ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب سعوديون : الغذامي يبحث عن الشهرة.. بياع كلام.. على شارعين.. مفكر إشكالي؟
محاضرته في جامعة الملك سعود فتحت جدلاً واسعاً
نشر في الوئام يوم 26 - 12 - 2010

“أنهم خمارون لا يستطيعون تجاوز حتى هوامشهم العنصرية القبلية”.. “إنهم سُذّج ومشوشون ومتناقضون، ولا يؤمنون إلا بحريتهم هم فقط، ولا يحملون خطابا سياسيا، ويمارسون تزييف الوعي، ويرتكبون فضائح في تصرفاتهم ومحاولة حجرهم على حريات الآخرين، وهم بلا مشروع مضيفاً، أنهم مجرد مجموعة من كُتّاب المقالات في الصحف”.
بهذه الكلمات شنّ المفكر والناقد د. عبدالله الغذامي هجوماً عنيفاً على الليبراليين السعوديين، وفتح الكاتب والمفكر السعودي المعروف الجدل واسعا، وسط حضور كثيف من أساتذة الجامعة والطلاب في محاضرة ثقافية بجامعة الملك سعود بالرياض قبل أيام ضمن برنامج تواصل.
قدم المحاضرة الدكتور عبد العزيز الزهراني، المشرف على البرنامج الثقافي، وطرح تساؤلات عدة حول موقف الليبراليين الذين يعادون كل ما هو إسلامي، وينادون بحرية الرأي والمعتقد، ويلقون القبض على صاحب موقع “ويكيليكس” الذي ينشر الوثائق الأمريكية، متسائلاً: هل هذه هي الليبرالية التي فضحتها في الوثائق الأمريكية؟ وما الفرق بين الليبرالية التي قتلت مليون عراقي واحتلت بلداً عربياً والشيوعية التي غزت أفغانستان؟ وما الفرق بين الليبراليين الذين امتطوا ظهور الدبابات الأمريكية والشيوعيين الذين جاؤوا على ظهور الدبابات السوفييتية؟ هل الليبرالية أيديولوجيا يتم فرضها بالقوة مثل الشيوعية؟
وبدأ الدكتور عبد الله الغذامي حديثه متسائلاً: هل تصبح ممارسات الناس حكماً على مجتمعهم؟ هل ممارسات المسلمين تصير حكماً على الإسلام؟ وهل ممارسات الليبراليين تصير حكماً على الليبرالية؟.. وقد نفى ذلك تماماً؛ لأن كل شخص مسؤول عن تصرفاته، وأن المجتمع فيه الكثير من العيوب، ولسنا ملائكة.
وقال الغذامي: ناقشتُ في حياتي أربع فئات: الإسلاميين، الحداثيين، الروائيين والليبراليين، وتعرضت لأوصاف شتى من هؤلاء، إلا أن الليبراليين أضافوا إليّ وصفين جديدين، هما أنني “مخرف” و”كذاب”، إضافة إلى قوائم الأوصاف الأخرى التي أطلقوها عليّ، منها “عبد الماسون” وصفة “الخيانة”. وقال: أنا أتقبل أي نقد، وأتقبل أي رأي مخالف.
مضيفاً أنه لم يكن يوماً ممن يرفعون راية التغيير الاجتماعي في المملكة، ووصف نفسه بأنه “مفكر حر”، ثم تناول تاريخ الليبرالية على مدى ثلاثة قرون، وتوقف طويلاً عند آراء الفيلسوف برتراندرسل، وقال: خلال مسيرة الليبرالية الطويلة كان فيها الجميل والقبيح، ثم عرج إلى مواقفه من الحداثيين، وقال: إنهم استهلكوا جهدهم في الدفاع عن اسم الحداثة، ومن الذكاء أن تترك المصطلح وتأتي بمصطلح محايد.
وتناول كيف أُطلق مصطلح الليبراليين السعوديين، وأرجعه إلى تغطيات المراسلين الصحفيين الأجانب للأحداث في المملكة، وتصنيفاتهم للمجتمع السعودي، وقال: إن رجال الأعمال السعوديين في السابق كانوا ليبراليين، ولم يطلقوا على أنفسهم وصف “الليبراليون”، فقط كانوا يكتفون بأن تُطلق عليهم الصحف في الغرب هذا الوصف. إن الليبراليين السعوديين متناقضون، ولا يُعرف لهم مشروع واضح، ولا يعرف منهم مَنْ الليبرالي، عكس الإسلاميين الذين يسهل التعرف عليهم بأنهم إسلاميون.
وقال إن في وصف الليبرالية بأنها ساذجة ومشوهة ومتناقضة، وأنها توجد حيثما غابت، وتغيب حيثما وجدت. وقال إن سعيد طيب تحول من القول بأنه ليبرالي إلى “إصلاحي”، ثم تعرض لبعض النماذج لليبراليين السعوديين، منها ورقة د. تركي الحمد في مؤتمر كويتي، التي بناها على قصة مجموعة شباب سعوديين في أمريكا جلسوا يحتسون الخمر، وبعد أن سكروا سب أحدهم الآخر فسب الآخر قبيلة الثاني؛ فوقعت معركة بينهم بالسكاكين. واصفاً الليبرالية السعودية بأنها هشة، لم تتجاوز القبلية. وتعرض لموقفهم من حلقة “طاش ما طاش” التي سخرت من الليبراليين بأنهم مجموعة من العابثين، ومجموعة كبسة أرز، ويخون بعضهم بعضاً؛ حيث غضبوا من المسلسل، ولم يتحملوا النقد، ونسوا أنها دراما، وهي تقوم على المبالغة.
وزاد الغذامي إن الليبرالية رديف الإمبريالية، ليست في السياسة الخارجية فقط، بل في داخل بلادها، فأين حقوق السود والمسلمين؟ وكيف أعلنت فرنسا حربها على النقاب بسبب 2000 منتقبة في كل فرنسا لم تستطع الليبرالية تحملها؟ لماذا يحاربون المنتقبات، سواء انتقبت المرأة أم لم تنتقب أليست هذه الحرية؟ ولكنه قال: لا نريد أن نُحمّل الليبراليين في السعودية ما تفعله أمريكا وإسرائيل وفرنسا؛ فهذا لا يمكن، وغير صحيح أن نحكم عليهم بهذا المنظور، ولكن أريد أن أنظر لأفعالهم هم وتصرفات من يسمون أنفسهم بالليبراليين السعوديين، وللأسف وجدت أنهم أبعد ما يكونون عن الليبرالية؛ فهم سكتوا وصمتوا ولم ينطق أحد منهم بكلمة عندما ألغى وزير الثقافة والإعلام السابق انتخابات مجالس إدارة الأندية الأدبية، وقال: لم أجد ليبرالياً واحداً استنكر هذا الأمر، وهي انتخابات من صميم قيم الليبرالية، إنهم يمارسون تزييف الوعي، وأيضا أظهر استطلاع مؤسسة “اسبار” هل تفضلون الانتخابات أم لا؟ فقال الليبراليون السعوديون “لا”؛ لأنها ستأتي بطالبان! بل إن تصريحات ثلاثة من رؤساء الأندية الأدبية السعودية يندى لها الجبين، بل إن الليبراليين السعوديين صرخوا بأعلى صوت لإسكات فتاوى الشيخ فلان؛ لأنه لا يعجبهم، رغم أن الفتوى رأي؟ فأين الحرية؟ وأين حرية الرأي؟ إنها فضيحة بالمعنى المفاهيمي. وفي “البيان التالي” قال إسلامي عندما حشر إنه مع رأي الدولة، وقال “ليبرالي” إن الدولة كلها ليبرالية.
وتعرض د. الغذامي إلى كتابات الليبراليين، وقال إنها تتمحور حول: نقد رجال الهيئة، نقد المناهج، رؤية الأهلة والخدمات العامة، وهي موضوعات أي كاتب يمكن أن يكتب عنها، فهل هذا يخص الليبرالية؟ مضيفاً أنه بحث واستعان بباحثين فلم يجد فئة من المجتمع مع الليبرالية، وقال: إنه لا توجد في السعودية ليبرالية فلسفية، ولا يوجد عندنا فيلسوف ليبرالي، ولا ليبرالية سياسية تحمل مشروعاً سياسياً، بل لدينا ليبرالية اقتصادية بحتة، ولدينا كُتّاب مقالات يسمون أنفسهم ليبراليين، وكتاباتهم غير معرفية ولا معمقة ولا علمية ومجرد ردود أفعال، وثقافاتهم إنترنتية، ومعلوماتهم سريعة ومتعجلة.
وقد دارت حوارات من الحضور، كان أبرزها تعليق أستاذ الإعلام الدكتور محمد الحضيف، الذي اتهم من يسمون أنفسهم بالليبراليين السعوديين بالاستقواء بالخارج، وقال إنهم ظهروا على أنقاض 11 سبتمبر، وهم “ليبراليو الجزء الأسفل من المرأة، وأنها انتهت، وهي بلا مشروع ممنهج”.
لماذا كانت محاضرة الغذامي في الجامعة تحديدًا؟ وهل يقصد الغذامي أشخاصاً بأعينهم؟ أم هي رد فعل على هجوم شنه عليه موقع أو صحيفة أو شخص ما؟!! ولماذا جاءت المحاضرة معنونة: بالليبرالية المشؤومة، بدلاً من الموشومة؟ قال الغذامي الناقد والأستاذ والمفكر رأيه بطريقته.. ليتحدث إذن عن المشروع ولكن من هو الذي يملك مشروعا له ملامح وسمات المشروع؟ هل هم الإسلاميون أم الليبراليون؟ إن ماقاله الغذامي ليس مسألة شخصية تخصه وحده ولكنه ما قاله مس مفاهيم ومطلقات ثقافية هامة أطلقت سيلاً من التعليقات وردود الأفعال.
الليبرالية الموشومة والإسلاموية الموصومة :
رأى نقاد أن تصريحات الغذامي حين قال “أنا لست ليبرالياً، ولم أكن يوماً ليبرالياً، ولن أكون في المستقبل ليبرالياً”، تتوافق مع الإسلاميين السعوديين الذي يشنون في الوقت الراهن -عبر المقالات الصحفية والإلكترونية- هجوماً على المشروع الليبرالي السعودي، باعتباره يحمل مشروعا تغريبيا يستهدف كيان البلاد. وصار الغذامي أشبه بورقة ضغط يرفعها كل فريق ضد الآخر.
ولكن لا بد أن يعي الإسلاميون ولا يغفلون أن محاور الخلاف العلمي (فقهياً وعقدياً وإن شئت فقل: فلسفياً) بين بينهم وبين الدكتور الغذامي ليست قليلة، وأن شطراً عظيماً مما سماه هو القيم المتعالية المشتركة بين الليبرالية وبين الإصلاحيين هي نفسها محل نزاع في المفهوم والمرجعية بين السلفية وبين الليبراليين والإصلاحيين، وأن الغذامي باعتباره لها متعالية عن نقده يثبت أنه لا يزال مناوئاً للخطاب السلفي.
وهكذا لم يكن رضا السلفيين عن هذه المراجعة والتي تركز في أهم مضامينها على الفرق بين المفهوم الليبرالي
وبين ممارسات المتسمين بالليبرالية، والتي تركز على فشل التجربة الليبرالية في تمثل مفاهيمها على أرض الواقع وانتهائها في كثير من الأحيان إلى سقوط مريع في أوحال ما قامت لإنكاره، وتنفي عن السلفيين تهمة التحيز في نقد الليبرالية وتُري أعين الناس أن السلفيين ليسوا هم من يحجبون يوتوبيا الليبرالية عنهم، وإنما تلك اليوتوبيا في نفسها كما يراها غير السلفيين، هي وهم كبير.
ولكن الأهم هل نرى يوماً فقيهاً سلفياً يعالج بنفس جرأة الغذامي وصراحته وسلامة منطقه الفجوات الواقعة بين المفاهيم الفكرية والعقدية للسلفية، وبين الممارسات السلفية التي نعيش بعض أطيافها وبين الظروف المحيطة وفقه الحال والواقع؟ هكذا أكد بعض الكتاب الذين رأوا في محاضرة الغذامي بالجامعة انقلابًا وليس توبة.
وفى المقابل أبدى الكاتب تركي الحمد – وهو من أبرز رموز الليبرالية السعوديين- امتعاضه من تصريحات الغذامي، قائلاً إن مستقبل الليبرالية في المملكة مشرق، فهي فلسفة حياة وليست حزباً سياسياً، وتبحث عن كرامة الفرد وحريته، وما ذكره الغذامي رأي شخصي، وأضاف الحمد أن “الليبرالية تحاول أن تعيد للفرد السعودي كرامته بعد الإرهاصات التي عاشها المجتمع تحت وصاية من يطلقون على أنفسهم مجموعات الصحوة الإسلامية”، واعتبر أن الإسلاميين يعيشون مرحلة تناقض ظهر جليا في “الترحيب بحديث الغذامي، وبين قولهم إن الليبراليين منتشرون في مفاصل المجتمع السعودي، ومدعومون من قبل الولايات المتحدة الأميركية”.
ويرى الناقد نايف كريري أن رأي الغذامي عن الليبرالية يتفق مع رؤى التيار الديني في المملكة، “بل ويتقاطع معها جيدا، وربما يردم كثيراً من الفجوة بين الغذامي والمحافظين”، ويوضح أن الغذامي قال في حوار صحفي سابق إنه تحول إلى التيار الإسلامي وترك الحداثيين، ويده ممدودة للإسلاميين، بل وصل به الأمر إلى قوله بإحراق كتبه، لو طلبوا منه ذلك، وأن أول ما سيحرقه كتابه المثير للجدل “الخطيئة والتكفير”، وأكمل “أخشى أن الغذامي يعيش وسط أزمة فكر، لا يعانيها لوحده في عالمنا العربي، بل يعاني منها كثير من المفكرين والمثقفين، وسبب هذه الأزمة نابع من تردي أوساطنا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، على حدّ سواء، والحاذق من يستطيع الخروج من هذه الأزمة وعدم تأثير تلك الظروف عليه”، كما اعتبر كريري أن تصريحات الغذامي “لم تأت بجديد، سوى أنه رجل شجاع حينما خرج من وسط التيار، بل صرخ من أعلى قمة في الهرم ليقول لنا إن ليبراليتنا مشؤومة”.
الغذامي والليبراليون معركة بعد انقلاب أم توبة؟
من ضمن ما قاله الدكتور الغذامي إنه لا توجد في السعودية ليبرالية فلسفية، ولا يوجد عندنا فيلسوف ليبرالي، ولا ليبرالية سياسية تحمل مشروعاً سياسياً.. ولكن د.عبد الله القفاري فى الرياض بتاريخ 20 ديسمبر قال “إلا أن نفي هذه الصفة عن حالة مجتمع كبير تستلزم أيضا نفي صفة الليبرالية عن مجموعات قد تتسمى بهذا الاسم أو تتعلق بوهجه أو تمارس بعض نشاطها على ضوء مفاهيمه بغض النظر عن مدى التزامها أو إخفاقها، ويصف الغذامي نفسه في ذلك اللقاء إنه لم يكن يوما ممن يرفعون راية التغيير الاجتماعي، وهذا حقه واختياره ورؤيته، إنه يرى نفسه مفكرا حرا، والسؤال هل هناك مفكر حر دون أن يحمل مشروعا يجسد ذلك التكوين الفكري، أم أن التفكير الحر هو مجال نقدي لإشعال الحرائق الكلامية في بيئة لديها قابلية شديدة واستعداد أكبر للانهماك في أتونها”.
فمن هو الذي يملك مشروعا له ملامح وسمات المشروع هل هم الإسلاميون؟ أم ما يقوله الغذامي بحثاً عن النجومية؟!
يتهم شايع بن هذال الوقيان في عكاظ بتاريخ 26 ديسمبر الغذامي وهو يتساءل كيف نفسر موقفه المزدوج من خلال هذه الآراء التي هي آراؤه؟ لدينا الغذامي النخبوي الذي كتب «النقد الثقافي» و«الخطيئة والتكفير» و«الثقافة التلفزيونية»، وهو الغذامي الرمز، ولدينا الغذامي الشعبي أو النجم! والمتلقي في كلتا الحالتين مختلف، حتى ولو كان هو الشخص ذاته، إنه في الحالة الأولى ينصت ويتدبر، وفي الثانية يهتف ويصفق أو يستهجن ويغضب، والغذامي في الحالتين يتنقل من موقف الرمزية إلى موقف النجومية، جيئة وذهاباً.. وهناك طبعا من أصبح يستشهد بآرائه بعد أن كان يفسقه ويبدعه وربما يكفره.. طريقتي في التعامل مع ما يكتبه أو يطرحه في ساحة الفكر والصحافة، فلو لم يكن هناك سوى الغذامي «النجم» الذي يرضخ لمطالب الجمهور العريض وينسجم أو حتى يستسلم لمعايير «ثقافة الصورة» ويتخلى عن الموقف النقدي الصارم والجريء، لما نال مني أدنى اهتمام.
إنه مفكر إشكالي يشغل الوسط الثقافي والفكري كي يبيع كتبه هكذا يكتب في الوطن مازن العليوي بتاريخ27 ديسمبر “لو قلتُ إنه يمتلك القدرة على إشغال الوسط الثقافي والفكري كله لو أراد، وما كتابه “حكاية الحداثة” إلا مثالٌ على ذلك حيث جعل الجميع ينشغلون به حين أصدره، وانطلق يبحث عما بعد حكاية الحداثة، ليخرج بكتبه الأخرى تباعاً”. وبنفس المعنى يكتب خلف الحربي في عكاظ بأنه أكبر بائع عناوين في الشرق الأوسط “على شارعين.. فوكوياما والخلايق نياما!”
“هو رجل يقضي الليل بطوله بحثا عن عنوان براق، ثم يقضي النهار بحثا عن طريقة ما تجعل هذا العنوان يدور حول ذاته المتضخمة، باعتباره محور الكون والنقطة التي تتركز فيها الطاقة الكهرومغناطيسية لكوكب الأرض!.
ولو كان الغذامي يعرف ما هو أكثر من العناوين لما حدثت الفضيحة التاريخية حين منحت جائزة الشيخ زايد (التي هو أحد مستشاريها!!) لمؤلف جزائري اتضح فيما بعد أنه سرق مادة كتابه من الغذامي نفسه!.. ما اضطر القائمين على الجائزة إلى سحبها من هذا المؤلف اللص، بعد أن اهتزت مصداقيتها بسبب مستشارها الذي لم يكلف نفسه قراءة كتاب مرشح للجائزة يتناول موضوعا يقع في دائرة اهتمامه.
إنه لم يشرح لنا تعاظم دور الليبرالية بعد انتهاء الحرب الباردة وعلاقتها الجديدة والمعقدة بفلول اليسار والقوميين ومناهضي العولمة، لم يوضح لنا علاقتها بالتيارات الإسلامية أو الأنظمة السياسية في الوطن العربي، لم يوضح لنا موقفه منها.. بل اكتفى بالحديث عن تصرفات شخصية لأناس قد لا يكونون ليبراليين بالضرورة”.
ويختم الحربي قائلاً “عموما، هنيئا لفوكوياما السعودية بوسام الطهارة وصك البراءة الذي ألقاه على مسامعه صاحب الوجوه العشرة ودمية الأصابع السرية”.
إن معنى خلف الحربي يقترب من التشبيه بالمكر والخديعة الذي كتبه محمد السحيمي يوم 26 ديسمبر في عكاظ يا غذَّامي يا مكَّار! حول تصريحاته الأخيرة، بدءًا بمدِّ يده لمن يسمّيهم ويسمّون أنفسهم: «إسلاميين»، وأسمِّيهم: «إسلامويين»، واستعداده لحرق كتبه مقابل غفرانهم، وانتهاءً بهذا الهجوم الساحق الماحق على «الليبرالية» و«الليبراليين السعوديين»، فما ذلك إلاّ ذروة السخرية، ومنتهى اللوذعية، بقومٍ أثخنوه إقصاءً، وتسفيهًا، ولم يتورّعوا حتى عن الخوض في دينه وعرضه!
هل الغذامي يبحث عن الشهرة.. بياع كلام.. على شارعين.. مفكر إشكالى؟.. قد يكون ولكن لعل الإسلاميين الآن لا يرون ذلك.
الإسلاميون والفرحة بتوبته !!
رغم ما قاله الغذامي لم يتضح بداية موقف محدد من الإسلاميين وهو ما عبر الغذامي عنه بنفسه وحزنه العميق لأن الإسلاميين “لم يفرحوا بتوبته” وأنهم كانوا يرونه في ملابس الإحرام في مناسك الحج فيتحاشون النظر إليه والسلام عليه والصلاة إلى جواره، كنتيجة للصورة النمطية التي رسمت في أذهان الناس عنه، وبسبب اتهامات محمد مليباري وعوض القرني وسعيد الغامدي له وقدحهم في عقيدته، رغم أن التراجع عن الأفكار وعن القناعة ليس بعار أو جرم يرمي بالمتراجع إلى أسفل سافلين!!
وكان هذا التعبير دلالة واضحة على الخلخلة في القناعات الفكرية وقد عبر الإسلاميون عن ذلك بأنه من الجيد أن يكون هذا التخلخل نابع من مراجعات ذاتية بعيدا عن أي ضغوط، حيث طالبوه بأن تكون مفاصلته صريحة وواضحة لا مرية فيها و لا تقبل التأويل، وعبر أحدهم قائلاً “فلتمضي يا غذامي على خطى الغزالي!”
لكن ظهوره التلفزيوني على قناة دليل كشف عن فرحة في أوساط الإسلاميين عبر عنها الدكتور محسن العواجي بطريقة أثارت أطرافاً أخرى ، فوصفه بأنه لم يدخل البارات وليس من رواد السفارات .. وهي الدليل القاطع على تحول وجدية نظرة الإسلاميين تجاه تراجعات المفكر وإعلانهم فتح صدورهم لاستيعابه ، وطبعاً لن يكون الموقف برئياً كما يصف متابع للجدل ، بل سيكون لهذا الاستقبال ضريبة ، ولعل أهمها توجيه عباراته وعناوينه البراقة إلى خصومهم ، وإلا فما الفائدة إذن ؟
لقد حاول الغذامي في محاضرته أن يشرح الفارق الجوهري بين المفكر من جهة وبين السياسي وبين الواعظ وقال ” بذلت جهوداً كبيرة للتخلص من الحداثيين لأني لا أريد أن أكون زعيماً لأحد .. لأنه لا يوجد ليبرالي سعودي وهو هراء ولعب في المصطلح، الليبرالية فكر ووعي فلسفي وإنتاج معرفي وهذا لا يوجد، والتعبير له، ولكن رغم ذلك لم يصالحه الإسلاميون فقال “الفرق كبير أنا لم أخاصم الإسلاميين هم خاصموني، رغم أن يدي ممدودة لهم”.
إن المحور الهام أن محاضرة الغذامي طرقت قضايا شائكة تحتاج إلى تفضيلات كثيرة، ولكنها طرحت أسئلة هامة حولنا نحن ولماذا نسوق لأسماء (تيارات) ونساعد في تفكيك مجتمعنا وتقسيمه فكريا ونحن نتغنى بالاستقلالية وبالمساواة والوسطية؟ لماذا لا نكون فقط (مثقفين) بلا تحزب و تقسيمات يراد منها النيل من هذا والشماتة بذاك والضحية الوطن؟ لماذا نجعل بيننا حدود فكرية وأدبية محاطة بأسلاك شائكة!! لماذا لا (نتناغم) بعيدا عن المسميات وبعيدا عن ساحات الحروب الفكرية التي تجمع ألوية التطرف المحلية والألوية المستوردة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.