وكنت ساعتها اسمع صوت عفاف راضي تغني أغنية يذيعها الراديو كل يوم - أريد أن أرجع لبيتي أدخل سريري وأدفن رأسي تحت اللحاف الذي غيرت لي أمي ملاءته ليلة أمس والمرسم طويل بارد البلاط وزملائي تبدو وجوههم في ضوء منافذ المرسم مثل قطع من الصحراء يعلوها الرمل والثلج. وعبر زجاج النوافذ المعدنية لا يبدو في الأفق سوى حديد مصنع على آخر النظرة وسماء حيادية تماماً اطفىء نور منضدتي وتبدو الزهور المرسومة على الورق الشفاف مصلوبة مثل فراشات ميتة، من سيرتدي هذه الزهرة قالت المشرفة إن هذه آخر فرصة وأنا فقط أحن لملمس زهرة صفراء يبيعها رجل ودود الملامح يفرش أمام سور الكلية ولا يكف عن الابتسام ورش الورد بالماء ولأنفاسها رائحة الوسادات القديمة. عيون المشرفة حادة مثل منظار رسم يبرقش وجهي يقع من الخيبة. بقع ملأت جيبي ومقدمة أنفي واخترقت نظارتي ونشعت على القلب فتذكرت كل خيبات العمر. وكنت قد لملمت اشيائي وركبت السيارة التي تمر على الاسفلت الشريطي بين صحراوين والشمس تشرق من عند نافذتي ومن عندها تغرب فلا استطيع فتح عيني، وفي ضباب التشكيلات تحت الجفون المغلقة كان وجهي مستسلماً تماماً لاضطرام الأحداث التي مرت. شكل الزهور الطائرة بفعل هواء جميل بجوارها ستارة حمراء سرقت من أجلها انبوبة اللون من زميلتي الثرية، رائحة ملابسي وسط زحام الاوتوبيس كنت اشعر بالزهور والناس غير مصدقة ان تنبع رائحة التربنتين وزيت الكتان ومذيبات الالوان من بنت هادئة هكذا، وزملاء سيارة العمل يدفعون اقساط الجمعية ويتساءلون عن موعد صرف الاجر الاضافي، افتح عيني واتشاغل بقراءة اللافتات على جانبي الطريق، رمل ممتد ولافتات وقلب استلم العمل في الشركة من عشرة أيام، قبلها كان يطير بلا نظام وعيون المشرفة تدفعني في اتجاه حجرتي وسريري ومسلسلات التلفزيون وقراءة التعويذات التي تطرد الكوابيس فأمر على حجرة الخزينة، يخرجون مظروفاً أملس نائماً فوقه اسمي وفي داخله كافة المستحقات فأشم رائحة الاغطية المتسخة، امسح وجهي ببطء وأعود لصوت عفاف راضي قبل أن اسأل لماذا يذيعون الاغنية ذاتها كل يوم.