مصطفى الولي. شرك الدم. دار كنعان، دمشق. 2001. 152 صفحة. البحث الذي يقدمه مصطفى الولي في هذا الكتاب، يحاول استقصاء حقيقة ما حدث في قرية الطنطورة الفلسطينية قرب حيفا، يومي 22 و23 ايار مايو 1948 من مجازر لم يجر الإشارة اليها في صورة تفصيلية من قبل. الكتاب يستنطق شهود تلك المجازر ومعاصريها من أهل الطنطورة. اما المنطق والبداية فتحقيق قام به طالب جامعي اسرائيلي هو ثيودور كاتس، حيث يقول المؤلف انه توصل في بحثه الى استنتاجات في غاية الاهمية، تبين بجلاء التلفيق الاعلامي الاسرائيلي عن المجزرة، بما يؤكد ان الاقوال التي جاءت على لسان اكثر من شاهد من أبناء الطنطورة الذين عاشوا أحداث المعركة ورأوا المجزرة بأم أعينهم هي الأدق من بيانات المؤسسة الاعلامية الاسرائيلية ومن البلاغات العسكرية الاسرائيلية التي اعتمدتها قيادة الهاغانا استناداً الى تقارير قيادة لواء الكسندروني وكتيبة السبت الكتيبة 33 التابعة له. وفي تتبعه للرواية الاسرائيلية عن معركة الطنطورة، ومجزرتها من بعد، ينقل الباحث عن الاسرائيلي ثيودور كاتس مقاطع من وثائق اسرائيلية تتداول المعلومات حول السلاح والعتاد الموجود في حوزة أبناء القرية، وهي وثائق عمدت الى تضخيم ما في أيدي الفلسطينيين من سلاح، اذ زعمت انه "يوجد سلاح في كل بيت من القرية من دون استثناء... وهم يقومون بتهريبه عبر البحر"، في حين تذكر وثيقة اخرى ان عدد المسلحين في القرية كان ثلاثمئة مسلح، توزعت أسلحتهم على النحو التالي: 100 بارودة، 4 مدافع، 5 راجمات وعشرات المسدسات، في حين ذهبت روايات اسرائيلية الى تضخيم أسلحة القرويين في الطنطورة اكثر من ذلك بكثير في محاولة لتضخيم الانتصار الاسرائيلي وبما يبرز مجزرة مقصودة ضد المدنيين. تقوم دراسة مصطفى الولي على تقديم شهادات من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني على حد سواء. ففي الشهادات الاسرائيلية يقول شلومو أمبير وهو ضابط في الهاغانا تلقى تدريبه في صفوف القوات البريطانية وشارك في الهجوم على الطنطورة بصفته خبير متفجرات: "كنت هناك طيلة ساعات النهار فشاهدت أشياء أفضّل عدم الحديث عنها... التحقت بالجيش البريطاني لأني فكرت ان أهم شيء على اليهود القيام به هو الخروج لمحاربة الالمان في كل مكان وبقدر المستطاع. ذهبت لمحاربة الالمان، علماً أنهم العدو الأكبر الذي عرفه اليهود والعالم كله، لكننا حاربناهم بموجب قوانين الحرب التي أملتها علينا الأسرة الدولية، ويجب ان أشير الى انه حتى الألمان لم يقتلوا الأسرى غير المسلحين وبلا حماية، وفي كل الحالات عاد الأسرى من عندهم أحياء. هنا في الطنطورة قاموا بقتل العرب. من الصعب ان نقول انها كانت معركة حقيقية. كانت النية اخلاء القرية كاملها. جمعوا جميع السكان وخلال عملية الاخلاء والتجميع سقط شهداء. بمعنى آخر، ان الناس بصورة طبيعية كانوا متعلقين بالمكان ولم يتحمسوا كثيراً للانتقال، وبضغط من الجيش المحتل تسببوا بترحيلهم شرقاً ... بقيت صورة الرجال في القبور الجماعية محفورة بذهني. شاهدت اناساً كثيرين يقتلون هناك. غادرت المكان عندما شاهدتهم يقتلون ويقتلون ويقتلون، لذلك لا أعرف بالضبط عدد المقتولين هناك، وكان هناك نهب وسلب في الطنطورة". اما الشاهد الثاني ميخه فيكتوف والذي شارك في الهجوم ضمن الفرقة ج فيقول: "قاموا بتصفية أسرى أثناء التحقيق، وكان هناك من رفض تسليم سلاحه، حتى بعد ان اطلقوا عليه ... أحد جنود فرقتنا اغتصب امرأة عربية وقتلها، وبعد ان حوكم وفصل من الخدمة اعيد اليها جراء النقص في المقاتلين وقتل في المعركة علي كولي". الرواية الثالثة كانت لقائد شعبة 3 في فرقة أ، وجاءت أوضح واكثر تحديداً، اذ قال: "عندما انتهى كل شيء، جميع المحليين الذين استسلموا من قبل وسلموا اسلحتهم، كانوا في عداد الموتى، كانوا الاغلبية الساحقة من قتلى الطنطورة، لأن القلة فقط قتلت خلال المعركة بينهم بديع ابن المختار". يحتوي الكتاب - البحث على شهادات لعدد كبير من رجال ونساء قرية الطنطورة الذين نجوا من المجزرة، وكلهم من المقيمين في مخيمات الفلسطينيين في سورية، وهي شهادات تتقاطع كلها عند نقطة رئيسية، هي ان الاغلبية الساحقة من شهداء القرية، تم قتلهم بعد انتهاء المعارك ووقوعهم في أسر القوات الاسرائيلية، وفي الشهادات ايضاً روايات متعددة حول سلب القتلى ما يملكون من مال ومصاغ قبل اطلاق الرصاص عليهم، وكذلك تشغيلهم في حفر قبور جماعية كانوا غالباً ما يدفنون فيها مع قتلى آخرين سبقوهم الى الموت. ومع ذلك، فالسؤال المهم الذي يطرحه الباحث يحتاج الى اجابة: لماذا بقيت المجزرة مجهولة؟ في إجابته يقول مصطفى الولي: "يصر كاتس في استخلاصه من هذا السؤال وفي ما يتصل بالوثائق الرسمية الاسرائيلية وما شابهها من مؤلفات أو مذكرات للقادة الذين كانوا في موقع القرار في المنظمة الصهيونية وأدواتها، انه لا مؤامرة ولا محاولة اسكات". ويضيف معلقاً على ذلك "وما يفهم من دون أي لبس من هذه العبارة ان الباحث الاسرائيلي على يقين من ان الزعامة الاسرائيلية ومؤسساتها لم تكن مسؤولة عن اخفاء حقيقة المجزرة، وقبل ذلك وكما بيّنا سابقاً كان قد رجح تبرئة القيادة العسكرية الاسرائيلية، وأحال المسؤولية الى التشوش وألقاها على كاهل القادة الميدانيين وعلى الأفراد من الجنود الذين شاركوا في الهجوم"، وهو تبرير وجد فرصته في تقصير المراجع العربية عن توثيق هذه المجزرة البشعة بدقة، بسبب نقص المعلومات وصعوبة جمعها في فترة معينة سابقة. مجزرة الطنطورة عام 1948، وفي سياق حرب النكبة الفلسطينية الكبرى، هي من دون شك واحد في سلسلة طويلة من المجازر الدموية التي كانت من أبرز نتائج تلك الحرب، وهي حلقة في سلسلة المهام التي يتوجب ان ينهض الفلسطينيون خصوصاً والعرب عامة للقيام بها من اجل ادانة مجرمي الحرب، خصوصاً في هذه المرحلة التي افتضحت فيها مسؤولية رئيس الحكومة الحالية ارييل شارون عن مجازر صيرا وشاتيلا، وفي الوقت الذي تجري فيه - لأول مرة - محاولات جدية لمحاكمة شارون على تلك المجازر. فهل تكون دراسة مصطفى الولي عن مجزرة الطنطورة، فاتحة بحوث ودراسات جدية وموثقة عن مجازر الاسرائيليين بحق الفلسطينيين والعرب خلال نصف القرن الفائت؟