تواجه الشركات الاميركية ومنتجاتها الاستهلاكية والكمالية ضغوطاً كبيرة وواسعة في الاسواق الخليجية وعدد من الاسواق العربية. وهذه الضغوط هي الاقوى من نوعها منذ قيام العلاقات التجارية بين الجانبين، وسط قلق اميركي من ان تمتد هذه الضغوط الى بعض الاسواق الاسلامية النشطة في مجال الاستهلاك ما دفع عدداً كبيراً من الشركات الاميركية وممثليها في المنطقة العربية الى تنظيم حملات اعلامية واعلانية للحد منها. وقُدرت خسائر الشركات الاميركية على مدى الشهر الماضي، ونتيجة الحملات الشعبية والدعوات ونشر لوائح عبر الانترنت، بما يصل الى 200 مليون دولار. دبي - "الحياة" - الضغوط الجديدة التي تواجهها السلع الاميركية تختلف عما شهدته في الاعوام السابقة وهي لا تتعلق بالمنافسة من قبل المصنعين الأوروبيين او الآسيويين او اليابانيين، وغير مرتبطة بسعر صرف الدولار في مواجهة عملات الدول المنافسة، بل لكونها ضغوط شعبية، بسبب الانحياز الاميركي الكامل للدولة العبرية في المذابح التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة. ومنذ الهجمة العسكرية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين قبل ما يزيد على الشهر، ارتفعت الاصوات الشعبية بالدعوة الى وقف التعاون الاقتصادي مع الولاياتالمتحدة عبر مسارين، يتعلق الاول بوقف امدادات النفط، والثاني بمقاطعة البضائع الاميركية، وفي حين ان الاول لم يلق استجابة تذكر بسبب ارتباطاته السياسية بين الحكومات، والفنية المتعلقة بسوق النفط في العالم، الا ان المسار الثاني بدأ بتحقيق بعض النجاحات لان ارتباطاته شعبية لا تحتاج الى قرارات ذاتية وقناعات داخلية من قبل المواطنين العرب. ويبدو ان الدعوات التي اطلقتها المنظمات الاهلية والفعاليات الاجتماعية عبر الفضائيات العربية وفي التظاهرات التي عمت الشارع العربي في الاسابيع الماضية، اخذت تلقى استجابة من شرائح المستهلكين، وبدأت الشركات الاميركية تلمسها بوضوح للمرة الاولى منذ عقود عدة. وهذه الاستجابة اكبر من سابقاتها في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي وانحياز الولاياتالمتحدة الى الجانب الآخر، اذ ان شعار "قاطعوا البضائع الاميركية" بات يلاحق المستهلكين العرب خصوصاً الخليجيين منهم عبر وسائل عدة، من شبكات التلفاز الى وسائل الاعلام المكتوبة الى وسائل الاتصال الحديثة المتمثلة بالبريد الالكتروني والرسائل المكتوبة عبر الهواتف النقالة. وقالت مصادر تجارية اميركية في دبي ل"الحياة" ان الازمة الحالية التي تتعرض لها السلع الاميركية في الاسواق العربية والخليجية تحديداً هي الاكبر من نوعها بل انها الاكثر تأثيراً، اذ لوحظ انخفاض المبيعات بنسب متفاوتة بين القطاعات تراوح بين 10 و150 في المئة في الاجهزة الاكترونية والكهربائية والسيارات، وبين 30 و40 في المئة في قطاع الغذاء المتمثل في المشروبات والوجبات السريعة ومتاجر الامتياز. واضافت: "يمكن القول ان الشركات الاميركية وممثليها في المنطقة يمرون في ازمة، لا نعرف حتى الآن الى متى ستستمر، فقد بدأت منذ شهر وهي تتزايد، وهي فترة طويلة مقارنة بالدعوات السابقة لمقاطعة البضائع الاميركية التي لم تكن تتجاوز بضعة ايام". مشيرة الى ان الافراد واللجان التي تقف وراء دعوات مقاطعة البضائع الاميركية وزعت في عدد كبير من البلدان قوائم بالشركات الاميركية والسلع المطالب بوقف التعامل معها وباتت تضع قوائم سلع بديلة منتجة في اوروبا او في آسيا. وقال ممثل احدى الشركات الاميركية ان عدداً من السلع التي يجري تداولها في دول الخليج ومصر وشمال افريقيا تحمل معلومات مغلوطة من السهل ضمن الاجواء الشعبية الحالية تصديقها، وهي قيام هذه الشركات الاميركية بتخصيص جزء من مبيعاتها لدعم الدولة العبرية، او ان ملكية هذه الشركات تعود الى اصول يهودية، او حتى ان هذه الشركات بالكامل هي اسرائيلية الاصل اميركية المنشأ. وقالت مصادر تجارية اميركية في الخليج ل"الحياة" انه امام الحملات الشعبية لمقاطعة البضائع الاميركية اضطرت مجالس العمل الاميركية في بعض الدول الخليجية الى الطلب من الشركات تزويدها بتقديرات خسائرها الاخيرة، لإعداد تقرير موسع عن حجم الاضرار التي لحقت بها، لرفعها الى الادارة الاميركية، لتكون في صورة حقيقية للوضع الذي يُخشى ان يتفاقم. وعلى رغم تقليل البعض للخسائر التي لحقت بالسلع والخدمات الاميركية في المنطقة، وضآلة حجم السوق العربية بالنسبة للصادرات الاميركية الى العالم، الا ان تأثيرها مضاعف كونه يتزامن مع ضعف الاقتصاد الاميركي في الوقت الراهن والصعوبات التي تعاني منها الشركات الاميركية الكبيرة والمتوسطة والمخاوف من ان تمتد هذه الحملات الى اسواق الدول الاسلامية الكبيرة في آسيا. وتشير ارقام وزارة التجارة الاميركية الى ان صادرات شركات بلادها المباشرة الى الدول العربية بلغت العام الماضي نحو 16.5 بليون دولار اي ما يعادل نحو 10 في المئة من اجمالي الواردات العربية، لكن مصادر تجارية قدرت ان تكون الصادرات الاميركية الى الاسواق العربية اكثر من 20 بليون دولار، عند اضافة الصادرات غير المرئية المتمثلة في سوق الوجبات السريعة والاستشارات واعمال التأمين والمصارف وغيرها. السعودية ومصر والامارات وتُظهر الاحصاءات الرسمية الاميركية ان ثلاث دول عربية هي السعودية ومصر ودولة الامارات تستحوذ على 80 في المئة من الواردات الاميركية للاسواق العربية بواقع 12.3 بليون دولار، وهي دول تنشط فيها بقوة الحملات الشعبية الداعية لمقاطعة البضائع الاميركية تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وتنتشر في اسواقها الصادرات الاميركية غير المرئية. وتشير تقديرات الى ان الخسائر التي قد تكون لحقت بالمنتجات الاميركية في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر الشهر الجاري بين 150 مليون دولار و200 مليون دولار بسبب حملات المقاطعة، اي ما يراوح بين 15 و20 في المئة من اجمالي الواردات الشهرية للدول المذكورة من الولاياتالمتحدة التي تناهز البليون دولار.