نشر وحيد عبدالمجيد مقالاً تحت عنوان "الإسلاميون العرب بين أزمة كوسوفو وقضية أفغانستان" في "الحياة" العدد 13229. يوجه صاحب المقال سياط نقده لمواقف الإسلاميين المتناقضة ازاء كوسوفو وفي الوقت نفسه دفاعهم عن أفغانستان أثناء اجتياح الجيش السوفياتي السابق لها ابان الحرب الباردة .... نجح الكاتب من خلال مقاله في الدفاع عن التدخل الأميركي والحلف الأطلسي في انقاذ "شعب كوسوفو المسلم" كما يشتهي وتشتهي أن تروج الوسائل الإعلامية العالمية، إلا أنه اخفق في عتابه على مواقف الإسلاميين من التدخل الأطلسي وفشل أن يجرها إلى جانب الحلف. إن الاشكالية التي وقع فيها الكاتب هي تحليله السطحي لموقف الإسلاميين من دون النظر في الوقائع الاقتصادية والسياسية التي دفعت الإسلاميين أن يقفوا إلى جانب أميركا في أفغانستان وضدها في مسألة كوسوفو، ما أدى إلى تحليل مفاده التناقض في مواقف الإسلاميين بين القضيتين وبين الشرعية الدولية واللاشرعية. أريد أن اوضح بعض الحقائق للسيد عبدالمجيد التي غابت عنه. أولاً هو قدرة الحركات الإسلامية في تعريف وجودها خلال كل مرحلة اجتماعية وسياسية واقتصادية في حياة المجتمع. لكي نوضح هذه المسألة، علينا أن نرجع قليلاً إلى الوراء، كان تعريف الإسلاميين لوجودهم خلال عقود ما قبل التسعينات هو محاربة الكفر والالحاد الذي ترجم في معاداتهم للمعسكر الشرقي والقطب الشيوعي، وهذا الموقف وضعهم في مأزق أمام الحركة القومية العربية التي كانت مدعومة من قبل الاتحاد السوفياتي التي قدمت الدعم اللامشروط للحركات ضد الاستعمار لاحتواء النفوذ الغربي في صراعها مع الغرب خلال الحرب الباردة .... وفشل التيار العروبي في قيادة البرجوازية الوطنية وبناء الاقتصاد الوطني والقضاء على التخلف وبناء التنمية في بلدانها وكانت نتيجة لذلك الفشل هو الفقر المدقع والمديونية والتبعية الاقتصادية بشكل أكبر من السابق... هذا إضافة إلى هزيمته عسكرياً في 1967 وفي 1982 عندما اجتاحت إسرائيل جنوبلبنان. في خضم هذه الأوضاع جاء التيار الإسلامي ليوجه انتقاداته للواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمع من دون أية بدائل وأن يطرح نفسه في الساحة ويحمل الراية القديمة نفسها .... إذ لم يبق في الساحة في مواجهة أميركا، زعيمة الغرب، غير رفع راية الإسلام كايديولوجية معادية لها. من هنا نستطيع أن نحلل موقف الإسلاميين من كوسوفو ومعاداتهم لأميركا وعدائهم لها، فالبنك الدولي وباريس وصندوق النقد الدولي بيد أميركا، زعيمة الغرب، وليس بيد الصرب، وان البضائع والتكنولوجيا والهيمنة الاقتصادية الغربية والأميركية هي التي تخرب الاقتصاد الوطني ولا دخل للصرب في ذلك. ثانياً، ان المسألة ليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالشرعية الدولية ومجلس الأمن بالنسبة إلى موقف الإسلاميين .... لنتصفح قليلاً تاريخ مواقف الإسلاميين من حرب الخليج عاصفة الصحراء التي كانت في نظر الأوساط الديبلوماسية العالمية والدولية إحدى الخروقات الكبيرة للشرعية الدولية. إن الكل يدرك أن هذه الحرب أدت إلى قتل أكثر من ربع مليون عراقي وإلى تدمير المعالم المدنية في المجتمع العراقي، ويموت حالياً 4500 طفل عراقي كل شهر بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق تحت ظل الشرعية الدولية، ومات مليون إنسان نتيجة نقص الغذاء والدواء، وتشرد الملايين من العراقيين في العالم هاربين من المجاعة وغياب أي بصيص للأمل لديهم في الاستمرار في الجحيم الذي فرضته الشرعية الدولية، وتزايد بطش السلطة البعثية ضد جماهير العراق التي لم يكن لهذه السلطة ان يقوم لها قائم بعد آذار مارس 1991 لولا سياسة الحصار الاقتصادي الذي الحق دماراً مادياً ومعنوياً في صفوف جماهير العراق وتحت ظل الشرعية الدولية بقيادة أميركا .... هذا هو التناقض يا سيد عبدالحميد في موقف الإسلاميين تجاه موضوع واحد، وكان هناك ما يبرره في أفغانستان واليوم في كوسوفو. ثالثاً، وهو النقطة المهمة، ويجب أن نركز عليها وهي الجانب الإنساني والجانب الميكافيلي من سياسية أميركا سواء تحت ظل الشرعية الدولية أو تحت مظلة الحلف الأطلسي. إن أي عاقل لا يمكن أن يتصور لأجل انقاذ شعب ما يجب أن نلحق الدمار المادي والبشري بشعب آخر لتحقيق تلك الغاية النبيلة. من أين هذا القانون وفي أية محكمة في التاريخ القديم والحديث يجب ان يدفع الملايين من البشر حياتهم وأمنهم واستقرارهم. شنت أمريكا حرب إبادة ضد الشعب العراقي، وقتل عشرات آلاف من كوسوفو ويوغوسلافيا لأن المجرم ميلوشيفيتش يتفنن في الابادة العرقية، ان هذا القانون الذي تستخدمه أميركا والمحكمة التي تصدر فيها قراراتها لمعاقبة المجرمين لا يمكن ان يقبلها عقل أي إنسان تعلم القليل من المدنية وهو على اعتاب القرن الواحد والعشرين. إن القاصي والداني يعرف بعد ضرب العراق في نهاية العام الماضي من قبل أميركا والتحقت بها بريطانيا، لم يبق لمجلس الأمن أية هالة، وان أميركا كي تحافظ على مكانتها العالمية في قيادة العالم وفرض مفاهيمها عن النظام العالمي الجديد ليس لديها الفرصة ان تضيعها في أروقة مجلس الأمن وتبدد ما تبقى من الوقت الضائع في السماع إلى ثرثرة الصين وروسيا وفرنسا .... ومن جهة أخرى ان مجلس الأمن انتفى دوره في الاستمرار كوعاء لتنفيذ سياسات أميركا الطموحة للهيمنة على العالم، وأمسى عالم اليوم ليس كما كان في حرب الخليج لأن على أميركا ان تجد وسيلة أخرى لإدامة سياساتها القديمة منذ انهيار القطب الشرقي .... إن أميركا لا يهمها شعب كوسوفو، كما لا يهمها الشعب العراقي أو الشعب الفلسطيني، وكما أيضاً لم تكترث إلى أهالي نغازاكي وهيروشيما والشعب الفيتنامي وشعب أفغانستان. ومن الغريب أن نرى ان هناك من يدافع عن سياسة أميركا الميكافيلية الحقيرة التي لم تستطع ان تخدع حتى الإنسان البسيط الذي يعيش على سطح هذه المعمورة. إن من يعلق آماله على السياسات الهمجية الأميركية لتحقيق الأحلام النبيلة التي تطمح لها شعوب العالم، عليه أن لا ينتظر غير حصد أرواح الملايين من الأطفال والشيوخ والشباب والبحث عن مقابر لدفنهم. كندا - سمير عاد