لم يكن العراقيون قبلاً على مثل هذا القرب من فرصة الخلاص من النظام الجاثم على مصيرهم منذ عقود، والمسؤول عن مقتل اكثر من مليون إنسان منهم، ناهيك عن غير العراقيين الذين تسبب بدمارهم، والذين لا يقل عددهم عن عدد الضحايا العراقيين. ومن لم يطاوله الموت مباشرة عانى من الأضرار الاقتصادية والنفسية، سيان أبقي في العراق أو استطاع الهروب والالتجاء إلى بلد آخر. ولا يقل عدد اللاجئين العراقيين في الوقت الحاضر، حسب أغلب الإحصائيات، عن ثلاثة ملايين إنسان. ويشكل هذا بحد ذاته سابقة في تاريخ العراقيين لم يشهدوا مثلها حتى في أثناء الحروب الكبرى التي هزت حياتهم. ولو أضفنا إلى هذه الصورة المهجَّرين والمرحَّلين داخل العراق ذاته لازدادت الصورة بشاعة. من هنا، تعود إلى الساحة السياسية مرة أخرى مسألة موقف العالم العربي من المحاولات الخارجية الهادفة إلى تغيير النظام السياسي في العراق، مع غياب كل احتمال للتغيير من الداخل. ماذا سيكون عليه التوجه العام في العالم العربي إذا ما بدأت حملة عسكرية لإسقاط النظام كما جرى في أفغانستان؟ أيبقى أسير حساباته، أو بالأحرى انفعالاته الآنية التي لا علاقة لها بما يعيشه العراقيون كل يوم منذ انتهاء حرب الخليج الثانية؟ أيقف مع رغبة الغالبية الساحقة من العراقيين في الخلاص من النظام القائم، وبأي ثمن كان؟ أم أنه سيبقى على موقفه العلني الوهمي في مساندتهم، والواقعي في مساعدة الديكتاتورية على البقاء؟ أيصيح العالم العربي، وبالأخص شارعه، كما يقال، ضد قصف أعمدة النظام وهو يعرف أن لا سبيل غير ذلك للوصول إلى الهدف الذي يريده الشعب العراقي؟ أيستمر في هذه المعاداة مبررا موقفه بتكرار اسطوانة الاستعمار والعمالة...؟ أيتظاهر العالم العربي، كما فعل بالأمس في حالة أفغانستان، ملقياً بالإعلام الأمريكية في النيران المشتعلة لا لشيء إلا لأن أميركا تؤيد إسرائيل، جاعلا، هكذا، من العراقيين ترسانة حروبه الوهمية ضد القوة العظمى؟ وبالمناسبة، ألا يحق التساؤل عن عدم تنظيم العالم العربي مظاهرة واحدة، منذ أكثر من عقد، دفاعا عن الحق في الخلاص من نظام لا مثيل له في انزال الظلم بشعبه؟ الغريب أن كل هذه التظاهرات التي تنطلق في العواصم والمدن العربية كمعاداة للغرب بشكل عام وأميركا بشكل خاص، تنتهي كلها الى فشل ذريع وتجر على العرب صورة سيئة جدا ليس من السهل محوها في وقت قصير. وقد وصل الأمر - منذ تفجيرات نيويورك وواشنطن والحرب في أفغانستان وكون غالبية أعضاء القاعدة من العرب، فيما تظاهرات الفرح بالعمليات الارهابية انطلقت من عدد من المدن العربية - الى أن الغرب بات يعتبر العالم العربي حاملا لحقد دفين تجاهه، وأن هذا الحقد اللاعقلاني عميق في جذوره. إذ ليس مما يُستساغ أن يعبر الإنسان عن فرحه بموت الآخرين. وأن يُصدر عالم ديني فتوى يؤكد فيها أن الذين ماتوا في انفجارات نيويورك وواشنطن ليسوا أبرياء! في مثل هذه الظروف، من الذي يعاتب العراقيين إذا ما طلبوا من العالم العربي عدم التدخل في شؤونهم، خاصة في ما يتعلق برغبتهم في الخلاص من النظام الحالي وعلى يد أية قوة كانت: أميركا أو غيرها؟ ربما وصل العراقيون الى درجة اليأس من ميول العالم العربي إلى جعلهم سلاح حروبه الوهمية ضد الغرب، والإبقاء عليهم رهائن بشرية لاستمرار نظام الأسلحة الكيماوية.