أول الكلام: للشاعر السعودي الكبير/ عبدالغني قستي: - كأنني في فيافي العمر: أغنية تشكو ... ولكنْ الى مَنْ ليس يرحمني وكم سعيت وراء المجد ... أطلبه بما نظمت، فلم يسعف به زمني وغايتي احتجبت عني، فلم أرها وربما هي لم تشعر ... ولم ترني!! ... وفي رحاب أمسية "أبي الشيماء/ الطيب" في ليل القاهرة، وقد حفّنا دفء العزف المنفرد على العود ... فرحت بحضور المفكر السعودي، والروائي/ تركي الحمد، الذي محضني من صدق نفسه تلك الخصوصية التي كلأني بها ... وكنت قد طرحت سؤالاً قديماً قبل لقائه في إحد لقاءات الوسط الثقافي الأدبي بمدينة جدة، وقلت بأسلوب "كلاكيت آخر مرة": تركي الحمد ... هل هو ظاهرة في واقعنا الثقافي اليوم، باعتباره: الكاتب المفكر والروائي الذي يعمل على "تنفيس" الرأي الآخر في ما يكتبه ... أي يجعله: يتنفس فكرياً؟! قَبْله ... ظهر: "د. عبدالله الغذامي" كناقد حداثي بكتابه: "التكفير والهجرة" عن شعر الرائد "حمزة شحاته" فظنناه: ظاهرة، ربما يُشرع بوابة جديدة في النقد الأدبي، حتى استقر الطرح بعد ذلك في دائرة: الوعي/ الوهم، أو لعلها: دوامة يظنها المتلقي تغييراً، فإذا بها ذلك الشيء المدموغ بالاقتباس من مدارس الغرب النقدية التي أكل عليها الدهر وتجشَّأ، وبقي القارئ ظمآن الى صبابة من ذلك "الوعي/ الواعي"، وقد تخلص من "الوعي/ الوهم" ... حتى قشع "د. الغذامي" نفسه من تهمته التي رماه بها البعض !! وظن بعض القارئين الناضجين: ان هذا التحديث "مخاض" ربما يجلي رد فعل ما على "طرح" يفتتح آفاقاً جديدة، ولكن ... بقي الكثير من المتلقّين، وحتى من المتأثرين: في انتظار إجابة على سؤالهم القائل: "رد فعل ... على أية فكرة، أو أي مخاض"؟! أما الدكتور "تركي الحمد": فنحسبه جاء متشكِّلاً من "الانقضاض" على أشياء ... دخل ساحة الكتابة وهو ينقضُّ على مفارقات في واقعنا الثقافي العربي عموماً، وعلى "أكثرية ساحقة" من الأفكار التي زاطت فاستهلكها الكتاب العرب: تنظيراً، وتسبيباً، ووضوءاً، ونقضاً لوضوء الوعي!! لم يأتِ "تركي الحمد": غاضباً على الواقع الثقافي العربي، وإنما "معترفاً" انه ينتمي الى هذا الواقع، ولكن ... من حقه أن يغضب، ومن حقه أن يرفض، ومن حقه أن ينادي بالاصلاح، أو على الأقل: بالحوار أو حرية التحاور ... ومبتعداً عن "تقديس" الفكرة أو تأليهها، فشرط الحوار: الحرية، وشرط الحرية: المناخ! وظن البعض من المنبهرين بفكرة ما: أن الدكتور "تركي الحمد" جاء منتقماً لتاريخ نرجسي في "بابل، وسدوم، وعمورة"، وليس في التاريخ الحديث من "إبادات" للفكر، إلا إبادة "الحلم" وحده، وهذا هو الأفظع !! ويبدو أن "الحلم" في ثمالة القرن العشرين: لم يعد هدفاً للنّيل منه بعد أن أبيد!! وخرجنا من إصغائنا لآراء وفكر "تركي الحمد" بسؤال يقول: هل هو مثقف "نخبوي" ... أي أن ما يكتبه ويطرحه: يعتبر وقفاً على "النخبة" فقط لتفهمه وتغوص فيه، وأن القارئ العادي لن يستفيد من أفكاره؟!! أسئلة ... لا نختلس فيها أي متحوّل تفرضه تراجيديا معينة، لندَّعي: أن هدفنا هو اجتلاء أبعاد مضامين كاتب لفت الانتباه وصار كأنه هو وحده: حديث المدينة!! إن أكثر ما يستهوينا في هذا "التفكير" الذي يكتبه الدكتور/ تركي الحمد: أنه يمتلك القدرة على مزج الحلم الذي نعاه الناعي، بواقعية العصر المادي، وبالنوافذ المشرعة التي ترسل علينا من "الامدى": العولمة، والغات، و"التيشيرت" الفكري ... ليبلغ بنا نقطة: الوعي/ الواعي فيخرج بنا من حفرة: الوعي/ الوهم!!