اتخذ البابا يوحنا بولس الثاني امس خطوة سياسية جريئة باحيائه قداساً في مدينة القنيطرة المدمرة في حضور نحو عشرة آلاف شخص من الذين نزحوا عن الجولان بعد الاحتلال الاسرائىلي في العام 1967. في كنيسة الارثوذكس، احد الابنية القليلة التي نجت من التدمير الاسرائىلي قبل اعادة القنيطرة الى سورية بموجب اتفاق فك الاشتباك في العام 1974، وفي مقابل تلة "ابي الندى" احد المخازن العسكرية والامنية لاسرائىل، اقام البابا قداس السلام وصلى من اجل ان يتحقق "السلام العادل" في الشرق الاوسط، مستذكراً "ضحايا" الاراضي الفلسطينية المحتلة ورضيعة فلسطينية قتلها القصف الاسرائيلي امس. وقال :"طوبى لصانعي السلام فانهم ابناء الله. من هذا المكان الذي دمرته الحرب وشوهته ارفع صوتي ضارعاً ومصلياً من اجل السلام في الاراضي المقدسة والعالم اجمع". وزاد :"ان السلام الحقيقي هو عطية من الله وانفتاحنا لهذه العطية يتطلب اهتداء القلب"، داعياً شعوب منطقة الشرق الاوسط الى "تحطيم جدار العداوة والحروب وبناء عالم العدالة"، قائلاً:"ايها الرب، يا من خلقت سماوات جديدة وارضاً جديدة، اليك نعهد بشبيبة هذا البلد التواقة الى مستقبل اكثر اشراقاً شدد عزيمتهم ليكونوا رجال ونساء سلام في المستقبل". ودعا "قادة المنطقة الى ان يسعوا جاهدين الى تلبية تطلعات شعوبهم والسير في طريق العدل والسلام. ونصلي بنوع خاص من اجل قادة ارض سورية النبيلة، اعطهم يارب حكمة وبعد نظر ومثابرة لتبقي عزيمتهم قوية ازاء تحديات مسؤولياتهم لبناء سلام عادل يتوق اليه شعبهم". وكانت زيارة البابا للقنيطرة مناسبة لتحليق ثلاث طائرات سورية فوق الجولان للمرة الاولى منذ العام 1974، عندما انجز وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر اتفاقاً لفك الاشتباك بين سورية واسرائىل تضمن اجراءات امنية وانتشاراً محدوداً للجيش باستثناء تحليق الطائرات العسكرية. وامكن تحقيق هذه السابقة عبر "قوات الاممالمتحدة لفك الاشتباك" يوندوف. وقال نائب رئيس القوات الجنرال البولوني كواليستشك ل"الحياة" ان: "السلطات السورية اجرت اتصالات معنا قبل ايام وقمنا بدورنا مع الاسرائىليين بترتيب" تحليق ثلاث طائرات مروحية خاصة بالاجرات الامنية والتغطية التلفزيونية والاسعاف الطبي. وزاد :"تلقينا تأكيداً بالنسبة الى ذلك من جانب الاسرائىليين" يوم اول من امس. ورافقت هذه الطائرات بتغطية تلفزيونية مباشرة لموكب البابا بين دمشقوالقنيطرة 65 كيلومتراً، ما شكل فرصة له كي يشاهد آثار الدمار الاسرائىلي على المدينة. وكانت تلك مناسبة للسلطات السورية كي تنقل "مشاهد العدوان" الى ملايين الناس عبر وجود نحو مئتي صحافي عربي واجنبي وقيام عشرات المحطات الفضائية بنقل القداس. وكشف مسؤولون سوريون ل"الحياة" في دمشق "سراً يذاع للمرة الاولى" مفاده ان شركة اميركية قدمت في العام 1974 عرضاً للرئيس الراحل حافظ الاسد لاعمار المدينة بهبة مقدارها 200 مليون دولار اميركي "لكن الاسد رفض العرض كي يتركها شاهداً على الوحشية الاسرائىلية وكي يترك الصراع مفتوحاً امام الاجيال المقبلة". ولعبت لجنة تنظيمية من وزارتي الاعلام والخارجية دوراً كبيراً في جعل زيارة البابا للقنيطرة "مفيدة سياسياً"، فقدمت منشورات وكتباً واشرطة فيديو خلال انتقال الصحافيين لتغطية الحدث. وقال رئيس فرع حزب "البعث" الحاكم في المدينة فرحان عبد الله ل"الحياة" ان الزيارة ستعطي البابا فرصة كي "يشاهد هذه المدينة الشهيدة التي دمرت عن عمد وليس بفعل الحرب"، فيما قال المطران الارثوذكسي سابا اسبر ل"الحياة" :"اني سعيد لان الصورة ستنقل لتترك اثراً اكبر من آلاف الكلمات ليعرف الناس ان هذه المنطقة تقع تحت الظلام واهلها مشردون". لكن الاجراءات الامنية على الارض وتدافع الحاضرين ادت الى تغيير في برنامج الزيارة، اذ منع عدد من مشوهي حرب 1967 من الوصول الى المنصة الرئيسية ولم يتمكن محافظ المدينة هلال الاطرش من القاء خطابه كما كان مقرراً، في وقت حافظ موظفون محليون على انتصابهم في اماكنهم رغم تدافع الناس للوصول الى البابا. وكان مقرراً ان يقدم اليه غرسة زيتون ليسقيها امام الكاميرا. وقدمت الطفلة لين دوغوظ كتاب عن تاريخ القنيطرة ورسالة خطية الى البابا قرأتها له باللغة الانكليزية، وجاء فيها :"اننا واثقون بمساعدتكم لنا من اجل ان تعود الحياة الى مدينتنا الجميلة التي كانت تلقب بزهرة الجولان". كما سلمته هدية ابو زيد رسالة من امهات معتقلي الجولان في السجون الاسرائىلية ل"التدخل لدى السلطات الاسرائىلية المحتلة كي تسمح لنا بزيارة ذوينا ووطننا وان ننهي ستارها الحديد كي تقر العيون برؤية الاحبة". ووسط اقبال الحاضرين على البابا، بذل مرافقوه من الحرس الجمهوري جهوداً كي يوفروا له الحماية والانتقال الى السيارة عائداً الى دمشق، وهو يغادر صباح اليوم الى مالطا.