بعد مرحلة مخاض عسيرة استمرت عامين، بدأت الحياة تدب في مركز دبي المالي العالمي، بفعل انتقال بعض المؤسسات المالية الإقليمية والعالمية إليه، فيما الرافعات الحديد تعمل من دون توقف لاستكمال بقية منشآت ومباني حي المال، الذي سيكون بمثابة مدينة داخل المدينة، لها قوانينها وبورصتها ومحكمتها الخاصة. ويسابق القائمون على المشروع الزمن لإنجاز البنية التحتية التقنية والقانونية والمالية للبورصة العالمية، المقرر انطلاقها في أيلول سبتمبر المقبل، والتي تعتمد قوانين دولية، فيما يجمع حي المال مصارف ومؤسسات استثمار وشركات تأمين في بقعة جغرافية واحدة، على شاكلة حي وول ستريت في نيويورك، تتوافر فيه الشفافية والمصداقية، إضافة إلى الملكية الكاملة. ردم الفجوة الزمنية بين الشرق والغرب وتراهن دبي في مشروعها هذا الذي رصدت له نحو 5.5 بليون دولار، على ردم الفجوة الزمنية لحركة المال بين الشرق والغرب، والإفادة من ثروة الأسواق الإقليمية، التي تقدر بأكثر من تريليوني دولار، في استقطاب الشركات العالمية التي تغريها السيولة أينما كانت. وما يعزز نجاح المشروع، في رأي القائمين عليه، هو توقيته الذي يأتي في وقت تقدم فيه منطقة الخليج على تحرير قطاع الخدمات، واعادة هيكلة بنيتها التحتية في مشاريع ستكلف بلايين الدولارات، فضلاً عن الخدمات المتطورة التي سيتيحها إنشاء مثل هذا المركز ليستقطب مؤسسات استثمارية وتمويلية عالمية وخبرات دولية. كما أن تحديات الإمارة تكبر مع ضخامة هذا المشروع. هذا ما قاله المدير التنفيذي للمركز عمر بن سليمان في مقابلة مع"الحياة"، لافتاً إلى ان"التحدي الأكبر الذي واجه المركز منذ الإعلان عنه أواخر 2002، هو الحصول على موافقة الحكومة الاتحادية بإنشائه، والتي استغرقت نحو عامين، تخللتها عملية إقناع مضنية للمسؤولين في الدولة بان القوانين الدولية للمركز لن تتعارض مع القوانين الاتحادية". وأضاف:"استطاع المركز تجاوز هذا التحدي، بصدور مرسوم يسمح بإنشائه واعتباره منطقة حرة، يمكنها صوغ قوانينها الخاصة بها". أعلن المصرف المركزي انه سيكون هناك تنسيق بين المصرف وادارة المركز، لضمان خلو حركة الأموال من عمليات الغسل أو تمويل"الإرهاب". الشفافية وقالت مصادر"المركزي"، ان المركز سيخضع للتفتيش بصورة"روتينية"، لأن القانون أجاز للمصرف دوراً رقابياً عليه، وتقديم تقرير إلى مجلس الوزراء مرة كل ستة اشهر. وعلى رغم ان التحدي الأكبر حسم أمره، فان مركز دبي المالي العالمي سيواجه تحدياً آخر مع إعلان كل من البحرين وقطر إنشاء مراكز مالية مشابهة. ولم ينكر بن سليمان ان المنافسة مع الدولتين الخليجيتين ستكون منصبة في الأساس على استقطاب الشركات الإقليمية. لكنه أشار إلى ان مركز دبي المالي العالمي، سيتفرد بتركيزه الدولي وبورصته التي ستغطي منطقة ممتدة من سنغافورة إلى فرانكفورت، وهي التي ستعمل على مدار الساعة مستفيدة من الفارق الزمن بين أسواق المال في الشرق والغرب. تعرض المركز خلال مرحلة الولادة، إلى أزمة كادت ان تودي به، حين شكك مسؤولان بريطانيان بعد استقالتهما من المركز بصدقيته قبل ان ينطلق، لكن القائمين على المشروع استطاعوا بدعم من القيادة السياسية في الإمارة، تجاوز هذه الأزمة واستعادة زمام الأمور، خصوصاً بعد انضمام سلطته المالية إلى هيئات عالمية، وانضمام كبريات المؤسسات المالية العالمية إليه. وقال بن سليمان ان المركز استطاع خلال اشهر معدودة ان يتخطى الأزمة كلياً، وقام بصوغ رزمة من التشريعات، وبناء بوابة حي المال، واصدار تراخيص إلى 35 مؤسسة مالية إقليمية وعالمية، انتقل بعضها للعمل في البوابة الضخمة التي تضم عشرات المكاتب. مرحلة التأسيس وأشار إلى ان هيئات المركز المختلفة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، تسابق الزمن حالياً، لاستكمال تشييد مباني حي المال، وتهيئة البنية التحتية للبورصة، والانتهاء من صوغ بقية التشريعات، وإنشاء محكمة متخصصة بفض النزاعات بين الشركات التي تعمل في إطار المركز. وأكد ان ثماني شركات إقليمية وأوروبية كبيرة، عرضت طرح أسهمها في بورصة دبي لدى انطلاقها، وان الهيئة التشريعية للمركز تدرس هذه الطلبات طبقاً لشروط التداول في بورصة دبي، مشيراً إلى ان المركز"لن يعرض سمعته للخطر بقبول شركات ليست على درجة عالية من الكفاءة". وتأتي في مقدم المعايير التي يقرر المركز في إطارها القبول أو الرفض، درجة شفافية الشركة في إصدار بياناتها وقدرتها المالية وقوانين إدارتها وكفاية العاملين فيها. وقال انه يمكن للشركات الأجنبية التي يتم تداول أسهمها في البورصات العالمية طرحها في بورصة دبي أيضاً، وهو ما يطلق عليه"دوبل ليستينغ"، لافتاً إلى ان إدارة مركز دبي ستقوم في مراحل لاحقة بربط البورصات المحلية والإقليمية في المنطقة ببورصته. أما"حي المال"، فيهدف إلى استقطاب أقسام الشرق الأوسط التابعة للمؤسسات المالية العالمية، وخصوصاً تلك المتعلقة بتمويل المشاريع الكبيرة، التي يكون مركزها عادة في أوروبا أو أميركا. ومن بين الشركات التي حصلت على تراخيص من المركز،"دويتش بنك"و"ميريل لينش"و"جوليوس بير السويسري"و"ستاندرد تشارترد". ولكن بن سليمان قال انه لا يريد قياس نجاح المركز بعدد الشركات، و"إنما بحجم البلايين التي سيضيفها للمنطقة في المستقبل"، على اعتبار ان"البيئة السليمة لحركة المال هي التي ستضخ البلايين لاقتصادات المنطقة في شكل عام".