الشاهي ويسميه بعضنا الشاي، ولن أخوض في أصل الكلمة ولا في اختلاف المفردة بين المناطق والمراحل الزمنية، فهذا موضوع لا يهمنا الآن، وما يهمنا في هذا المقال هو ما ذكره الدكتور سعد الصويان في مقابلة تلفزيونية عندما قال: «كان الشاهي للحريم». كلام الدكتور الصويان يظل مربوط بما أكمل به حديثه عندما ربط اهتمامه بالشاهي بالدلالات الثقافية التي تكاد تكون غير موجودة في طقوس إعداد الشاهي وتقديمة وما يرتبط بها من أدبيات قيمية واجتماعية عكس القهوة التي تحمل دلالات ثقافية عديدة، وهذا هو لب اهتمام علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، ونحن عندما نقول انثروبولوجيا في العرف العلمي الأكاديمي السعودي فنحن نتكلم عن مجال أكاديمي واحد ففي الجامعات السعودية تدخل الأنثروبولوجيا ضمن مسار علم الاجتماع، وضمن مواده. القطع بأن الشاهي في أول توفر له في المجتمع السعودي كان مشروب للنساء فقط غير وارد فيما أعلم، فقد يكون مشروب مشترك منذ ظهوره، وحتى القهوة لا يمكن الجزم بأنها كانت للرجال فقط، ولكن ما يمكن تأكيده أن رمزيات القهوة ارتبطت بالرجل، وقد ذكر الصويان بعضا منها، وتتمثل بعض هذه الرمزيات في طريقة تحضيرها وطهيها وتقديمها للضيف، وهي تختلف من منطقة لمنطقة مع تشابه في بعض الجوانب مثل وضع الفنجان وعدم شربه عندما يكون للضيف طلب عند مُضيفه، ومثل طريقة تقديم الفنجان وهزه عند الاكتفاء، والتي ربطها البعض بأن الذي كان يقدم القهوة يُختار ممن لا يمكنهم السماع حتى لا يسمع ما يدور في المجالس فينقل ما سمعه، ولذلك كان هز الفنجان تعبير حركي عن الاكتفاء. ارتباط القهوة بهذه الدلالات الثقافية جعل منها ثقافة ترتبط بالرجل ومجلسه وضيوفه، وغياب هذه الدلالات عن الشاهي لم تمنحه تصريح عبور للأجواء الرجالية في مجتمعنا السعودي وفي عدة مجتمعات خليجية وعربية، وهذا الجانب المرتبط بالمشروب ينطبق على جوانب مختلفة في ثقافة الأكل، والفكرة المحورية هنا والتي أشار إليها الصويان تتمثل في دراسة ثقافة الشعوب من خلال مشروباتها المفضلة، وأضيف إلى كلام الصويان أنه حتى المأكولات، وطريقة طهيها وتقديمها وما يرتبط بها من سلوك اجتماعي ومعاني ثقافية تعكس دلالات ثقافية وأعراف وعادات. وموضوع آخر أكثر توسعا يمكن الوقوف عليه ويتمثل في السؤال التالي: هل هناك مشروبات نسائية ومشروبات رجالية في المجتمع السعودي، وما هي إن وجدت؟! أما فيما يخص الشاهي أو الشاي فهو يقينا في مرحلتنا الحالية مشروب النساء والرجال على حد سواء، ومرتادي محلاته المنتشرة خير شاهد على أنه مشروب محلي بامتياز ينافس القهوة، ويتغلب عليها مرة وتتغلب عليه مرة.