بدا حال اجتماعات هيئة قيادة "التجمع الوطني الديموقراطي" السوداني المعارض في أسمرا، مثل حفل عرس من دون وصول العريسين على رغم حضور المدعوين والمطربين، كما أظهر تأجيلها مرتين عن موعدها المقرر يوم الأحد الماضي بسبب عدم وصول زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" جون قرنق لأسباب تقول مصادر الحركة إنها "فنية" تتعلق بانتقاله من الولاية الاستوائية في جنوب السودان إلى أسمرا. وتسرب الملل إلى نفوس حلفاء قرنق في "التجمع" الذين تسابقوا في الوصول المبكر إلى العاصمة الاريترية للاستماع إلى ما سيقوله عن اجتماعه المفاجئ مع الرئيس عمر البشير في كمبالا. وبدأت التكهنات تتردد عن مصير تجمع المعارضة الذي يقف في مفترق الطرق في ردهات فندق "السلام" الذي شهد صدور قرارات مؤتمر أسمرا التاريخية في العام 1995. وتسبب اقتراب موعد جولة المفاوضات المرتقبة بين الحكومة السودانية وحركة قرنق في الثاني عشر من آب اغسطس الجاري في لقاءات مكثفة وتحركات مكوكية بين فصائل التجمع، أبرزها لقاء زعيم المعارضة السيد محمد عثمان الميرغني مع الرئيس الأريتري أساياس أفورقي بهدف تقريب وجهات النظر واحتواء بؤر التوتر بين الحلفاء قبل بدء الاجتماع التاريخي والأهم في مسيرة التجمع الوطني منذ اجتماع العام 2000 الذي خرج فيه حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي من "التجمع"، وقرر العودة إلى الخرطوم. وأكد قريبون إلى الميرغني أن أفورقي "وعد انطلاقاً من وضع اريتريا في المنظمة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا ايغاد ببذل جهود لتوسيع قاعدة المشاركة وضم التجمع الوطني إلى طاولة المفاوضات لضمان حل شامل للأزمة السودانية". وتقول المصادر ان أفورقي طلب من المعارضين "التمسك بوحدة التجمع الوطني"، وانه "إذا رأى المعارضون توجيه انتقادات إلى اتفاق الخرطوم وقرنق، فلتكن بصورة هادئة". وتعتبر أسمرا، الحليف الرئيسي ل"التجمع"، أن الاتفاق "خطوة مهمة في الطريق الصحيح وتعيد الطريق نحو الحل السياسي الشامل". وتضاربت المعلومات في شأن أنباء عن طلب أفورقي من المعارضين ارجاء الجلسة الافتتاحية إلى حين حضور قرنق، إلا أن مصادر اريترية نفت أن يكون أفورقي طلب ذلك. وكان هناك تيار يؤيد بدء الاجتماعات على أن يلحق بها قرنق. وقدمت الدعوات إلى ممثلي البعثات الديبلوماسية في أسمرا وإلى الصحافيين الأجانب. واللافت العدد الكبير للصحافيين الذين يمثلون عدداً من الصحف والوكالات والقنوات التلفزيونية، بما في ذلك "التلفزيون السوداني الحكومي"، الذي يبرر حضوره بتغطية احتفالات اريترية، إلا أن مصدراً في التلفزيون السوداني أكد أنه أيضاً "في انتظار لقطة لقرنق وهو يدخل ردهات فندق السلام". وبدأت سحب الخلافات تتصاعد احتجاجاً على "الاتفاق الثنائي" الذي استبعد بقية القوى السياسية من المشاركة. واعتبر بعضهم ذلك مدخلاً إلى تقسيم السودان بعد الفترة الانتقالية التي تستمر ست سنوات، ويرى آخرون أن سياسة العصا والجزرة الأميركية هي التي أجبرت الطرفين على الاتفاق بسبب مصالح واشنطن في النفط السوداني. ومع اقتراب بدء الجولة المقبلة من المفاوضات، تتزايد المخاوف وترتفع حمى الشكوك والخلافات وتباينات المواقف. وأعلن قرنق "تمسك الحركة بصيغة تضمن مشاركة كل القوى السياسية في جولة المفاوضات المقبلة"، لكن الرئيس عمر البشير رفع ورقة حلفائه من الجنوبيين في الخرطوم من المعادين لقرنق، ودعا إلى مشاركتهم في التفاوض. وتشير المصادر إلى أن "التجمع" سيركز على بلورة موقفه النهائي من الاتفاق مع العمل لإنجاح مساعي مشاركته في المفاوضات. ويرفض بعض الأطراف صيغة المشاركة بصفة مستشارين لوفد قرنق ومنها الحزب الشيوعي السوداني الذي قال الرجل الثاني فيه التجاني الطيب: "لن نقبل بصدقة من أحد ولن نقبل أن نكون ملحقين. فنحن اصيلون في القضية السودانية". إلا أن التكهنات تشير إلى أن الاجتماع قد يخرج بصيغة وسط هي ارسال وفد تشاوري من "التجمع" تكون آراؤه وأفكاره مرجعية لقرنق. وتؤكد المصادر أن صيغة المشاركة هي نقطة الخلاف الساخنة، خصوصاً أن محاولات قرنق تصطدم بصخرة الرفض الحكومي. وتقول المصادر إن الرئيس الأوغندي يويري موسفيني هو الذي طرح الصيغة التشاورية. وسط كل هذه الأجواء، بدأت هيئة قيادة "التجمع الوطني" اجتماعاتها في فندق "السلام" في أسمرا في غياب قرنق، وكان آخر الحضور مبعوث رئيس حزب "الأمة" الدكتور إبراهيم الأمين الذي أراد التنسيق، وعرض ميثاقاً على "التجمع" بعدما وجد الحزب نفسه في منزلة بين منزلتين لم يجن منها سوى التهميش والتصدع ليقف في مفترق الطرق. وستكشف أحداث اليومين المقبلين المصير الحقيقي ل"التجمع"، فهل سيشارك في التفاوض، أم يكتفي بدور المستشار، أم يخرج من المولد من دون حمص؟