حدود الجبل الحالية الى مناطق في الشمال والبقاع والجنوب، يحكمها متصرف تعينه الدول المذكورة على أن يكون مواطناً عثمانياً مسيحياً، ويعاون المتصرف مجلس ادارة مكون من ممثلي الطوائف: الموارنة، الدروز، السنّة، الشيعة، الروم الكاثوليك، الروم الارثوذكس. واليوم يجتمع بلا مواعيد ثابتة، وفي أمكنة مختلفة، وزراء خارجية عرب وشرقيون وأوروبيون وأميركيون ليتدارسوا أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. هل نصل الى"بروتوكول 2007 أو 2008"؟ الثلثاء 20/11/2007 : الطبيعة ضد القتل تنشط الطبيعة في تنظيف جنوبلبنان من القنابل الاسرائيلية، وفي أخبار اليوم"ان سقوط حبّات برَد، الواحدة منها بحجم جوزة، أدى الى تفجير مئات القنابل العنقودية من مخلفات حرب تموز يوليو 2006، وتنفجر هذه القنابل عادة بمجرد ارتطامها بأي جسم. وتركت اسرائيل في جنوبلبنان أكثر من مليون قنبلة عنقودية". ليست القنابل والألغام وحدها آثار العدوان الاسرائيلي، فهناك شروخ في نفوس اللبنانيين لم تلتئم، إذ يتنازعهم تفسيران لعدوان تموز، الأول يعتبره نتيجة خطأ ارتكبه"حزب الله"والثاني يعتبره عدواناً مقصوداً، لكن الدمار هو الحقيقة الباقية، وفي صلبها أن اللبنانيين لم يجمعوا على تأييد المقاومة، خصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي في أيار مايو 2000 وتحديد الأممالمتحدة الخط الأزرق للحدود. ولم يقبلوا تنغيص فرحهم وفرح المقاومين وسكان المناطق الحدودية بانهاء الاحتلال، وذلك باستمرار المقاومة مستقلة عن الدولة بعد الانسحاب، بذريعة مزارع شبعا المحتلة، تلك القضية الملتبسة، فالمزارع مشمولة بالقرار 242 لأنها احتلت مع الجولان السوري في 5 حزيران يونيو 1967، فيما الاراضي اللبنانية احتلت بدءاً من العام 1978 وهي مشمولة بالقرار 425. وما لفتني في الخطابين الأخيرين للأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله انه استخدم تعبير"المقاومة اللبنانية"وليس"المقاومة الاسلامية"كعادته، لكن أحداً لم يلحظ تغييراً في خطاب حزبه باتجاه وطنية محدودة بدل أصولية لا حدود لها. نجحت المقاومة اللبنانية في دفع الاحتلال الى الانسحاب وفي ردعه، ونال المقاومون اعجاباً تعدى لبنان الى العالم، لكن المقاومة الممثلة ب"حزب الله"لم تنجح في اقناع اللبنانيين باستمرارها الى مدى غير منظور، ولا يمكن أن ننسب عدم الاقتناع الى مجرد تحريض جهات أميركية أو اسرائيلية تريد الانتقام من المقاومة، وعلى رغم امكان مثل هذا التحريض، فإن الدافع الغالب الى الحذر هو ان صورة لبنان كبلد مساند في الحرب على اسرائيل لا تزال أثيرة لدى مواطني هذا البلد العربي الصغير، وهم لا يستسيغون تحويل بلدهم الى مقاتل وحيد فيما العرب الآخرون في حال مصالحة أو هدنة دائمة. ولعل الضحية الدائمة في لبنان هم سكان المناطق الحدودية الذين ينتسب معظم نوابهم الى"حزب الله"، وهنا المفارقة. تلك المناطق لم تنعم بالهدوء منذ انشاء اسرائيل عام 1948، فمنذ ذلك التاريخ حتى العام 1960 عاشت في حال اختناق أمام جدار فلسطينالمحتلة المسدود، وبين عامي 1960 و 1967 انتعشت بفعل السياسة الانمائية للعهد الشهابي الرئيسان فؤاد شهاب وشارل حلو، ثم غابت عنها الدولة اللبنانية مع اتفاقية القاهرة والحكم غير المباشر لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، حتى العام 1978 حين احتلتها اسرائيل. ولما تحررت من الاحتلال أصبحت في قبضة المقاومة التي حررتها. سكان هذه المناطق - الضحايا سمعوا اليوم صوت المطر، وعندما هبطت درجة الحرارة أكثر سمعوا صوت كريات البَرد، ومعها أصوات القنابل العنقودية تنفجر في تلك الروابي الجميلة. الأربعاء 21/11/2007 : في بلاد الفنادق كتابة لبنان مستحيلة وكل كتابة تدعي ذلك فهي عن قطعة منه، زمانية أو مكانية أو وجدانية، تخص كاتبها. أما الكتابة عنه كله فتستعصي لأنه دائم التغير والتحوّل، فلا تستطيع، لا بالتقنية ولا بالخيال، تجميد حركته الآنية. أما ماضيه فمتعدد القراءات ووجهات النظر والرؤى بلا نهاية، ومستقبله كثير الافتراضات بلا حدود. قلت أكتب عنه كله أو لا أكتب، فلم أكتب. وإذا مزقت جزءاً منه ونسبتُهُ الى نفسي وحسبته ملعبي، أشعر بارتكاب ما يشبه الخيانة وإن كان اللعب مجرد كتابة. ولأن الملعب جغرافيا وبشر فكيف أكتب اسطورتي وأطمس أساطيرهم التي لا أعرفها لأكتبها. ولا يبقى سوى وقفة على شرفتي الريفية أتذكر أصدقاء سافروا لم يعودوا، كما أذكر سليم وادفيج وطفلهما الذي سيقف قريباً عند بوابة الحيرة بين لغات أربع: العربية والفرنسية والانكليزية والمحكية اللبنانية الزاهية في القلب. ومن شرفتي: غفا صديقي على حافة الغروب وذرف دمعتين, فدروب القرية تلبس أكفانها الفخارية وسروج الأحصنة تضيق بمؤخرات الفرسان. الليل يقدم واجهة عرضه البليدة حالماً بالرجوع الى ضوء شهي. الهوى يجرح لساني وقلبي مرتبط بعقد ايجار. أجمع شتات وطني. أنسجُهُ من شجر الياسمين والليل الملون والصحافة الفنية وطيور البقاء المحنطة، من ضحك قليل وسلام غير عادل ووافر من الأقنعة وشمس فان غوغ الملتوية. وأخلد الى نوم عميق حتى يرجع الصلح سيد الأحكام من عيادة الأمراض الجلدية. ثم يحاكمون"الافشين"وتنتهي الى الأبد ثورة"بابك الخرمي"في بلاد الفنادق. الخميس 22/11/2007 : عيد الاستقلال هذا النص أستعيد كتابته وأعيد قراءته منذ العام 1985، والحال هي هي في مناسبات استقلال لبنان 22/11/1943: كان لبنان كيف يكون لبنان؟ المدائن المهدمة. السلاح. الذاكرة المحترقة. تجار العملة. التجار الصغار والتجار الكبار. غياب قيم العلم والعمل. الغباء والغباء والاستغباء. الفرد المهان والجماعة المهانة. السجن في صياغات الخطب المتكررة، مراكز الطوائف لدراسات الطوائف. لبنان المطرود الى الماضي. المطرود الى ترجماته المتعددة. لعبة الأمم. لعبة شعبه. شعبُهُ اللعبة. لبنان البطولات يجري محوها. بطولات البدء من صفر الآخرين. الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك، الصم والبكم، لبنان الخبط عشواء، اليضحكون منك. واليضحكون عليك. لبنان الذي تخبئ نفسك، عقلك، جسدك. الذي نسيته. لا تستطيع جولة لتستعيده. لبنان أوطان الكلام. ترسانات الكلام الحديد. لبنان الثقلاء. الماضي الذي لا يعود واحتفالات الماضي. لبنان تلاميذ المدارس بلا أعلام، المدارس ترفع الصور. الصور العابسة والضاحكة. الصور تتغامز أو تتقاتل. لبنان الاولاد لا يفهمونه. وطن بلا قوام. لبنان المعتوهون. الجواسيس. المهربون، المخاتلون. الكذابون. المصدّقون. غير المصدقين. الجاهلون. العارفون. المصفقون للقوي. الشتامون للضعيف. الهاتفون لمن يأتي. الراذلون لمن يرحل. لبنان الأبرياء. الصافيون. المدافعون. الفدائيون بلا لغة. لغة الدم التي تُنسى سريعاً. لبنان الضمائر في البراد. التعصب والتحامل. لبنان انتظارك، خمسة أصدقاء يسافرون كثيراً، يندرون. خمسة معارف لم تصادقهم جيداً، لبنان موعد مرة كل سنوات، يمضي العمر بلا انتباه. لبنان خوفك وخوفهم. مدرسة اللاشيء ومدرسة الدروس الصعبة. لبنان موعظة الجسد وسخافة الانشاء. ليل البيوت. المدن بلا كهرباء. لبنان بلا معارضة لأن المعارضة فيه سلطة أكبر من السلطة، بلا لبنان. شيزوفرينيا الأحاديث اليومية. الميليشيا لكل الأزمنة وكل البيارق. لبنان الجوع الحقيقي والجوع المقنع. لبنان التخمة الفاجرة. الفقراء يأكلون الحماسة. لبنان الذين سافروا لم يعودوا. لبنان عدم ذكر كلمة لبنان. لبنان تسمية العام باسم الخاص، الكنايات الدائمة، لبنان.يا أيها الذي أحبك وأخافك وأخاف عليك. الذي أجهلك، تحملني فوق ظهرك. تتمسك بي وتقف عند حافة الهاوية. تريد رميَ نفسك أم ترمينا معاً، لا تستشيرُ. لبنان القيادات المبحوحة والمدافع الصائحة. لبنان اهتراء القيادات من كثرة الاستعمال. قيادات جديدة بلا ذاكرة. لبنانان بل ثلاثة بل أكثر بلا لبنان. ويا أيها الذي أحبك ويحبونك، لا أعرفهم، أُقدّرُهُم تقديراً، وهم يستحقونك، لا يعرفون التعبير، يدافعون، ينتظرون، يتهجرون بالاكراه، يذكرون المنارات، في اهدابهم بقايا الضوء. لبنان حقيقة غير موضوعية. منارة دمهم. حقيقة ايمانية. نافورة الأوردة. نسغ الارض. صمت شيء لم يحترق بلعنة الكلام القابل للاحتراق. إيمان بحداثة المشرق. مشروع تحديث مهزوم. كان لبنان، كيف يكون؟ "إذا تغيرت الدول احفظ رأسك". لبنان شهادة التغيرات وإعلانها ودسُّ الرؤوس فيها. لبنان رؤوس الجميع. لا يكون لا تكون.