عشية انعقاد المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية في الدوحة، تحولت بيروت، على مدى اسبوع، الى منبر لمناهضي العولمة. لكن التحرك الذي كان مخططاً له ان يكون موحداً شابه الانقسام بعدما احتجت الاحزاب السياسية على عدم اشراكها في النشاط الذي اقتصر على المنظمات غير الحكومية. فتوزع "مناهضو العولمة" على تحركين: الأول ل"الملتقى العربي الأول لمناهضة العولمة"، عقد السبت والأحد الماضيين وشاركت فيه حركات سياسية لبنانية وعربية وأجنبية، والثاني ل"المنتدى العالمي عن العولمة والتجارة الدولية" وشعاره "عالمنا ليس للبيع" وشاركت فيه على مدى اربعة ايام نحو مئة منظمة غير حكومية تمثل المجتمع المدني في مختلف القارات. كان الناشط الفرنسي جوزيه بوفيه عن الكونفيديرالية الفلاحية نجم التحركين مشاركاً وخطيباً. وإذا كانت الاحزاب السياسية سعت الى تقديم موعد لقائها الملتقى العربي على لقاء المنتدى العالمي لتسجيل نقطة لمصلحتها، فإنها نجحت في اصابة الأخير بحال ارباك وانشقاق في بعض المنظمات الأهلية، غير ان ما خلص اليه الملتقى بدا في رأي منظمي المنتدى شبيهاً بما يطرحه هو لجهة المواقف من العولمة والآليات لمواجهتها. وكان النائب اللبناني السابق نجاح واكيم تلا مشروع البيان الختامي للملتقى الذي سمي "نداء بيروت" ودعا الى "ضرورة التمييز بين العولمة بما هي ظاهرة ترتبط اساساً بثورة المعلوماتية والاتصالات وبين العولمة بما هي طور جديد من أطوار الرأسمالية الاحتكارية". وسجلت نقاط خلافية في مشروع البيان حالت دون اقراره وتتعلق بإدانة هجمات 11 ايلول سبتمبر وما تلاها من تداعيات اخرى متعلقة بالوضع المتوتر في الاراضي الفلسطينية. ولم يكن المنتدى العالمي بعيداً عما جرى من تطورات بعد 11 ايلول، لكن طرح المنتدى للأمر ينطلق، كما اوضح منسق اللقاء اللبناني حول منظمة التجارة العالمية زياد عبدالصمد، من تحذير من "ان الفوارق الكبيرة بين البلدان النامية والصناعية وبين الشمال والجنوب تؤدي الى المزيد من التهميش والبطالة والفقر وبالتالي تشكل بيئة خصبة لنشوء التطرف والعنف. وإدانة العنف لا تعني اللجوء الى شكل آخر منه إنما معالجة الاسباب الحقيقية له". ما يسعى اليه مناهضو العولمة الذين سيتمكنون من السفر الى الدوحة والذين سمح لهم بعقد ندوات ولقاءات صحافية، هو تأكيد رفضهم الدعوة الأوروبية لإطلاق دورة اجتماعات جديدة لتوسيع منظمة التجارة العالمية لإضافة قطاعات جديدة كالاستثمار والمنافسة والمشتريات الحكومية والتكنولوجيا البيولوجية وتسريع عمليات تحرير التعرفة. ويأمل مناهضو العولمة بإفشال الاجتماع على غرار افشالهم الاجتماع الثالث الذي عقد في سياتل عام 1999 تحت ضغط التظاهرات الاحتجاجية. لكن السلطات القطرية حصرت مشاركة المنظمات غير الحكومية ب500 ممثل فقط من كل العالم، والأكثرية جمعيات صناعية وشركات، بعدما اتخذت تدابير وقائية تحول دون وصولهم الى قاعة الاجتماعات. وكان هؤلاء سئلوا عما اذا كانوا سينظمون تظاهرات او سيشاركون فيها، على ان من لم يحصل على موافقة مسبقة لدخول قطر لن يتمكن من ذلك حالياً. ورهان الناشطين ضد العولمة على سفينة "رينبو وارير" التابعة لمنظمة "غرينبيس" التي سمح لها بالرسو في ميناء الدوحة وفق شروط معينة لتتحول الى منبر للإدلاء بالآراء المعارضة، علماً ان "غرينبيس" تنطلق من معارضتها اجتماع الدوحة من انها "ضد تجارة من دون رقابة، لأن المطلوب تجارة نظيفة وأمينة تحترم القواعد والقوانين التي وقّعت عليها الدول".