تضيف النتائج غير المتوقعة للانتخابات الرئاسية الفرنسية إلى هزتها الفرنسية هزيمة ثاني أكبر أديان البلد، أي الإسلام، وهزة قوية لأكثر من أربعة ملايين إنسان يعيشون في هذا البلد وينتمون أصلاً إلى مجتمعات ودول إسلامية، سواء كانوا متدينين أم لا. انتصار اليمين المعادي للأجانب في شكل عام وللمسلمين واليهود في شكل خاص، يمثل خطراً واضحاً عليهم. ولم يخطئ العديد من المرشحين أو المعلقين حين تحدثوا عن خوف ملايين الأجانب عقب إعلان النتائج. ففي بعض المناطق الانتخابية وصل اليمين العنصري إلى المركز الأول من بين المرشحين. فعلى سبيل المثال حصل جان ماري لوبين على أعلى الأصوات في ثلاث وتسعين منطقة انتخابية من مجموع مئة وثلاث عشرة في جنوبفرنسا المحاذي للبحر الأبيض المتوسط. وأياً كانت نسبة الأصوات التي سيحصل عليها اليمين المتطرف في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية أو في الانتخابات النيابية المقبلة، فإن الأحزاب الكبرى، يمينها ويسارها، سترى نفسها مضطرة لأخذ أصوات الناخبين الذين صوتوا لليمين المتطرف في الاعتبار، خصوصاً ما يتعلق بأحد المواضيع الأساسية التي ركز عليها عدد من المرشحين خلال الحملة الانتخابية: فقدان الأمن وازدياد الحوادث التي تهدد طمأنينة المواطن. ولا يغيب على أحد بأن الحديث عن هذا الموضوع هو، في ذهن الناس، حديث عن الأجانب. وارتبط هذا الموضوع الحساس منذ سنوات بالأجانب المسلمين في شكل عام. وعززت هذا الانطباع عمليات نيويورك التي شاهدها البعيدون والقريبون عن السياسة على شاشات تلفزيونات بيوتهم، وكذلك مشاركة عدد من المواطنين الفرنسيين من أصول عربية في الثناء على العمليات مباشرة أو في شكل غير مباشر وانتماء البعض منهم إلى تنظيمات أسامة بن لادن. ثم ما وصل من تصريحات المتطرفين الإسلاميين في بريطانيا في شكل خاص، تلك التصريحات المعادية للغرب والداعية إلى الجهاد ضده، بثتها ونشرتها وسائل الإعلام الفرنسية. والمواطنون البسطاء حين يسمعون اسلاموياً بريطانياً يتحدث عبر وسائل الاعلام وبحرية كاملة عن أن هدف الإسلام هو في النهاية هدم الغرب الذي يمثل الفساد والشر في العالم، لا يمكنه أن يفهم الكثير مما يسمع أو يحدث، فيصبح رد فعله معادياً عموماً لكل ما يمثل هذا المتطرف الذي يبارك قتل الأبرياء. وما زاد الطين بلة اعتداءات مسلمين على عدد من المرشحين أثناء الحملة الانتخابية ما لا يستسيغه المواطن الفرنسي. فعلى سبيل المثال هناك البصق على رئيس الجمهورية، إذ يتساءل الفرنسي عن مدى قدرة المسلم على مثل هذا العمل في بلده الأصلي والنتائج التي تترتب على عمل كهذا إذا قام به هناك. وما يحدث منذ شهور في فلسطين لم يكن غائباً عن دوافع اختيار الكثير من الناخبين الفرنسيين المرشح العنصري المعادي لما هو أجنبي. وقبل أيام كتبت صحيفة "لوموند" مقالها الافتتاحي في عنوان "الإسلام والإرهاب"، ولا يعرف عن هذه الصحيفة عداؤها للأجانب أو للمسلمين بل ان غالبية صحفييها، وبينهم عدد من العرب، هم من المعادين العلنيين للتيار اليميني المتطرف. نجح التطرف الإسلامي، بفرعيه الجزائري والأفغاني-البنلادني، في تعميق الشك الفرنسي تجاه المسلمين والخوف من الإسلام. وما حدث أعاد الفرنسيين إلى قوقعة الانغلاق على ذاتهم، على رغم أن مواقفهم بشكل عام في الأشهر الأولى التي أعقبت عمليات واشنطن بينت نوعاً من استمرارية الانفتاح على المسلمين والعالم الإسلامي. انتخابات الأحد 21-4-2002 في فرنسا هي بداية تحول جذري في الوضع السياسي الفرنسي قد يصل إلى تغيير عميق في المؤسسات السياسية والنيابية التي بناها شارل ديغول للجمهورية الحالية. وربما بدأت هذه المرة فعلا نهاية هذه الجمهورية والتفكير بجمهورية أخرى تستطيع ان تعبر عن التطورات التي حصلت خلال ما يقرب من نصف قرن. ولن يكون مركز الأجانب في التغييرات القادمة مريحاً، بل ستقع عليهم ضغوط مختلفة لم يتعودوا عليها حتى الآن. عند ذلك يمكنهم أن يتذكروا بأنهم يتحملون الكثير من المسؤولية عما وصل إليه المجتمع الفرنسي من خوف تجاههم ورفض لعدم تفهمهم له. خصوصاً أن هذا المجتمع منحهم من الحريات والحقوق ما لا يمكنهم أن يحلموا بالحصول عليه في أي من مجتمعاتهم الأصلية. * كاتب كردي، أستاذ في جامعة باريس.