فيما ازداد الوضع الفلسطيني تأزماً في ضوء الحصار المالي المفروض على حكومة"حماس"وأعمال الشغب والاحتجاجات التي نفذتها عناصر أمن من"كتائب الاقصى"التابعة لحركة"فتح"في غزة، وما رافقها من احتدام الصراع على الصلاحيات بين"حماس"و"فتح"، سُجل امس تطوران لافتان قد يشكلان مخرجاً لهذه الازمة: الأول الدعوة التي وجهتها الجامعة العربية الى حكومة"حماس"بضرورة الاعتراف بالمبادرة العربية، والثاني هو قرار روسي بتقديم دعم مالي"خلال أيام"الى السلطة الفلسطينية. راجع ص4 وكان وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار وصل الى القاهرة في مستهل جولة تشمل عددا من البلدان العربية والاسلامية وتهدف الى توفير دعم مالي للحكومة التي لم تدفع رواتب موظفيها ال140 ألفاً منذ اسبوعين. وكان لافتاً ان نظيره المصري احمد ابو الغيط لم يستقبله ل"ضيق وقته"، رغم نفي مصر وجود ضغوط خارجية منعت اللقاء. لكن الزهار اجرى محادثات في الجامعة العربية حيث طلب منه المندوبون الدائمون الاعتراف بالمبادرة العربية، فوعد بنقل هذا الموقف الى حكومته، علماً ان المبادرة التي اعتمدت في قمة بيروت عام 2002، تنص على انسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة عام 1967 لقاء تطبيع كامل بين اسرائيل والدول العربية، وهي بذلك تتضمن اعترافاً مشروطاً بإسرائيل. وفي تطور مواز، اعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان انها ستمنح السلطة الفلسطينية مساعدة مالية عاجلة. وقال السفير الفلسطيني في موسكو بكر عبد المنعم ل"الحياة"ان تحرك موسكو"سيتخذ شكلاً عملياً خلال الاسبوع المقبل". وهذا التطور يمكن أن يحدث ثغرة في جدار الحصار الدولي. ويبدو ان موسكو في طور بحث آلية ايصال هذه المساعدات والجهة التي ستتسلمها. ويأتي هذان التطوران في ظل وضع فلسطيني مأزوم داخلياً انعكس في الاحتجاجات التي قام بها نحو 50 مسلحاً من رجال الأمن الفلسطيني، معظمهم من"كتائب الاقصى"التابعة ل"فتح"، اقتحموا مقر المجلس التشريعي في خان يونس قبل ان يخلوه، في حين قامت عناصر اخرى من الكتائب بقطع الطريق الرئيس الواصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، وذلك احتجاجا على تأخر الحكومة في دفع الرواتب اسبوعين، علماً ان احتجاجات اخرى يجري الاعداد لها. "حماس"تهدد هذه الاحتجاجات دفعت"حماس"الى اتهام"فتح"ضمناً بالوقوف وراء اعمال الشغب بهدف تقويض الحكومة، في وقت احتدم الصراع بين مؤسستي الرئاسة فتح والحكومة حماس على الصلاحيات. ورد الامين العام للرئاسة الطيب عبد الرحيم على تصريحات رئيس الحكومة اسماعيل هنية التي حذر فيها من"بدائل خطيرة لسقوط الحكومة"بالقول ان هذه التصريحات"تشكل تهديدا للوحدة الوطنية والنظام السياسي". وتذرع ناطقون باسم الرئاسة بأن الرئيس عباس عمد الى سحب بعض صلاحيات الحكومة في مسألة المعابر وجهاز الامن الداخلي لحرمان اسرائيل من الذرائع لتنفيذ اجراءات انتقامية. وردت"حماس"بالتهديد والوعيد، إذ اعلن الناطق باسم وزارة الداخلية خالد ابو هلال أن الحزم في معالجة الفلتان الأمني سيظهر في الايام المقبلة، مشيراً الى ان البعض يعتزم استغلال قضية عدم صرف الرواتب للتحريض والتخريب. وقال:"فليحذروا، فهم يلعبون بالنار". وتضمنت تصريحات مماثلة أطلقها القيادي في"حماس"النائب يونس الاسطل تحذيرات من ان"زرقاوياً جديداً قد يظهر في فلسطين في حال سقطت الحكومة". واستشف المراقبون والمحللون من تصريحات هنية والاسطل ان"حماس"بدأت تكشر عن انيابها بعدما استشعرت خطراً حقيقياً تعتبره"مؤامرة"لاسقاط حكومتها الوليدة. ورأى هؤلاء ان"حماس"ربما تكون رفعت شعار"عليَّ وعلى أعدائي"، محذرة من أنها ستقلب الطاولة على رؤوس الجميع اذا شعرت بأن حكومتها ستنهار. وتعاني"حماس"اضافة الى مشكلة الحصار المالي من مشكلة اكبر تتعلق بآليات وصول الدعم او الاموال المتوافرة. وسبب هذه المشكلة هو ان الجهة الوسيطة بين الجهات المانحة والسلطة الفلسطينية هي بنك"هبوعليم"الاسرائيلي. ورغم ان مصدراً في مكتب رئيس الحكومة قال ل"الحياة"ان هناك عدداً من الطرق العلنية والسرية التي رفض الافصاح عنها لايصال تلك الاموال التي قد تتبرع بها دول او جهات عربية او اسلامية، إلا انه اشار الى ان هناك اموالا لم يحدد قيمتها موجودة في الخارج و"لا نعرف كيف ستنقل الى خزانة السلطة". ولمح الى ان احد الاحتمالات ربما يكون الاتفاق مع بنوك مصرية لنقل هذه الاموال الى الاراضي الفلسطينية. وكانت"حماس"دعت في موقعها على الانترنت المانحين الى ايداع تبرعاتهم في بنك مصر الدولي الذي يتبع بنكاً فرنسياً، علماً انها فتحت حساباً مماثلاً في فرع البنك العربي في القاهرة، لكنه اغلق لاحقاً.