سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" ترصد بعض "خطوات بناء الثقة"... و"استيراد" 15 الف طن من التفاح و"مرونة" مع المتسللين . مشاريع اعمار في الجولان السوري ل"اعادة انتاج" القنيطرة في العقيدة السياسية
بين الابتعاد عن مدينة دمشق والاقتراب من خط فك الاشتباك في الجولان السوري، تزداد القناعة بأن "شيئاً ما يحصل" في مدينة القنيطرة التي حرصت الحكومة السورية على ابقائها مدمرة، تماما كما تركتها القوات الاسرائيلية بعد انسحابها منها بموجب اتفاق فك الاشتباك الذي انجزه وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر بين دمشق وتل ابيب في ايار مايو عام 1974. لا تقتصر الحركة على بناء طريق سريع بأربعة مسارات لمسافة اكثر من ستين كيلومتراً بين عاصمة سورية وعاصمة الجولان المحتل، بل انها تشمل تشكيل لجان عليا ومتوسطة ودنيا لجمع المعلومات والاحصاءات لاعداد دراسة عن اعادة اعمار القنيطرة وبنيتها التحتية. لكن اللافت ايضا، هو تأكيد مسؤولين في "القوات الدولية لفك الاشتباك" يوندوف ان الاسرائيليين صاروا "اكثر مرونة" في التعامل مع سوريين حاولوا عبورالاسلاك الشائكة في الاسابيع الاخيرة. بل ان احد ضباط "يوندوف" قال ل"الحياة" ان اسرائيل وسورية وافقتا "من حيث المبدأ" على السماح لمزارع سوري من الجولان ب"تصدير" 15 الف طن من التفاح الى سورية، وان الاتصالات الجارية عبر الصليب الاحمر الدولي تتناول كيفية حصول ذلك من دون ابعاد سياسية سلبية. لكن يبقى "لغز" مشروع اعادة بناء القنيطرة الشغل الشاغل للاهالي، سواء ال35 شخصا الباقين في القنيطرة منذ انسحاب القوات الاسرائيلية منها قبل ثلاثة عقود او لنحو 60 الف نازح ينتشرون في القرى المجاورة التي اعيد بناؤها بعد حرب السادس من تشرين الاول أكتوبر 1973. ولأن دمشق لم تعلن رسميا أي شيء حتى الآن، تكبر كرة الاشاعات والتكهنات عن الابعاد السياسية لقرار كهذا الى حين يربطه البعض ب"صفقة" انجزها القطريون، تضمنت قيام دمشق باعادة الاعمار في اطار "خطوات بناء الثقة" وتأكيد الرغبة في تحقيق السلام في مقابل قيام اسرائيل بالانسحاب من 20 في المئة من القنيطرة لا تزال موجودة وراء الاسلاك الشائكة بما فيها فندق شهير كان قائما في المدينة قبل ثلاثين عاماً، وان الجانب القطري سيساهم في تمويل اعادة الاعمار بما في ذلك البنية التحتية المتضمنة شبكة صرف صحي ومياه عذبة وطرقات ومستشفيات ومدارس. لكن الامر المؤكد حتى الآن هو صدور "قرار رسمي" باعادة الاعمار وجمع المعلومات والاحصاءات لاعداد الدراسة الاقتصادية للمشروع. وفيما لم تحصل "الحياة" على تأكيد لموضوع وجود لجنة سياسية تضمن خمسة وزراء بينهم وزير الخارجية فاروق الشرع، اكد مسؤول في محافظة القنيطرة ل"الحياة" ان اربع لجان مركزية تشكلت وهي "لجنة تحديد موقع المدينة" و"لجنة السكان" و"لجنة تقدير الاضرار" و"لجنة التوثيق"، اضافة الى تسع لجان فرعية تشكلت حسب الاحياء التي كانت قائمة في المدينة. وهذه اللجان هي "العروبة" و"الشمالي" و"النهضة" و"الاستقلال" و"الجمهورية" و"النصر" و"الشهداء" و"الجلاء" و"التقدم". وبعد انتهاء هذه الدراسات والاحصاءات وجمع المعطيات يمكن تقدير كلفة مشروع اعادة الاعمار، الذي سيتراوح بين 150 و200 مليون دولار اميركي، يشمل بناء البنية التحتية وبين 20 و25 الف منزل او وحدة سكنية. وقال محمد خنيفس علي مدير العلاقات العامة ل"الحياة" ان عدد النازحين يبلغ 410 الاف شخص موزعين على المحافظات السورية بينهم 30 الفا في "مخيم الوافدين" في وسط البلاد، اضافة الى نحو 60 الفا في القرى التي عمرت في القسم المحرر بعد حربي 1967 و1973. واذ يؤكد "عملية جمع المعلومات ونحن الان في مرحلة تدقيق المعطيات قبل الوصول الى نتائج رسمية حيث ان كل لجنة من لجان الاحياء تضم عشرة اشخاص للتعرف على اصحاب الطلبات، ذلك ان عدد اهالي مدينة القنيطرة يبلغ بين 150 الفاً"، يتردد خنيفس في الحديث عن مشروع اعادة الاعمار لانه "حساس وله ابعاد سياسية"، مع العلم ان الحكومة السورية اعتادت تنظيم جولات للزوار الرسميين والاعلاميين الى القنيطرة لمعاينة "الوحشية الاسرائيلية". وكانت مصادر سورية رفيعة المستوى اكدت ل"الحياة" وجود "قرار رسمي باعادة الاعمار مع ترك بعض المواقع الرمزية المؤثرة كشاهد على الدمار مثل الكنائس والمساجد والمدارس". لكن خنيفس علي يقول وهو بين البيوت المدمرة: "لو كان الامر لي لتركت حيا كاملا مدمرا"، بعدما اشار الى "ان لجنة تقصي حقائق دولية اكدت ان عملية التدمير كانت متعمدة سواء باستعمال البلدوزرات او المتفجرات". وتبلغ مساحة الجولان السوري 1860 كيلومتراً مربعا، ولا يزال 1260 كيلومترا منها تحت الاحتلال حيث يعيش نحو 20 الف سوري في خمس قرى اكبرها مجدل شمس ذات الخمسة الاف نسمة، في مقابل نحو 20 الف مستوطن موجودين في اكثر من 40 مستوطنة اكبرها "كيتسرين" التي بنيت على انقاض بلدة قصرين بعد احتلالها العام 1967. وتكتسب القنيطرة اهمية استراتيجية ذلك انها تعتبر نقطة تلاق بين حدود الدول المجاورة، اذ انها تبعد عن دمشق 67 كيلومترا وعن الاردن 60 كيلومترا وعن جسر بنات يعقوب الفلسطيني 30 كيلومترا وعن الحدود اللبنانية نحو 20 كيلومترا. كما ان الجولان يضم اعلى نقطة في سورية وهي قمة حرمون ذات ال2814 مترا واخفض نقطة وهي تلك الواقعة قرب بحيرة طبرية على انخفاض 212 مترا تحت سطح البحر ما يجعل منه منطقة سياحية مهمة ومصدرا مهما للمياه بأمطاره، اضافة الى البعد الديني ذلك ان بولس الرسول مر بالقنيطرة خلال رحلته من القدس الى دمشق، الامر الذي دفع البابا يوحنا بولس الثاني الى زيارة كنيسة الروم الارثوذذكس خلال زيارته سورية في ايار مايو 2001. مطعم ينتظر زبائن من 30 سنة ويتوقع ان تساهم كل هذه العوامل في جعل القنيطرة والمناطق المجاورة وجهة مهمة للسوريين والنازحين بعد اعادة الاعمار، الامر الذي شجع العاملين في مطعم "برج القنيطرة" على ترميمه وصرف مبالغ طائلة استعدادا لقدوم الاف الرواد. وبعدما قال مدير المطعم حلمي سلمان سطوف ان محافظ القنيطرة نواف الفارس ابلغه "ستربح قريبا الكثير من الاموال"، يشير الى انه يخسر حاليا لانه يصرف 600 دولار شهريا كأجور للعمال فيما لم يستطع توفير اكثر من 500 دولار الشهر الماضي. لكن "بعدما رممنا المطعم صرنا مستعدين لاطعام مئتي شخص دفعة واحدة"، علما انه ربما تمضي ايام دون ان يدخل احد الى مطعمه الكبير الذي تحاذي الاسلاك الشائكة الموجودة بموجب اتفاق فك الاشتباك جدران حديقته. ولا يقتصر "لغز" اعادة اعمار القنيطرة على النازحين والسوريين وحسب، بل انه شمل الجنود العاملين في قوات "يوندوف" التي تضم 1250 جنديا من النمسا 367 جنديا وبولندا 358 وكندا 191 وسلوفاكيا93 واليابان 45 ينتشرون 30 موقعا ومعسكرين بينهما "معسكر الفوار" الذي يضم قيادة القوات الدولية، علما ان مشاورات تجري لاحتمال انتشار قوات اوكرانية بدلا من الجنود الكنديين. وبعدما يشير الضابط ستيفان ماي مسؤول الاعلام الى وجود معلومات اولية من ان "شركة اميركية ستبني مستشفى في القنيطرة، وان عملية اعادة البناء ستقوم بها شركة يابانية مع ترك كنسية وجامع مدمرين، وان العملية ستبدأ من ضيعة تقع خارج المدينة"، يؤكد ل"الحياة" في مكتبه في "معسكر الفوار" وجود "قرار رسمي سوري باعادة الاعمار وان الناس يذهبون لتسجيل المعلومات في المحافظة". واذ يكرر ما سمعه من مسؤولين اسرائيليين ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون "غير مهتم حاليا بالسلام مع سورية لانه يريد حل مشكلة الفلسطينيين"، يشير الى حصول "بعض المرونة" في الفترة الاخيرة كان بينها ان "الاسرائيليين عجلوا اعادة فتاتين ومراهقين عبروا الاسلاك الشائكة الى القسم المحتل، الى السلطات السورية، وان آخر عملية تسلل حصلت في 28 الشهر الماضي عندما قام مراهقان بعبور الاسلاك حاملين اقلامهم المدرسية وما يساوي عشرة دولارات، ذلك ان السلطات الاسرائيلية سلمتهم الينا خلال سبع ساعات فقط". وكانت القوات الاسرائيلية اطلقت النار في ربيع العام الماضي على ثلاثة جنود سوريين اعتادوا على جلب مياه الشرب من نهر يقع في المنطقة العازلة جنوب الجولان، ما ادى وقتذاك الى ضجة سياسية واعلامية وصلت الى الاممالمتحدة. وفي مقابل هذه "المرونة" في الاسابيع الاخيرة، يلاحظ الضابط ماي ان في الجانب السوري "حركة اجرائية على الارض شملت بناء طريق سريع من خان ارنبة الى القنيطرة، وترميم المطعم، وبناء فيلات وزراعة حقول"، الامر الذي شجع بعض العاملين في "يوندوف" على الاعتقاد بأن الحكومة السورية "تعيد انتاج القنيطرة في العقيدة السياسية". وفي الوقت نفسه "فوجئ" الضابط النمسوي ماي ان الطرفين وافقا خطياً "من حيث المبدأ" على السماح لمزارع سوري بارسال 15 الف طن من التفاح الى سورية. ويوضح: "عندما تسلمنا الطلب، قال رئيس القوات الدولية الجنرال بالا شارما من نيبال اننا سنوافق على تسهيل المهمة اذا وافق الطرفان". لكن سرعان ما اكتشف خبراء العمليات في هذه القوات ان "ليست لنا مهمة سياسية. مهمتنا فقط الحفاظ على تطبيق اتفاق فك الاشتباك. لسنا قوات جمارك او حدود لتسهيل نقط هذه البضاعة". وعندما عرف خبراء القوات الدولية ان مبرور 15 الف طن من التفاح يعني عبور بين 500 والف شاحنة ترددوا في تسهيل العملية، اضافة الى تحفظات سياسية لان "الخط القائم هو موقت لفك الاشتباك وليس حدودا دولية"، الامر الذي يرجح حصولها عبر الاردن اذا كان ذلك مفيدا من الناحية الاقتصادية. يشار الى ان الصليب الاحمر يسهل عمليات حصول نحو عشر حالات زواج سنوياً من فتيات سوريات بأقاربهن في القسم المحتل، ومرور نحو 300 طالب "جولاني" يدرسون في الجامعات السورية ونحو 300 من الشيوخ الدروز الذين يزورون اماكن مقدسة في الوطن الام. لكن الصورة اكثر تعقيدا من هذه الاشارات الاجرائية المتناقضة احيانا ما يجعلها "صعبة الفهم" على جنود القوات الدولية وبينهم الضابط ماي. اذ ان حريقا نشب في اعشاب يابسة قبل اشهر خلال مناورة عسكرية قامت بها القوات الاسرائيلية، ادى الى تفجير 56 لغما قرب القنيطرة بين ملايين الالغام الموجودة سواء في المنطقة العازلة او في المناطق الواقعة على جانبي خط وقف الاشتباك، مع سقوط ثلاثة جنود في عملية جديدة لزرع الالغام. كما ان الخرائط الرسمية في مبنى المحافظة لا تزال تشير الى اسرائيل على انها "فلسطينالمحتلة" بينما يعتقد اسرائيليون ان "سورية تريد رمينا في البحر"، اضافة الى عدم سماح السوريين للجنود الدوليين العبور بوثائق تضم أي ختم اسرائيلي. أي هناك اجماع على وجود قرار باعادة بناء القنيطرة، لكن التفسيرات مختلفة في خلفية هذا القرار. اذ يعتقد رئيس اركان "يوندوف" الجنرال اندرياس سفاندميلر بأن "سورية تريد رفع شعبية الجولان في البلاد" قبل ان يشير الى ان اعادة الاعمار "لا علاقة لها باتفاق السلام، طالما ان الاتفاق الوحيد الموجود هو اتفاق فك الاشتباك وان الطرفين لا يزالان رسميا في حال حرب". ويضيف ل"الحياة" ان القوات الدولية "مهتمة بالقرار وتنفيذ المشروع لانه سيؤثر في عملنا بسبب وجود احد المقرات في داخل القنيطرة".