حين يتحدث الشباب اللبناني راهناً عن"محطة تلفزيون لبنان"، يضعها في مرتبة أقل من القنوات اللبنانية الأخرى، على رغم انها الشاشة الرسمية التي تملك تاريخاً عريقاً. ففي نهاية شهر ايارمايو من العام 1959، بثّت شركة التلفزيون اللبنانية اول صور تلفزيونية في لبنان والشرق الاوسط. اطلق تلك الشركة رجلا الأعمال اللبنانيان وسام عزالدين وأليكس عريضة. وبذا، صار التلفزيون التجاري الاول في المنطقة، واعتاد البثّ بالابيض والاسود على موجتين، أحداهما بالعربية القناة السابعة والثانية بالفرنسية القناة التاسعة. في تلك الايام، كانت شركة التلفزيون اللبنانية تبث بالاسود والابيض، وكان بثها يقتصر على ثلاث ساعات يومياً، بين السابعة مساء والعاشرة. "في الايام التي كان يطول فيها الفيلم العربي، كان البثّ يتخطى العاشرة ليلا"، يوضح جان كلود بولس، احد المؤسسين في الشركة، في اتصال مع"الحياة". وبولس، الذي عمل سنوات طويلة في شركة التلفزيون اللبنانية ولاحقاً في تلفزيون لبنان، تحدث عن بداياته في هذه المهنة:"كنت مهندساً مدنياً، وأشرفت على بناء مبنى التلفزيون في تلة الخياط". ويضيف:"ولأنني كنت أميل الى الرقص والغناء والفن، أصبحت مديراً للبرامج في الشركة". بداية بولس في عالم التلفزيون تؤشر الى ما كان يعنيه التلفزيون في ذلك الزمن. البرامج، في تلك الفترة، كانت قليلة لكن متنوعة. نشرة الأخبار اليومية تدوم ربع ساعة، وكانت تصوّر بما يسمى"التيلي- سينما"، أي مزيج بين تقنيات السينما والتلفزيون. فالفيديو كما نعرفه اليوم لم يكن متوافراً في تلك الايام. واذ كانت نشرة الاخبار تصور بكاميرا 16 ملليمتراً، كان يجب ان يحمض الفيلم ويظهّر، قبل ان يُدخل الى ماكينات البث التلفزيونية. ويوضح بولس ان شركة التلفزيون اللبنانية كانت تعمل بماكينات"فيتيكون"، وهي التقنية التي كانت تستعمل للتصوير والبث التلفزيوني في تلك الفترة. "لم نكن نملك الا اربع كاميرات، كنا نتقاسمها وننقّلها من ستوديو الى آخر ومن برنامج الى آخر"، يقول بولس، مشيراً الى برامج تلك الحقبة، ومنها: ابو سليم وفرقته، وابو حربا، وابو ملحم، والكثير من برامج الزجل والشعر. كما يشير الى ما يسمى بالملاحم الدرامية وغيرها. "البرامج القديمة هذه، التي كانت تصور بالاسود والابيض، لا مثيل لها اليوم"، يقول ويضيف:"انها ذاكرة لبنان، ويجب ان نحترمها. ارشيف تلفزيون لبنان يجب ان يكون بأهمية الجيش، او المدارس الحكومية او المباني القديمة". ويؤكد بولس ان البلدان العربية كلها"تفتقر الى ما يملكه لبنان من ارشيف تلفزيوني، ولبنان لا يعرف ان يقدر ثروة كهذه". ويتابع بولس:"الدليل على ان البرامج القديمة تلك مهمة، انها لا تزال تباع الى الخارج حتى اليوم، في حين ان البرامج المحلية المعاصرة نادراً ما تشتريها التلفزيونات خارج لبنان". بعد بضع سنوات على بدء بث شركة التلفزيون اللبنانية، افتتحت قناة اخرى هي شركة تلفزيون لبنان والمشرق. كان ذلك عام 1962، في شهر ايار مايو. وفي حين ان شركة تلفزيون لبنان كانت تتلقى مساعدات من الفرنسيين، كقطعة الأرض التي قام عليها مبنى التلفزيون وهي هبة من السفارة الفرنسية، والماكينات ماركة"تومسون"، بالاضافة الى 500 برنامج فرنسي سنوياً كانت تهدى الى الشركة، تلقت شركة تلفزيون لبنان والمشرق مساعدات اميركية. والمحطتان ظلتا تتنافسان حتى العام 1968، ثم بدأتا تعملان معاً في مجال الإعلانات. ثم كانت الحرب اللبنانية سنة 1975، التي هدّدت المحطتين بالإفلاس. فكانت المشاورات بين الأطراف، وحصل الدمج بين الشركتين، بوساطة من الدولة اللبنانية. نتيجة هذا الدمج كان تلفزيون لبنان الذي نعرفه اليوم والذي ولد في العام 1977، وكان شركة نصف عامة ونصف خاصة، وعين جان كلود بولس رئيس مجلس إدارتها.