إذا كانت الثورة الفنية التي احدثها فريق"البيتلز"في عالم الموسيقى معروفة، فإن كثراً يجهلون أو يتجاهلون ثورة من نوع آخر ثورة بصرية هذه المرة ساهم فيها أبناء ليفربول الأربعة: ثورة الفيديو كليب. للوهلة الأولى يظن المرء أن قناة"أم تي في"الموسيقية هي صاحبة الفضل في اطلاق الفيديو كليب في العالم سنة 1981 يوم افتتحت بثها بالأغنية الكلاسيكية والرمزية"الفيديو يقتل نجوم الراديو"لفريق"الباغلز"... لكن بعض المراجع يؤكد أن انتشار الأغاني المصورة يعود الى فريق"كوين"الموسيقي مع إطلاقه أغنية"بوهيميان رابسودي"على طريقة الفيديو كليب سنة 1975 من ألبومه الرابع"ليلة في الاوبرا". في حين تعيد مراجع أخرى أصل الكليب الى قبل ذلك التاريخ بنحو عقد من الزمن... وتحديداً الى 1964 مع فيلم حمل توقيع ريتشارد ليستر الذي مهد لظهور الكليب... ما جعله يستحق عن جدارة لقب هو"أبو الفيديو كليب". قد يسأل المرء هنا: وما علاقة"البيتلز"؟ الجواب بسيط لأن فيلم ليستر"ليلة نهار عسير"هو من بطولة الشبان الصاخبين الأربعة جون لينون وبول ماكارتني وجورج هاريسون ورينغو ستار... وفيه استوحى ليستر من موسيقى"البيتلز"لقطات تلاحم فيها الصوت مع الصورة في شكل فريد، إيذاناً بعصر جديد: عصر الفيديو كليب. هذا المساء قناة"آرتي"الفرنسية الألمانية تحسم الجدل. إذ تضع المشاهد أمام فرصة التأكد بنفسه من تاريخ الفيديو كليب، لا من خلال نقاشات عقيمة، لكن عملياً من خلال عرض فيلم ريتشارد ليستر ضمن السهرة التي خصصتها هذا المساء للپ"بيتلز"، والتي تستهلها بفيلم"ليلة نهار عسير"وتنهيها بفيلم"بول ماكارتني في أبي رود". فماذا عن العملين؟ اكتشاف قبل العام 1964 لم يكن احد ألمع وجوه"السينما الحرة"في بريطانيا ريتشارد ليستر يعرف شيئاً عن"البيتلز"على رغم ان صيتهم ذاع قبل ذلك التاريخ بكثير... حتى انه لم يكن قد سمع أياً من أغنياتهم. لكن صدفة جمعته بهم، ومنذ ذاك الحين انجذب نحوهم فقرر أن يلاحق خطواتهم، لإنتاج فيلم عن ظاهرة البيتلز وهكذا صور ليستر فشل"البيتلز"ونجاحهم. صور مفارقات النجومية في حياة المغنين الشباب وحروبهم الصغيرة والكبيرة. صور هروبهم من تدفق سيل المعجبات. صور مشكلاتهم مع مدير اعمالهم. صور مشكلات بول ماكارتني مع جده... باختصار صور حياتهم اليومية كما هي من خلال ملاحقتهم في إحدى جولاتهم، على رغم ان البعض يحب ان يؤكد ان الشبان الأربعة كانوا يمثلون أمام الكاميرا، ولم يكونوا ابداً على عفويتهم. وهكذا ولد فيلم يؤرخ لأسطورة"البيتلز"بالأبيض والأسود - تجنباً لتكاليف الأفلام الملونة، وليس، كما ستقول الطرفة لاحقاً، لئلا"ينفضح"اختلاف لون شعرهم الذي له دور أساس في شهرتهم-. ولعل ابرز ما يميز هذا الفيلم هو كونه مشغولاً بطريقة هزلية مرحة. فمثلاً في إحدى لقطات"ليلة نهار عسير"يسأل ليستر"البيتلز": كيف وجدتم اميركا؟ جوابهم:"بالالتفاف عند المفرق الثاني على اليسار بعد غرينلاند. أو يسأل رينغو: هل أنت عاطفي الغناء أم من اهل الروك الصاخب؟ وجوابه: أنا ساخر في ترجمة لكلمة انكليزية تجمع الكلمتين معاً. وطبعاً حين تجتمع السخرية بغناء"البيتلز"صوتاً وصورة لنا ان نتخيل مقدار النجاح الذي حققه الفيلم الذي يصور يوميات الشبان الأربعة بعدما وصلت نجوميتهم الى أبعد الحدود في ستينات القرن الماضي. وسرعان ما صارت فرقتهم في المرتبة الأولى بين اكثر الفنانين مبيعاً للألبومات في العالم. أياً يكن الامر، لا يمكن ان تمر سهرة"البيتلز"من دون أن تقدم فيها تحية الى بول ماكارتني آخر الصامدين بين الشبان الأربعة. وفيلم"بول ماكارتني في ابي رود"كفيل بهذا الغرض. قد يسأل المرء لماذا يختصر فيلم وثائقي مسيرة فنان كبير مثل بول ماكارتني عبر تصويره وهو يغني داخل هذا الستوديو. والجواب أوضحه الناقد مارك ديلبوا حين كتب:"علاقة بول ماكارتني وستوديوات"ابي رود"هي تماماً مثل علاقة جان بول سارتر ومقهى فلور، جاك مارتن ومسرح امبير، كازيمير وجزيرة الأطفال. إذ لا يمكن أن يذكر احدهما بمعزل عن الآخر". ففي هذا الستوديو سجل"البيتلز"غالبية اغانيهم، واليوم يعود بول ماكارتني في هذا الشريط أنتج سنة 2005 ليستعيد أياماً ماضية، لكن من دون حنين أو أسى، كما يؤكد من شاهد الفيلم. ذلك ان المرح والسخرية يطغيان على أي شيء آخر. أليست هذه أصلاً عادة"البيتلز"؟ * سهرة "البيتلز" تبدأ هذا المساء في الساعة 18،40 بتوقيت غرينتش