تفرض "مباراة الصدمة" بين الملاكم البريطاني لينوكس لويس بطل العالم في الوزن الثقيل تصنيف المجلس العالمي والاتحاد الدولي و"ملك" هذا الوزن سابقاً الأميركي مايك تايسون، اليوم في الهرم المعدني الضخم في ممفيس بولاية تينيسي الأميركية، وجودها وتكسب مكاناً بارزاً في النشاط الدولي حيث تتركز الأنظار حالياً على كأس العالم لكرة القدم في كوريا الجنوبية واليابان معاً، وخير دليل على ذلك وجود مئات من الصحافيين الأجانب لتغطية هذه المباراة الكبيرة التي بيعت بطاقاتها ال19185 في ساعات قليلة محققة المدخول الأعلى عالمياً والذي فاق ال23 مليون دولار، وسيحصل كل من الملاكمين على 20 مليون دولار. وستكون الفرصة متاحة أمام لويس وهو في سن السادسة والثلاثين لكسب قسط من الاحترام لم يستطع تحقيقه حتى الآن في الولاياتالمتحدة، كما أنها الفرصة الاخيرة لتايسون الذي يصغره بسنة واحدة، لتلميع صورته كملاكم، والذي يرفض فكرة الاعتزال أملاً في جني ملايين أخرى تعينه على تسديد الديون المتراكمة عليه لشبكة "شوتايم". وشكّل تايسون "ظاهرة نفسية" تستحق الدراسة والتحليل بسبب تصرفاته المثيرة للجدل، وتقول المصورة ليزا كاربنتر المقيمة في نيويورك والتي تابعت آلاف المؤتمرات والمناسبات الخاصة بالملاكمة انها لم تصادف شخصاً عنيفاً وهيستيرياً مثل تايسون. ويدرك لويس جيداً "المأزق" الذي يواجهه ويعتبر منافسه "شخصاً في حاجة للعناية والمعالجة، ولا ضرورة ان يلاكم، لأنه قد يحوّل سريعاً أي مباراة الى صراع أزقة، انه مجنون وخطر على المجتمع...". ويردّ تايسون في مجالسه وفي لحظات "صفاء"، انه طوال حياته كان مُحارباً ومكروهاً "لذا لا أثق بأحد. أنا وحيد وسأنتهي وحيداً". ووسط الحال السوداوية التي تغلّف تصرّفات "المطرقة السابقة"، يؤكد خبراء اللعبة ان مواجهة ممفيس قد تكون المنافسة الأخيرة لتايسون، "الملاكمة صنعت مجده، وهي المهنة الوحيدة أو الحرفة التي يتقنها، انه في حاجة ماسة الى المال، ولولا الموافقة اخيراً على السماح له بالعودة الى الحلبات، لظلّ عاطلاً من العمل". ويتناول والاس مايتوز احد الصحافيين الاخصائيين في نيويورك بوست، تايسون في تحليلاته ومقارناته فيوافق كثراً في نظرتهم اليه "انه من دون شك هذا المخلوق الحيوان الفظّ والأبله، لكنه في المقابل لا يعرف الرياء ولا يظهر بوجهين، ولا عجب ان كانت تصرفاته تعجب الجمهور وتحرّك غرائزهم لأنهم يفضلونه في صورته الشرسة والقاسية. انه ماكينة في أيدي مستثمرين يشجعونه على ذلك، لحصد الأموال...". لقد أوقف تايسون في السابق واتهم وحوكم وأدين بالاغتصاب وتعاطي المخدرات... وسعى الى كسر يد منافسه فرانس بوتا، وانهال على منافسين آخرين ضرباً وهم مطروحون ارضاً، وتعدّى على الحكام والصحافيين، وقضم أذن ايفاندر هوليفيلد، وهاجم لينوكس لويس في مؤتمر صحافي جمعهما في مطلع هذا العام... ولعل هذه الوقائع تستحق التوقف عندها والتبحّّر في أسبابها، علماً انه كان قبل عشرة أعوام ملاكماً أكثر منه شخصاً مثيراً للمتاعب الى ان تحوّل "مسخاً تلفزيونياً" يولّد مشاعر الحقد والغضب والاشمئزاز كلها". ولعل الحقيقة الساطعة ان لويس بمفرده أو غيره من ملاكمي المقدمة لن يهموا احداً، بينما يبقى تايسون عامل الجذب الرئيس وأفضل "بطل" متوافر حالياً لتأدية هذا الدور. وإذا كان تايسون لا يعرف الرياء والخبث، فان بعض المحللين النفسيين يعتبرون ان شخصيته مزدوجة "انه دكتور جيغل ومستر هايد. هو الهادئ الودود والمتحوّل الى حاقد وانتهازي!". وطبعاً يبقى لظروف نشأته انعكاساتها، بدءاً من ولادته وترعرعه في "غيتو الحرمان" خلال طفولته والتفكك الذي أصاب أسرته. وكان دائماً مصدر تعاسة لعائلته وزوجتيه روبن جينفر ومونيكا تورنر، حتى أنه تخلّص من الاشخاص الذين أرادوا مساعدته ومصلحته أمثال مدربه طومي بروكز الذي طرده في مطلع هذا العام! لقد اختلفت أحوال تايسون رأساً على عقب منذ خسارته الاولى على يدي جايمس باستر دوغلاس في طوكيو في شباط فبراير 1990... وبات متقلباً لا يهدأ على قرار، متطيراً يشك في الجميع ولا يعرف الأمان والراحة. ويؤكد مدير أعماله السابق وصديق طفولته رودي هولواي ان مباراة اليوم "هي العراك الوحيد الأساسي لتايسون. انها مسألة حياة أو موت، وهو في حاجة ماسة الى من يأخذ بيده بصدق". هل يملك تايسون حافز الفوز "النظيف" اليوم أم ينقلب شرّه عليه وهو الهادف أساساً الى كسر فك منافسه؟ ولكنه يبقى البطل بوجهين الأبيض والأسود... الأفضل والأسوأ. عموماً، لا يمكن التنبؤ مسبقاً بنتيجة المباراة المقررة من 12 جولة، ولا يستبعد "معسكر" تايسون ان تنتهي بضربة قاضية وتوقع لها الا تستمر أكثر من 5 جولات كحد أقصى. وأكد تايسون 55،105كلغ انه جاهز لسحق لويس "للانتهاء منه"، لكن مشكلته تكمن في أنه لم يخض سوى 19 جولة في السنوات الخمس الأخيرة. من جانبه، يرى "معسكر" لويس 17،112 كلغ ان بطله سينهي المباراة قبل الجولة الاخيرة مستفيداً من ضخامة جسمه طوله 96،1م في مقابل 78،1م لتايسون، وأكد لويس بنفسه "سيكون تايسون بمثاية حبة الكرز على قطعة الحلوى في مسيرتي". لكنه كمنافسه ليس خالياً من نقاط الضعف، ولم يُعرف ما اذا كان يعاني من الارهاق واذا ما كانت ذقنه المعروفة بأنها سريعة العطب ستتحمّل اللكمات الصاروخية لتايسون. لكن مراكز المراهنات في لاس فيغاس تتوقّع استبعاد تايسون على أساس ان تكون ردود فعله كحيوان كما فعل في السابق أمام ملاكمين آخرين.