غاب أول من أمس مؤسس أول تلفزيون عربي في لبنان، وسام واصف عز الدين، عن عمر يناهز 73 عاماً بعد حياة حافلة بالحيوية وحبّ المبادرة. ومنح رئيس الجمهورية اميل لحود الفقيد وسام الأرز من رتبة ضابط، وسيوارى ظهر اليوم بعد صلاة الظهر في جامع الخاشقجي في بيروت. وبرحيل وسام عز الدين، الذي كان يحلو له أن يناديه عارفوه "جدَّ تلفزيون لبنان، أو أباه"، يغيب أحد كبار رواد الإعلام المرئي العرب، وأبرز المغامرين في إدخال الشاشة الصغيرة الى البيوت، باستثمار خاص، كان يعتقد بصدق، أنه ثقافي وحضاري، قبل أن يكون مالياً وتجارياً، إلى حدّ تكبّد معه الخسائر، لمصلحة حصته في تلفزيون لبنان، من أرباح أعماله الأخرى، سنوات، بعد أن بدأ النزف في "تيلي - ليبان"، مع إمعان حرب لبنان في تقويض "مؤسساته ومنها هيكلية التلفزيون، الذي تعرّض للتقسيم والنهش والمحسوبية... حاز عز الدين على ترخيص تأسيس تلفزيون في نيسان ابريل العام 1956، أول تلفزيون عربي كان المغرب البلد الوحيد الذي يشاهد الشاشة الصغيرة. لكن فرنسا هي التي أنشأته وكان ينقل البرامج الفرنسية فقط فانطلقت "شركة التلفزيون اللبنانية" في منطقة تلة الخياط، وانضمّت اليها مؤسسة سوفيرات الفرنسية لاعتقاد فرنسا في حينه أنها فرصة للحفاظ على الصلة الثقافية الفرنكوفونية في لبنان عبر قناة فرنسية في الشركة الى جانب القناة العربية. وحقّق عز الدين حلمه، بعد أن كان تخوّف من أن يخونه التمويل. ثم تأسست شركة "تلفزيون المشرق" الحازمية وبقيتا تتقاسمان الجمهور اللبناني حتى العام 1977 حين اندمجتا تحت اسم "تلفزيون لبنان" بمرسوم جمهوري، يتيح للدولة ان تمتلك نصف الأسهم، التي كان عز الدين يمتلك ربعها، ثم انسحب الفرنسيون مع يأسهم من تأثير الحرب في استثمارهم، فاشترى معظم أسهمهم ليضمن إستمرار القطاع الخاص في الشركة لاقتناعه ثبتت صوابيته أن من دونه لن تنجح في مواجهة الصعوبات. واضطر بداية العام 92، الى بيع حصته لعدم تمكنه من تحمّل الخسائر، الى الرئيس رفيق الحريري قبل ان يصبح رئيساً للحكومة لعل ذلك ينقذ التلفزيون من تراكم ديونه. وأبقى حصة صغيرة أتاحت له الاستمرار في مجلس الإدارة، يقاتل ويعاند ويبتكر الأفكار ويطرب لأي إقتراح برنامج أو تمويل أو تجهيز تقني ويفرح لوجود أعضاء آخرين متحمّسين إلى جانبه. وكان يعتبر التلفزيون حفيده الى حدّ أراد لنجله واصف أن يشترك في مجلس الإدارة لعلّه يورثه ما أنجزه هو حين كان في السابعة والعشرين. إلا أن قلب وسام عز الدين خانه قبل يومين بعد عملية جراحية كان يتعافى منها، وفيه غصّة تشبه العاطفة أزاء طفل على ذوبان المؤسسة الرائدة التي صنعت جيلين من المبدعين والمشاهير في الفن والأدب والدراما والسياسة والإجتماع والترفيه والمهارة التقنية، نهلت في تجربتهم التلفزيونات العربية حين بدأت تنشأ، وخطفت منهم الكثيرين، التلفزيونات اللبنانية التي نشأت كالفطر في الحرب اللبنانية. وهي غصة بدأت ترتسم على وجه وسام عز الدين منذ صدور قانون تملّك الدولة لجميع أسهم التلفزيون العام 1994، فغادر التلفزيون متشائماً، بعد أن لعب دوراً طليعياً بذهنيته المتجددة على الدوام، في كل بيت... في كتابه "التلفزيون"، أهدى رئيس مجلس الإدارة السابق جان كلود بولس المؤلّف الى وسام عز الدين "الذي يعرف ان التلفزيون هو حياته". لكن "تيلي ليبان" أقفل قبل سنة ثم عاود البث في الربيع الماضي، من دون روح. وليد شقير