جميع أفراد العالم وشعوبه تنشد الأمن والاستقرار، لكن المجتمع الدولي بمؤسساته المؤدلجة لا ينشد ذلك؛ فها هو الشعب الفلسطيني يعاني تحت الحصار وقتل المدنيين وهدم المدارس والمستشفيات وقتل الصحفيين، وهدم منشآته المدنية، بل هدم مربعات سكنية بكاملها، ودهس المدنيين تحت جنازير الدبابات عنوة ونبش المقابر والتمثيل بالجثث أمام عدسات الكاميرات، وقنوات العالم أجمع تسمع وترى.. في عالم تتصدره الوحشية والكيل بمعيارين، يشعر الفرد منا بالوحشة في غابة مترامية الأطراف، في ظل غياب المسؤولية لما يدعى بمجلس الأمن وشعارات جوفاء مثل حقوق الإنسان وحقوق الحيوان، وأن الفرد أضحى محور العالم في ظل العولمة! وكثير من الشعارات التي تتخذها تلك الدول وتلك المجالس ذريعة في التعدي على هذه الدولة أو تلك. إن هذا الانفلات العالمي وغياب المسؤولية الدولية يعطي الحق لكل من هز رأسه أن يجتاح ما أراد من الدول في تعنت ومكابرة، لأن المثل يقول من "أمن العقاب أساء الأدب" وهذا هو حال الواقع العالمي والدولي في ظل ما نراه من إبادة جماعية لشعب غزة واجتياح لبنان وما خفي كان أعظم. أين نحن من تلك العقوبات التي تسن على دولة ما إذا ما تغيب أحد الوافدين إليها أو تعرض لحادث أو قتل، وقد كنا نعتقد أن للعالم وخاصة مجلس الأمن يد من حديد، في حين وجدنا ذلك التراخي في اتخاذ القرار وعدم تحمل العمل باختصاصاته الموكلة إليه، وهو أمر يدعو للقلق بل والفزع الأكبر، مما ينذر بعواقب خطيرة وبتوسيع رقعة العنف والحرب، والمزيد من تهديد الأمن في المنطقة كما ورد في جريدة الرياض. ولذلك يقول معالي وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في اجتماع مجلس الأمن في دورته التاسعة والسبعين: "إن ما نشهده من تخاذل المجتمع الدولي حتى الآن في إيقاف ما تقوم به القوات الإسرائيلية من عقاب جماعي بحق سكان غزة ومحاولات تهجير قصري لن يقربنا من الأمن والاستقرار الذي ننشده جميعا". إن جميع أفراد العالم وشعوبه تنشد الأمن والاستقرار كما تفضل معاليه، لكن المجتمع الدولي بمؤسساته المؤدلجة لا ينشد ذلك؛ فها هو الشعب الفلسطيني يعاني تحت الحصار وقتل المدنيين وهدم المدارس والمستشفيات وقتل الصحفيين ذوي الحصانة الدولية، وهدم منشآته المدنية من مدارس وهيئات ومؤسسات، بل هدم مربعات سكنية بكاملها حتى يصل الأمر إلى دهس المدنيين تحت جنازير الدبابات عنوة ونبش المقابر والتمثيل بالجثث أمام عدسات الكاميرات، وقنوات العالم أجمع تسمع وترى. أي وحشية هذه تمارس أمام عدسات الكاميرات العالمية، كل ذلك ليس حربا -فالحرب هي مواجهة بين قوتين متكافئتين وندين على مستوى الصراع- وإنما هو نية فاعلة على الساحة في إبادة شعب أعزل تحت ظل الاحتلال، شعب لا يجد قوت يومه جراء محاصرة المعونات الغذائية، بل تقذف أسراب القنابل على من يقفون يتسلمون حصتهم من الطعام. إن هذه الدولة المارقة على كل الأعراف والقوانين والدساتير الدولية لا تجد من مجلس الأمن أو ما تدعيه الأممالمتحدة، وما يدعيه العالم من حقوق إنسان، وما تحويه ودوائره المستديرة من يصدر قرارا يوقف هذه المهزلة الدولية في حق شعب أعزل يتعرض للإبادة وهذه أدنى صفة لجرائم الحروب. إن ما تفضل به معالي الوزير في كلمته حين يقول: "بقاء مجلسكم الموقر صامتا ومكتوف الأيدي أمام هذه الأزمات المتوالية والمتكررة منذ عقود هو أمر غير مقبول. إن هذا المجلس يتحمل مسؤولية تراخيه المستمر وثمن إطالة هذه الأزمة من خسائر في الأرواح والممتلكات وتهديد لأمن واستقرار المنطقة، حفظ السلم والأمن الدوليين يأتي في مقدمة مهام هذا المجلس. واليوم نراه عاجزا عن القيام بالدور المنوط به وتأخره في التوصل لاتخاذ قرار يعالج هذه الأزمة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية بما فيها القانون الدولي الإنساني لا يشكك في موثوقية الشرعية الدولية ومصداقية المدافعين عنها". لم يعد بمقدورنا كتابة حرف واحد حيال هذه الأزمة بعد خطاب معالي الوزير والتصريح بالكشف عن كل الأقنعة ذات الأيدلوجية الممنهجة والكيل بمكيالين حيال شعوب تنشد الأمن والسلام الدوليين، ومؤسسات وحكومات ودول ذات قرارات تغمض الطرف وتداهن بتصريحات جوفاء لا يخفى على القاصي والداني زيفها، فأين قوانين العولمة ودساتيرها وهم من سنها وأحد أعمدتها بأن الإنسان هو محور العالم، وأنه ينتمي انتماء كليا للعالم، ذلك العالم الذي يكيل بمكيالين -كما قال معالي الوزير- حينها لا ينتظر العالم بعولمته وكذبه الزعاف أي انتماء إليه.. "كما أن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير والانتقائية في الالتزام بالقوانين والقرارات الأممية لها تبعات خطيرة تتعدى هذه الازمة وتمس شرعية قواعد القانون والنظام الدولي برمته". لم تعد في الأقلام أحبار، ولم تعد في الأفواه ألسنة، ولم يعد للحناجر رنين في ظل اكتشاف عورة هذا العالم بمؤسساته التي أفقدت أي فرد في أجنحة العالم السبعة نومه وأمنه وأمانه.. ولم يعد هناك قول بعد ما قاله معالي الوزير والذي كشف ستائر القاعات المغلقة، بأن الأمر بات من غير المقبول، ولذلك كان عنوان خطابه في أغلب الصحف العالمية والعربية: أن التراخي والانتقائية في تطبيق القانون الدولي تسببا في توسيع دائرة الصراعات.