بدت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس حريصة خلال جولتها في الشرق الاوسط على الابتسام لدى التقاط المصورين صورها وهي تصافح كبار المسؤولين ووزراء الخارجية العرب والمسؤولين الاسرائيليين كما لو انها تريد اشاعة اجواء تفاؤل بقرب التوصل الى حلول لأزمات المنطقة. ولكن هل تدعو نتائج جولتها الى التفاؤل من وجهة النظر العربية؟ على صعيد القضية الفلسطينية أدت تصريحات رايس عن ضرورة وجود حكومة فلسطينية"يمكن ان تحترم مبادئ اللجنة الرباعية"، اي حكومة غير حكومة"حماس"الحالية التي ترفض الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود والاتفاقات السابقة المبرمة مع اسرائيل وترفض القاء سلاح المقاومة، الى تركيز الاضواء الساطعة على بعض اسباب استعصاء ايجاد حل للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي وعلى اختلاف الاولويات ليس فقط بين اسرائيل والعرب وانما ايضاً بين بعض الاطراف العربية وبعضها الآخر. ودفعت تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى ان يكرر امامها موقفه القائل إن"برنامج أي حكومة فلسطينية يجب ان يستند الى الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية"وان أي حكومة"يجب ان تكون ملتزمة تماماً بالاتفاقات الموقعة في الماضي من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية". وبهذا يتفق عباس مع رايس على ان المخرج من المأزق الفلسطيني الحالي الذي كاد يجر الفلسطينيين الى حرب اهلية هو ايجاد حكومة فلسطينية جديدة غير الحكومة الحالية التي عجزت عن كسر الحصار المالي والاقتصادي والسياسي الاسرائيلي والاميركي والاوروبي، والعربي ايضاً لجهة العجز عن تحويل اموال المساعدات العربية عبر المصارف الى السلطة الفلسطينية الا بإذن من واشنطن. بالإضافة الى مسألة دارفور والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، كان الملف النووي الايراني بارزاً على اجندة محادثات رايس مع المسؤولين والوزراء العرب والاسرائيليين وبدت مخاوف بعض الاطراف العربية من احتمالات تطوير ايران اسلحة نووية مساوية لمخاوف اميركا واسرائيل التي تملك منذ سنوات طويلة ترسانة تضم اكثر من مئتي رأس نووي ووسائل اسقاطها على أي بقعة في العالم. وعبرت الاذاعة الرسمية العبرية عن الموقف الاسرائيلي بالقول ان تل ابيب لا تعتبر جولة رايس اكثر من كونها"زيارة صيانة"تريد واشنطن منها التظاهر بالتحرك لدفع المسار الفلسطيني - الاسرائيلي"على رغم ادراكها ان المسألة شائكة بسبب ما يحدث في اراضي السلطة الفلسطينية". واختزلت صحيفة"هآرتس"العبرية زيارة رايس الى اسرائيل في امور مثل العمل على اطلاق الجندي شاليت و"وقف الارهاب من غزة بما في ذلك تهريب السلاح". ان تبادل حركتي"فتح"و"حماس"الاتهامات بشأن من هو المسؤول عن افشال الحوار بخصوص تشكيل حكومة وحدة وطنية يمكن ان تنجح في فك الحصار الذي ألحق بالفلسطينيين معاناة هائلة، هو ممارسة عقيمة ضارة تطورت الى استخدام حكومة"حماس"نيران القوة الامنية التنفيذية التي شكلتها بعد تسلمها السلطة لقمع الموظفين ورجال الامن المتظاهرين احتجاجاً على عدم تسلم رواتبهم. وقد كان استخدام القوة التنفيذية سلاحها لإراقة دماء فلسطينية امراً مخزياً مثله مثل تهديدات احد اجنحة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة"فتح"باغتيال قادة"حماس". لقد صار كسر جمود الوضع السياسي الفلسطيني امراً ملحاً لانقاذ جماهير الناس من الفاقة ولتحريك عجلة عملية السلام من جديد على رغم ان من الصعب تصديق ان اسرائيل واميركا تريدان حلاً سريعاً ومنصفاً. ومن الواضح ان خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم"حماس"و"فتح"بات مستبعداً الآن ما يقتضي التفكير جدياً في حكومة تكنوقراط بعد ان ثبتت حماقة اي صراع على السلطة في الساحة الفلسطينية التي يخضع كل من فيها وما فيها للاحتلال والحصار. وتقع على كاهل الولاياتالمتحدة المسؤولية الاكبر لإنهاء الصراع العربي - الاسرائيلي. وكما قال السفير السعودي في واشنطن الأمير تركي الفيصل الاربعاء مخاطباً الاميركيين، فان"الكلام لا يكفي"اذ"تحدثنا عن اجراءات لخمسين سنة، والآن علينا ان نتحدث عن كيفية معالجة القضايا الشائكة للمشكلة الفلسطينية".